موقف سعاده من النّزعة الفرديّة


الرفيق عادل بشاره

عندما تصبح النّزعة الفرديّة قاعدة، تصبح المقاومة واجبة

   عندما كتب أنطون سعاده: “يجب على القوميّين الاجتماعيّين أن يكافحوا النّزعة الفرديّة مكافحتهم الاحتلال الأجنبيّ، بل أشدّ. فخطر الاحتلال الأجنبيّ من الخارج، أمّا خطر النّزعة الفرديّة على سلامة المجتمع فمن الدّاخل”، كان يعرف بالضّبط ما الّذي كان يقصده. إذ لا يمكن لأيّ شيء أن يضرّ بمؤسّسة ويمزّقها إربًا أكثر من النّزعة الفرديّة، الّتي تعني بالأساس إظهار الأنا وفرض السّيطرة بأيّ أسلوب.وتكمن الطّبيعة المعقّدة للنزعة الفرديّة بحيث يمكن أن تجعل المشاكل الّتي تنجم عنها خطيرة وغادرة للغاية يصعب التّعامل معها بمجرّد أن تخرج عن نطاق السّيطرة.

طبيعة النّزعة الفرديّة
   ولِفهم سبب خطورة النّزعة الفرديّة، يكون من المهمّ أوّلًا فهم طبيعتها وأعراضها:

  1. تنشأ النّزعة الفرديّة من الميل الفطريّ للإنسان لرؤية العالم من منظور ضيّق يسخّره في خدمة الذّات. وينظر أصحاب النّزعة الفرديّة إلى العالم من حيث كيفيّة أن يكون وسيلة أو أداة في خدمة مصالحهم وغايتهم الخاصّة الّتي غالبًا تكون غير معلنة أو معروفة لدى عامّة النّاس، وتعمل هذه الغريزة باستمرار بالتّلاعب بالظّروف والأشخاص وفقًا للمصالح والمقتضيات الأنانيّة.
  2. النّزعة الفرديّة غير عقلانيّة ولكن يمكنها أن تكون فاعلة ضمن منطق غير متوازن. وبغضّ النّظر عن مدى فكرنا غير العقلانيّ أو المدمِّر، فعندما نفكّر أو نتصرف من منظور أنانيّ يبدو لنا أنّ تفكيرنا صحيح وحقيقيّ وجيّد ومبرّر، أي منطقيّ. وبالتّالي، فإنّ طبيعتنا الأنانيّة تخلق حاجزًا هائلًا أمام التّفكير النّقديّ والتّحليل الموضوعيّ للحقائق من أجل الوصول إلى استنتاجات منطقيّة.
  3. النّزعة الفرديّة بطبيعتها غير مبالية بالمبادئ الأخلاقيّة أو الضّمير السّليم، إذ لا يمكننا أن نركّز في نفس الوقت من أجل الحصول على ما نريده بأنانيّة ونكون قد راعينا حقًّا حقوق الآخرين واحتياجاتهم. المرّة الوحيدة الّذي يأخذ فيه الأشخاص الأنانيّون الآخرين بعين الاعتبارهي عندما يضطرّون إلى أخذ الآخرين بعين الاعتبار للحصول على ما يريدون. على سبيل المثال، قد يأخذ السّياسيّ صاحب النّزعة الفرديّة في الاعتبار آراء مجموعة ذات مصالح عامّة فقط عندما يعتمد إعادة انتخابه على دعم هذه المجموعة. فهو/هي لا يركّز على عدالة قضيّة هذه المجموعة، بل على إدراك أنّه إذا فشل/فشلت في إثبات صحّة هذه الآراء علانيّة، فإنّ هذه المجموعة سوف ترفض دعم إعادة انتخابه، ويهتمّ هو/هي فقط بشأن ما هو في مصلحته/مصلحتها الأنانيّة، وطالما أنّ المطلب أنانيّ بحكم تعريفه لا يتمّ النّظر إلى حقوق واحتياجات الآخرين على أنّها ذات صلة.
  4. النّزعة الفرديّة مخادعة، حيث وبمجرّد أن يبدأ التّفكير المتمركز حول الذّات بالسّيطرة، فإنّه يبرر نفسه تلقائيًّا ويخادعها ليُصدّق أنّ موقفه هو الموقف الوحيد الّذي يمكن تبريره، ويرى نفسه على أنّه يمارس التّجربة الحقيقة، بغض النّظر عن مدى عدم دقّة صورة الأشياء الّتي يرسمها. ويمنع هذا الخداع المحترف للذات وبفعالية الأفكار المنطقيّة من تصويب الأخطاء المشوّهة، وكلّما أصبحنا أكثر قدرة على خداع الذّات، كلّما قلَّ احتمال إدراكنا لعدم العقلانيّة لدينا، وكلّما قلَّ احتمال أخذنا بعين الاعتبار المعلومات ذات الصّلة الّتي تمنعنا نزعتنا الفرديّة من النّظر إليها ، كلّما أصبحنا أقلّ قدرة على تطوير معتقدات عقلانيّة ووجهات نظر حقيقيّة.

أنطون سعاده والنّزعة الفرديّة
   لماذا منح سعاده النّزعة الفرديّة عناية واهتمامًا خاصًّا؟ الجواب هو أنّ النّزعة الفرديّة، عدا عن تفشّيها الواسع والخطير في أوساط الشّعب السّوريّ، تُشكّل حاجزًا لا يُستهان به أمام وحدة المجتمع ونهضته وفعاليّة مؤسّساته. وهذه الخلاصة تنطبق على حزبنا قبل غيره من حيث أنّه مؤسّسة ومجتمع بحدّ ذاته. والسّؤال هو لماذا؟

  1. لا يمكن التّوفيق بين النّزعة الفرديّة وجوهر المسعى القوميّ المتجسدّ في مبادئ الحزب وغايته، لأنّ هذه النّزعة تجبر الفرد على رؤية كلّ شيء في العالم من خلال علاقة المرء مع الذّات الفرديّة بدلًا من العلاقة مع الذّات الاجتماعيّة، حيث أنّ مجرّد ظهور النّزعة الفرديّة يمكن أن يؤثّر سلبًا على أمور مثل:
    الثّقة
    الرّوح الرّفاقيّة.
    سلامة القرار.
    التّعاون.
    العمل الجماعيّ.
       لا يمكن لأيّ منظّمة ، سواء كانت حزبنا أو أيّ حزب آخر، أن تحقّق غايتها، خاصّة إذا كانت ذات طابع قوميّ اجتماعيّ، دون هذا المزيج من العوامل الّذي لا غنى عنه في أيّ مشروع نهضويّ. النّزعة الفرديّة ليست قادرة فقط على تشويه هذا المزيج ولكن أيضًا على استنزافه بشكل كامل وإبطال مفعوله.
  2. إلى جانب الأحكام المسبقة ، وأنصاف الحقائق، والتّحيّزات، والغموض، والغرور، وما شابه ذلك من عيوب، تعزّز النّزعة الفرديّة التّفكير غير المنطقيّ واللاعقلانيّة على حد سواء وبوتيرة تراكميّة ومعدية. هذا أمر خطير جدًّا ليس فقط لأنّه من العوامل الّتي قد تعيق جهود المجموع، ولكن لأنّ اللّاعقلانيّة تتنافى كلّيًّا مع المبدأ الأساسيّ الّذي تقوم عليه أيديولوجية حزبنا، أي العقل البشريّ. وإذا كنّا نؤمن مع سعاده بأنّ العقل هو الشّرع الأعلى، فيجب علينا أن نكون مستعدين لرفض اللّاعقلانيّة بجميع أشكالها ومظاهرها. النّزعة الفرديّة هي شكل من أشكال الخداع الذّاتيّ؛ والتّفكير الذّاتيّ المخادع هو وسيلة لتحقيق غايات غير منطقيّة؛ والأهداف غير المنطقيّة تتعارض مع هدف العقل.
  3. تسير النّزعة الفرديّة على عكس غاية الحزب لأنّها تنجح في تحقيق ما هناك دافع لتحقيقه فقط، أي مصلحة الفرد. فهي مبرمجة ليس لتحقيق هدف المجموع بل لتحقيق هدف فرد أو أفراد معيّنين بحدّ ذاتهم. وقد يُظهر الأفراد من أصحاب النّزعة الفرديّة بعض الولاء للهدف العامّ، ولكن فقط عندما يكون بمثابة الغطاء لهدفهم الحقيقيّ.
  4. البُعد اللّاأخلاقيّ للنزعة الفرديّة – من الميل إلى الاهتمام بالذّات بدلًا من الآخرين؛ إلى تشكيل الرّغبات ومتابعة هذه الرّغبات، في حين يتمّ إغفال الآثار المترتّبة على المجتمع؛ إلى السّعي إلى الشّعور بالانتصار والنّجاح على حساب الآخرين – كلّ هذه الأمور وغيرها من مظاهر النّزعة الفرديّة معادية تمامًا للأسس الأخلاقيّة الّتي قام عليها حزبنا والمتمثّلة بالتّضحية بالنّفس، والولاء للجماعة، والاستقامة الفرديّة، والصّدق السّياسيّ، وما إلى ذلك.
  5. تخلق النّزعة الفرديّة جوًّا من العداء والتّنافس في صفوفنا، وهذا يتناقض مع روح الوحدة والتّضامن المطلوب منّا من أجل الحفاظ على الحزب. ولا يمكن أن يكون هناك اتّحاد في التّوجّه والرّؤية مع وجود النّزعة الفرديّة، خاصّة في أوساط القيادات الحزبيّة الّتي يفترض أن تكون منزّهة من تلك النّزعة. ويكون من الأفضل أن يتمّ صرف الطّاقة والموارد الّتي يجري إنفاقها من أجل إرضاء غرور أولئك الّذين يعانون من النّزعة الفرديّة على الأمور الّتي من شأنها أن تخلق مناخًا من الوحدة والإجماع وتعزز صفوف الحزب.
  6. تمنع النّزعة الفرديّة الحزب من تحقيق الإمكانات العقلانيّة لأنّها تعمل كغطاء لجداول وأعمال خفيّة. فهي تحشر قادته في زاوية واحدة في الوقت الّذي قد تكون وجهات النّظر الأخرى ذات صلة ملائمة أو أفضل، مما يمنع التّفكير النّقديّ والبناء وخلق ذهنيّة تنزع غالبًا إلى تهميش أولئك الّذين يلتزمون المبادئ والنّزاهة ويسعون جاهدين لفهم واكتساب تجربة الحزب بشكل غنيّ وكامل.
  7. تعزّز النّزعة الفرديّة داخل الحزب طرق غير شرعيّة لكسب واستخدام السّلطة، وهي بذلك تدفع الأعضاء إلى السّعيّ إلى تلبية رغباتهم الأنانيّة إمّا مباشرة، من خلال ممارسة القوّة والسّيطرة علنًا على الآخرين، أو بشكل غير مباشر، من خلال خضوع الأفراد إلى أولئك الّذين يمكن أن يعملوا لخدمة مصالحهم الخاصّة. وهذا يؤدي إلى نشوء شكلين متمايزين من استراتيجيّة النّزعة الأنانيّة هما:
    أ. فنّ السّيطرة على الآخرين (وسيلة مباشرة للحصول على ما يريده المرء).
    ب. فنّ الخضوع للآخرين (كوسيلة غير مباشرة للحصول على ما يريده المرء).
       وكلا الفنّين غير ملائم لفكر سعاده، فحسب مفهوم سعاده للسياسة فإنّه يجب تفكيك مثل هذه الممارسات، الّتي تنتمي إلى المجتمع القديم، وذلك لإفساح المجال لممارسات وتوجيهات سياسيّة جديدة أكثر اتّساقًا مع روح العصر والارتقاء البشريّ.

النّزعة الفرديّة في الحزب
   على الرّغم من التّحذير الصّارم الّذي أصدره سعاده منذ حوالي سبعين عامًا، تحوّلت اليوم النّزعة الفرديّة داخل الحزب إلى خطر داهم يهدّد استقراره ووحدته بشكل كامل.
يمكننا أن نرى النّزعة الفرديّة في الأفراد الّذين يريدون أن يكونوا قادة لشيء ما غير مبالين إزاء عدد ونوعيّة الأشخاص الّذين يقودون: المهمّ أن يقودوا.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين لا يهتمون بالمكان الّذي يذهب إليه الحزب أو يجب أن يذهب إليه طالما أنّهم يسيطرون، وهم في ذلك مثل السّائقين الّذين لا يعرفون وجهتهم فحسب، ولكنّهم أيضًا لا يستمعون إلى أيّ من الرّكاب عن المكان الّذي يجب عليهم أن يذهبوا إليه. وعادة، يتوقّفون فقط عندما يكونون قد حطّموا السّيارة أو أدخلوها في بعض المشاكل الميكانيكيّة الّتي تمنعها من المضيّ قدمًا.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يعتقدون أنّ الحزب في حالة جيّدة لأنّهم مرتاحون في مناصبهم الخاصّة بهم، إنّهم مثل المواطن الّذي لا يبالي بالخراب من حوله لأنّ ذلك خارج محيط منزله أو منطقته.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يردّدون مواعظ الاحترام والتّقيّد بدستور الحزب، ولكنّهم يفعلون ذلك بعد أن انتهكوا كلّ القوانين الدّستوريّة للوصول إلى ما هم عليه الآن.
   ويمكننا أن نراها في من يقفون في وجه الإصلاح والتّقدّم في الحزب خدمة لطموحات شخصيّة أنانيّة ومكاسب صغيرة يحقّقونها لأنفسهم.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين لا يأخذون بعين الاعتبار حقوق واحتياجات الآخرين، كما أنّهم لا يقدِّرون وجهة نظر الآخرين أو الحدود في وجهة نظرهم لأنّهم ملتزمون بخدمة مصالحهم الأنانيّة.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يستخدمون مصطلحات أخلاقيّة في تبريراتهم ومعايريهم ولكنّهم لا يستجيبون للاعتبارات الأخلاقيّة عندما يقتضي الأمر منهم. وهم، في الواقع، لا يحترمون المبادئ الأخلاقيّة، بل يفكّرون في المبادئ الأخلاقيّة فقط عندما يبدو أنّ تلك المبادئ الأخلاقيّة تبرّر حصولهم على ما يريدونه لأسباب أخرى.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يختارون تجاهل التّعقيدات الحقيقيّة والمهمّة في الحزب لصالح المفاهيم التّبسيطيّة، لا سيما عندما يتطلّب منهم النّظر في تلك التّعقيدات تعديل في مواقفهم أو التّضحية ببعض مصالحهم.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يدّعون أمام الآخرين بأنّهم أعضاء مخلصون ولكنّهم يتجاهلون كلّ مبدأ أساسيّ إذا كان القيام بذلك سيمكّنهم من الحفاظ على قوّتهم أو كسب المزيد من القوّة والمزايا.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يفتخرون بالشّفافيّة والنّزاهة ولكن ليس لديهم أيّ هدف آخر سوى الاغتناء وإثراء أنفسهم.
   ويمكننا أن نراها في أولئك الّذين يحاضرون عن النّظم الدّيمقراطيّة في الحزب، على الرّغم من أنّهم وصلوا إلى السّلطة أصلًا بطرق غير ديمقراطيّة، من انقلابات ومؤامرات دمويّة إلى اعتماد أساليب أمنيّة وترهيبيّة بمؤازرة قوى خارجيّة.
   نعم، النّزعة الفرديّة متفشّية في الحزب، ويعاني الحزب من الرّكود والانهيار السّريريّ لأنّ النّزعة الفرديّة منتشرة وبشكل منتظم وروتينيّ على كلّ مستوى من مستويات مؤسّساته. وحقيقة أنّها راسخة ومنتشرة في أوساط القيادات العليا، وهي سبب أكثر لمزيد من القلق، لأنّه يفترض أن تكون تلك الأوساط بمثابة عيادة دائمة لعلاج النّزعة الفرديّة ومنعها، وليس كحقل للانخراط وممارسة النّزعة الفرديّة فيه.

