تصريح المحور بشأن مصر

بمناسبة زحف القوات المحورية في مصر أذاعت الشركات البرقية في الثالث من يوليو/تموز الحاضر البلاغ المشترك بين ألمانية وإيطالية المتعلق بموقف هاتين الدولتين من مصر وهو كما يلي:
«إنّ حكومة الرّيخ وحكومة إيطالية الملكية تعلنان:
«إنه في الوقت الذي تتقدم فيه قواتهما المنتصرة في الأرض المصرية تثبتان عزمهما الأكيد على احترام استقلال مصر وسيادتها وضمانهما.

«إنّ قوات المحور المسلحة لم تدخل مصر دخولها في أرض عدو، بل بقصد طرد الإنكليز من الأرض المصرية ومتابعة الأعمال الحربية ضد إنكلترا التي يقصد منها تحرر الشرق الأدنى من الحكم البريطاني.
«إنّ سياسة دول المحور مؤسسة على مبدأ «مصر للمصريين».
«بعد قطع السلاسل التي تربطها ببريطانية العظيمة والتي توجب تألمها من عواقب الحرب ستجد مصر الطريق مفتوحة أمامها لتحتل مكانها بين الأمم المستقلة والسائدة».
هذا البلاغ ليس الأول من نوعه فقد صدر ما يشبهه من الجانبين المتحاربين في عدة مناطق حربية. فإن بعض الأرضين الواقعة في مناطق محايدة سياسياً لم يمكنها تجنب الوقوع بين جيشين متحاربين، فكان لا بدّ لأحدهما من الاستيلاء عليها للاستظهار على عدوّه أو للحؤول دون استيلاء عدوّه عليها.

هكذا حدث في نصف جزيرة تيمور التابع للبرتغال عندما كانت الحرب لا تزال سجالاً في جزائر الهند النيدرلندية.
فقد احتلت هذا النصف من الجزيرة قوات الأمم المتحدة وأعلنت أنها تحتلها مؤقتاً لمنع سقوطها في أيدي اليابانيين، وأنها ستنسحب منها حالما تتم الغلبة عليهم.
فلمَّا استظهر اليابانيون أنزلوا قوات في هذه المنطقة البرتغالية، وأذاعوا أنهم يحتلونها بقصد طرد أعدائهم منها، وليس بقصد نزع سيادة البرتغال عنها.
ولكن البرتغال لم تقف موقف المشاهد مما جرى في تيمور. فقد احتجّت حكومتها على بريطانية التي دخلت تيمور. أما مصر فلم يرد خبر يدل على أنها احتجّت على البريطانيين لتحويلهم أرضها إلى ساحة حرب أو على المحور لدخولها محارباً ومحتلاً.

يوجد تباين قوي بين حالة مصر وحالة البرتغال. فالبرتغال دولة مستقلة وسائدة سيادة فعلية على الأرضين التي يخفق عليها علمها وليست مصر كذلك في السيادة.
والبرتغال دولة أوروبية وموقعها موقع استراتيجي هام يؤثر تأثيراً كبيراً على مجرى الحرب في حالة انحيازه إلى جهة من الجهتين المتحاربتين، وكلتاهما تفضل اكتساب ميل هذه الدولة أو بقاءها على الحياد، على الأقل، فلا ترغب في تكديرها.
أما مصر فموقع شبه استعماري إذا لم يكن مستعمراً بالكلية. فليس لمصر الخيار في ما تريد لأنها لا تملك سيادتها الكلية.
ومع ذلك فإن ميل شعبها وموقف حكومتها يؤثران بعض التأثير.
إنّ الأمم التي تتعرض لمثل ما تعرضت له مصر لا يمكنها الإيمان بحسن مآلها إلا بالاعتماد على قوّتها الروحية والمادية وتنمية هذه القوة إلى الحد الذي يجعل لها الشأن الأول في تقرير المصير.

القوة الحاصلة لأمة من الأمم هي الضمان الرئيسي لمستقبلها، وهذه النظرة قد أدخلها في تفكير الأمم العربية الحزب السوري القومي الاجتماعي بمبدأه الإصلاحي الخامس القائل بإيجاد الجيش لتحقيق إرادة الأمة وبالضلع الرابع من شعاره «القوة».

وهذا الفهم السياسي العميق في الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الذي أكسبه هذه الخطورة وجعل الدول الطامعة تخشى نموّه الذي سيقضي في الأخير على مطامعها في سورية.

ومسألة هذا الحزب العظيم كانت للدولتين «المنتدبتين» مسألة حرب مع عدو من طراز ممتاز.

أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 48، 15/7/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى