موسيقى وغناء – فدوى قربان في فلتياما
للمرة الثانية تبرز الفنانة السورية فدوى قربان على مسارح بيونس آيرس. وكان بروزها هذه المرة أمام النزالة السورية في الحفلة التي أقيمت يوم الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول الحاضر في مسرح فلتياما من قِبل جمعية «المستشفى السوري اللبناني» في هذه المدينة.
كان موعد ابتداء الكنسرت الساعة الواحدة والعشرين ونصف. ولكن الساعة صارت الثانية والعشرين ولم يكتمل حضور الناس. وقد افتتحت الحفلة وفريق من القادمين لا يزال يتحدث في رواق المسرح كأن المسألة مسألة سهرة اجتماعية لا مسألة تغذية نفوس بالفن الموسيقي.
فصار بعض المهتمين بالحفلة يصفقون للناس ليدخلوا لأن الحفلة ابتدأت وبعد الجهد الجهيد اكتمل الجلوس والموسيقى قد ابتدأت.
فاجأت فدوى قربان المجموع السوري، وجميع الذين لم يكونوا قد سمعوا صوتها من قبل، بصوت قوي عذب مملوء حياة.
ولكن أكثر السوريين غير مثقفين في الفن الموسيقي ويجهلون المواضيع الغنائية التي تناولتها المغنية. ومع ذلك فقد أصغى الجمهور أثناء الغناء تدفعه عوامل الدهشة وروعة الصوت وغرابة المغنى.
غنّت فدوى قربان غناءً موقظاً للإحساس ومنبهاً للإدراك.
وقد ظهرت مزايا صوتها في الأغاني الدقيقة «كملكة الليل» من «القيثارة السحرية [Magic Flute] » لموزرت و«أنشودة الضحك» من «الخفاش» لشتراوس و«البلبل الشرقي» لالبياق و«نشيد الأجراس» من «لكمه لدليب.
و«هاصوت الحسون» لبشف [Specht] .وهذه المزايا هي فوق كل مبالغة.
وقد تمكنت المغنية من التأثير بصوتها على نفسية الحضور التي ربيت على ألحان محدودة وفي أفق ضيق.
واجتذبت عدداً من الذين لم يتعودوا غير الأغاني «العربية» المقتصرة على حالات نفسية أولية إلى جمال الفن الراقي.
أما الذين كانوا قد نالوا قسطاً من الثقافة في الموسيقى فقد حملهم صوت فدوى قربان إلى انتصارات نفسية كبيرة، وكان إعجابهم بمقدرتها ومواهبها الفنية شديداً.
ولم يخلُ الأمر من دمدمة بعض المتأخرين في الذوق الموسيقي، الذين لم يمكنهم تتبع موحيات الفن، فصاروا يعلقون على اللغات التي غنت بها، ويتجادلون هل هذه القطعة ألمانية أو فرنسية أو طليانية.
والبعض اهتموا بزينة المغنية، والبعض الآخر تضجروا من الغناء «الإفرنجي» وصاروا يطلبون أن يجيء دور «يا لوعتي» ودور «إفرح يا قلبي».
هذا القسم «العربي» جاء في الأخير وجاء معه أصوات «يا عيني» و«طيب» من الحضور، والقطعة الأخيرة من الغناء الشعبي هاجت قسماً كبيراً من الحاضرين فعظم الصياح حتى كدنا نظن أنفسنا في معرض هزج وهتاف ومنزل يدور فيه الكأس ويثمل المجتمعون.
ولا بدّ من التعليق على هذا القسم فقد ظهر اختلاف بين طبقة صوت المغنية وطبقة صوت العود.
ولوحظ أنّ العواد كان يضرب بدرجة أدنى من اللازمة لصوت المغنية حتى أنّ بعض الحاضرين صاح «علِّ الطبقة يا عبد الكريم».
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 54، 15/10/1942