علاج النّزعة الفرديّة
   لأنّ النّزعة الفرديّة عبارة عن مظهر سيكولوجيّ، فإنّ التّعامل معها أمر شاقّ ومليء بالتّحدّيات، إذ ليس فقط من الصّعب تحديد من يعانون من النّزعة الفرديّة، ولكنّ الأصعب من ذلك، إن لم يكن من المستحيل هو الحصول على اعتراف شخص ما بأنّه يعاني من النّزعة الفرديّة. ويرجع ذلك إلى أنّه بمجرّد أن تسيطر النّزعة الفرديّة، فإنّ هذه الأخيرة تبرّر لنفسها بطريقة عفويّة وتخادع نفسها بالاعتقاد بأنّ موقفها هو الموقف الوحيد الّذي يمكن تبريره، وترى نفسها على أنّها تمارس الحقيقة، بغضِّ النّظر عن مدى عدم دقّة صورة الأشياء الّتي ترسمها. ويمنع هذا الخداع الماهر للذات وبفعاليّة الأفكار المنطقيّة من تصحيح الأفكار المشوّهة. وكلّما أصبحنا أكثر قدرة على الخداع الذّاتيّ قلَّ احتمال إدراكنا لعدم عقلانيّتنا، ونكون أقلّ تحفيزًا لتطوير أفكار ورؤى حقيقيّة أو لقبول العلاج.
   ومع ذلك، هناك طرق للسيطرة والحدّ من انتشار النّزعة الفرديّة، أحدها هو تعزيز المحاسبة أو استحداث آليّات جديدة واضحة ومحدّدة وصارمة وعاجلة للمُسَاءلة، وطريقة أخرى يمكن اعتمادها تتمثّل في تعزيز مبادئ وممارسات المسألة الأخلاقيّة لتحسين المستوى الدّاخليّ للسلوك الفرديّ والجماعيّ وذلك عن طريق زيادة الوعيّ بمسألة النّزعة الفرديّة على جميع المستويات في الحزب، خاصّة في الصّفّ الحزبيّ. وهناك أيضًا العديد من الاستراتيجيّات والخطط الّتي يمكن تبنّيها أو تطويرها لمكافحة النّزعة الفرديّة، ولكن في النّهاية، تتوقّف كلّها على إمكانيّة بناء مؤسّسة يقودها رجال ونساء قادرون على التّفكير والتّصرّف بعقلانيّة وخلق ثقافة موجّهة بقوّة ضدّ هذه النّزعة الهدّامة.
   وعليه، يجب تطهير المؤسّسة الحزبيّة من أصحاب النّزعة الفرديّة وذلك إذا كنّا جادّين بشأن مستقبله، هذه خطوة لا بدّ منها لإفساح المجال أمام المخلصين والمصلحين الحقيقيّين لكي يتمكّنوا من إنشاء مؤسّسة تعلّم الأعضاء احترام التّفكير العقلانيّ حتّى ولو كان لا يتلاءم مع وجهات نظرهم ومعرفتهم بكيفيّة مراعاة وجهات نظر الآخرين؛ وكذلك توعيتهم بالآثار المترتّبة عن تفكيرهم وسلوكهم الخاصّ؛ وتدريبهم على تحديد الهفوات المتعلّقة بمنطق تفكيرهم والإقرار بأنّ هذه الهفوات إشكاليّة، وتمكّنهم من تطوير فكر عقلانيّ واستخدام هذا التّطّور لمقاومة أو تصحيح أنماط التّفكير الأنانيّ.
   يتطلّب هذا الأمر مستوى معيّنًا من الالتزام والتّخطيط، وهو ينطوي على تفكير منضبط، واستعداد العضوّ لتحمّل المسؤوليّة والخضوع إلى المُساءلة. وهذا بدوره يعني تطوير صوت داخليّ يرشد التّفكير ويساعد على تحسينه. كما يعني التّمعّن أكثر في الآثار المترتبة على التّفكير قبل القيام بالفعل. إنّه ينطوي على تحديد ومراقبة أهدافنا وأجنداتنا، والتّحقّق صراحة من النّزعة الأنانيّة. إنّه ينطوي أيضًا على تحديد التّفكير غير المنطقيّ وتحويله إلى تفكير عقلانيّ.
   قد يبدو الأمر طموحًا مبالغًا فيه، ولكن هذا بالضّبط ما توقّعه سعاده من مؤسّسة الحزب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى