لعبة – المؤتمر العربي
مما نشرناه في الأعداد الأخيرة الماضية من «الزوبعة» اتضح للقارىء أنّ نفراً من السوريين المتفاهمين فيما بينهم قد قرروا القيام بشعوذة جديدة من شعوذات العهد الآخذ في الانقراض هي عقد اجتماع فيما بينهم يقتصر على ذواتهم وعلى من يقدرون أن يؤثّروا عليه بطرقهم يسمونه «المؤتمر العربي».
ولمّا كانت هذه الشعوذة قد انفضحت بما نشرته هذه الجريدة القومية والرصيفة القومية في البرازيل «سورية الجديدة» فقد فشل المتآمرون وأخذوا يرقعون المسائل بالتأجيل. ولكنهم لا ينفكون عن المكابرة وادّعاء تمثيل «الجاليتين» السوريتين في البرازيل والأرجنتين.
وقد نشرت الرصيفة «سورية الجديدة» مؤخراً مقالات أبانت فيها عدم صلاح رشيد سليم الخوري وعلي الحاج لتمثيل سوريــي البرازيل أو ما يسمونه «الهيئات الوطنية» السورية في تلك البلاد. ولكن الصحف المغرضة قالت: «سورية الجديدة» تخص الحركة السورية القومية ونحن لا نعترف بها». ومع أنّ هذا القول لا يفيد غير التحامل على الصحيفة التي أصبحت لسان حال الجالية السورية في البرازيل، فإننا نعلن للمكابرين أنّ الصحف السورية الأخرى ورجال الفكر والجهاد من مواطنينا النازلين في البرازيل يؤيدون موقف الحركة القومية و«سورية الجديدة» كل التأييد. وكل يوم نقف على شاهد جديد على فساد ادعاءات أصحاب لعبة «المؤتمر العربي».
والآن نقدم للقرّاء ما نشرته جريدة «الأفكار» لشيخ الصحافيين السوريين في البرازيل الدكتور سعيد أبي جمرة في عددها 2839. وهو سؤال من مفكر ومجاهد معروف، وجواب الجريدة عليه وهو كما يلي:
«حول عقد مؤتمر سوري«
«تحية واعتباراً. أما بعد فقد قرأت في عدد ماضٍ من جريدتكم الزاهرة أنّ هنالك مقترحات لعقد مؤتمرات سورية في الولايات المتحدة والأرجنتين ــــ وربما في البرازيل أيضاً ــــ لتقرير مصير سورية بما فيها فلسطين ولبنان وإعلان استقلالها التّام الناجز، وإبلاغ الدول كافة خلاصة تلك المقررات.. الخ.
«وبما أنه قد أغلق علينا فهم نتيجة هذا العمل، وخفيت عنا فوائده الوطنية جئت راجياً من فضلكم أن تتكرموا بشرحه على صفحات «الأفكار» السامية تنويراً للأذهان وخدمة للأمة والوطن.
«لنفرض نضوج هذه الفكرة وإخراجها لحيّز الفعل، فأي قيمة دولية ستكون لتلك المقررات؟ وأي دولة في العالم ستأخذ قرار استقلال سورية المعلن في أميركة بعين الاعتبار وتغيّر برنامج سياستها في هذه الحرب الضروس؟
«ألم يجتمع المؤتمر السوري بدمشق حينما قرر استقلال سورية وملكية فيصل؟ فماذا كانت النتيجة؟ وهل يجمل بنا تكرار هذه الغلطة في زمن نرى فيه الدول تلغي المعاهدات الرسمية المعترف بها وتدوس كل حقوق الناس المنافية مصلحتها؟ «ختاماً أرجو قبول شكري ووافر تحياتي واحترامي.
»مستفيد«
«الأفكار ــــ لحضرة «مستفيد» مركز سامٍ في عالم الأدب، وعند صاحب «الأفكار» ولذلك نأخذ رسالته هذه بعين الاعتبار اللائق بها ونقول موجزين جواباً على استفهامه الإنكاري: إنّ الوقت لم يحن بعد لعقد مثل هذا المؤتمر في العالم الجديد لأن مستقبل وطننا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرب الحاضرة. مرتبط بالمحور وحلفائه فيما إذا انتصر، وبإنكلترة وحلفائها فيما إذا انتصرت. والنصر بيد الله يؤتيه من يشاء وهو وحده يعلم متى تنتهي هذه الحرب وكيف تنتهي.
«نقول هذا والألم يحزّ النفس لأنه ليس عندنا من القوى المادية والمعنوية ما يجبر أحد الفريقين المتحاربين على احترام مؤتمراتنا ومقرراتها.
«قلنا «يجبر» لأن السيف وحده هو الذي يتكلم في هذه الأيام. وإذا قيل لنا إنهم يتعهدون ويعدون ويوقّعون معنا معاهدات واتفاقات وما إلى ذلك من أساليب السياسة نجيب بمثلهم الدارج عندهم القائل «من خدعني مرة فاللوم عليه ومن خدعني مرتين فاللوم عليَّ أنا».
«إنهم في خلال الحرب العالمية الأولى دفعونا إلى إنشاء جمعيات وعقد مؤتمرات وإرسال برقيات ومقررات إلى كثير من الأمم، وبعد ذلك إلى جمعية الأمم… فماذا كانت النتيجة؟
« (لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين) ومع ذلك فقد لدغنا وما برحنا نلدغ ــــ وما برح البعض منا يتجاهل قيمة المواعيد السياسية لا سيما مواعيد الأقوياء إلى الضعفاء.
«في مكتب «الأفكار» وعود إنكلترة للعرب سنة 1915 بإمضاء الجنرال مكماهون «وباسم حكومة جلالة الملك» أرسل الإخوان نصها إلينا عامئذٍ وصدّقنا، ولكن سرعان ما علمنا أنّ ذلك القائد العسكري (ورجال الجندية مشهورون بالمحافظة على الشرف) حاول إنكار ما كان قد أمضاه في رسالته إلى الشريف حسين. ثم علمنا أنّ المغفور له الملك حسين حينما أبرز تلك المواعيد الخطية نقموا عليه فسلطوا عليه إبن السعود وأماتوه قهراً وغماً.
«وفي أعداد «الأفكار»، وغيرها من الرصيفات الصادرات في ذلك الوقت عينه، تفاصيل المساعي التي قامت بها فرنسة بين المهاجرين أجمعين لحملهم على طلب وصايتها واعدة إياهم خطاً وشفاهاً بالاستقلال التام الحقيقي، ففي البرازيل أرسل رسولها يومئذٍ جميل بك مردم يقول إنّ مليونين من السوريين في البرازيل أمضوا معاريض يطلبون بها وصاية فرنسة. ومن العجب كيف أنّ شركة «هافاس» الفرنسية نقلت هذا الخبر بالبرق إلى سائر أنحاء العالم بلا حياء ولا خجل، وهي تعلم أنّ عدد السوريين في البرازيل لا يتجاوز مئتي ألف نسمة على أكثر تعديل.
«والأنكى أنّ عصابة الأمم قد سجلت طلب هذين المليونين… في سجل لجنة الانتدابات متخذة إياه حجة شرعية لوصاية فرنسة علينا».
«الزوبعة»: ما كدنا نرسل ما تقدم إلى المطبعة حتى وصلت إلينا نشرة موقعة من السيد قاسم عبد الله الذي كان في المدة الأخيرة سكرتير مساعد المير شكيب أرسلان، وكان في الوقت نفسه يرسل كتباً إلى السكرتير، أي إلى نفسه، مشيداً بأعمال «اللجنة» التي هو سكرتيرها ويجيب نفسه بصفته «سكرتير اللجنة التكريمية للمير شكيب أرسلان» بكتبٍ تنشر في بعض الصحف الدينية. ومفاد النشرة المذكورة أنّه قد أرسلت برقية في الثامن من مارس/آذار الجاري قدمت نسخ منها إلى كل من دول ألمانية وإنكلترة وفرنسة وإيطالية وروسية وتركية والعربية السعودية ومصر والعراق واليمن للمطالبة باستقلال سورية ولبنان وفلسطين وملخص البرقية كما يلي:
«إنّ رؤساء اثنتين وعشرين جمعية الممثلة الجالية العربية في الأرجنتين يعلنون لدولتكم أنّ سورية ولبنان وفلسطين لم تقبل الانتداب قط الذي وضعه عليها الأجانب بقوة السلاح وأنها دائماً مستمرة في جهادها حتى تنال حريتها.
«إننا نطلب وضع حد للحكم الأجنبي غير الشرعي، وتسليم إدارة شؤون البلاد لأهلها الأصليين.
فالسلم دائماً مهدد بالخطر في الشرق الأدنى وفي العالم أجمع، طالما سورية ولبنان وفلسطين مسيطر عليها الأجانب مضغوط على حرية سكانها».
وتليها أسماء الجمعيات الموقعة عليها.
وكنا قد وقفنا من قبل على رسالة وجّهها المير أمين أرسلان، النازل في هذه المدينة إلى عدد من الجمعيات يقول فيها إنه بناءً على وجوب إسماع صوتنا في هذه الحرب «فقد اتفقنا مع نسيبنا الأمير شكيب على إرسال برقيات للمطالبة باستقلالنا، الخ». ووقفنا على نسخة من نص البرقيات المقصود إرسالها مرسلة مع الرسالة المذكورة التي تتضمن طلب عشرين ريال من العملة الأرجنتينية وتوقيع رئيس الجمعية على نص البرقية. وفحوى البرقية المنشور آنفاً هو نسخة نرجح أنها طبق الأصل عن النسخة المرسلة من قِبل المير أمين أرسلان.
كل من له أي إلمام بالشؤون السياسية يعلم أنه لا قيمة سياسية مطلقاً لبرقية يوقّعها رؤساء «اثنتين وعشرين جمعية» سورية في الأرجنتين ليست لها أية صفة تمثيلية سياسية، وليست على شيء من انتظام شؤونها الداخلية. والذي طلب إرسالها يعلم جيداً أنه لا قيمة لها في ذاتها، ولكن يمكن بعض الدول الأجنبية ذات المصلحة فيها إكسابها صفة سياسية لتتخذها ذريعة لتنفيذ سياستها، كما اتخذت فرنسة وبريطانية في الحرب الماضية أسماء جمعيات حية وميتة وأرقاماً وهمية لجمعيات غير موجودة ذريعة لتنفيذ سياستها في مؤتمر الصلح.
نحن نعرف ما هي الجمعيات السورية في هذه البلاد، وأنها ليست سوى ميادين للمنافسات الشخصية وحب الظهور بمظهر الوجاهة.
ويريد القائمون بهذه اللعبة تأييد هذه البرقية السخيفة التي تمثلنا شعباً جاهلاً تتلاعب به إرادات الدول الأجنبية بالاستناد إلى رجال سوريين ذوي نفوذ جعلوا همّهم تكييف أنفسهم وفاقاً لتقلبات السياسة الأجنبية ورغبات بعض الدول. ولذلك يريدون أن يجتمع البعض منهم لهذه الغاية وأن يسمّوا اجتماعهم «مؤتمراً» ويطيّروا برقيات باسمه تكلِّف الجالية أموالاً تذهب كلها لخدمة المصالح الأجنبية وبعض الأفراد الذين اتخذوا السياسة حرفة.
نعلن ذلك للرأي العام، بعد أن أعلناه سابقاً، لكي يتنبه الغافلون فلا يروا أنفسهم أمام أمر واقع يتحتم عليهم قبوله. فالمسألة مسألة مقدرات أمة وأماني شعب بكامله!
الزوبعة، بوينس آيرس،
العدد 16، 15/3/1941