وتذكّروا الإسكندرونة…
الرّفيق وائل ملاعب
هل يُعيد المشهد الفلسطينيّ المُستجِدّ النّبض إلى سوريّةِ لواء الإسكندرونة؟ على ما يبدو أنّه لا وجود للمستحيل في مسائل الحقّ. قبل عشرين عامًا، كان طرح مثل هذا السّؤال كفيلًا بجذب كلّ النُعوت الرّجعيّة وأنواع السُّخرية والتّهكّم، فالهزيمة سَكنَتْ كلّ شيء، حتّى الهواء الّذي تنفّسناه، فأصبحت أحلامنا تَضمُر نتيجة التّلوّث الرّئيويّ في الوقت الّذي كان الوهمُ فينا يكبُرُ إلى الحدّ الّذي لا تسعهُ أزقّة الحياة العزيزة، إلى هذا المدى كان طرح مسألة لواء الإسكندرونة جنونيًّا. أحقًا نتكلّم عن بقعة أرض سُلبت وصودِرَت وطُوِّعَت في غفلةٍ من الوعيّ!! مَن هو ذلك المُتفرِّغ الّذي ما زال يقرأ في أساطير الأوّلين لكي يُحدّثنا عن جَبلَيْنِ ووادٍ تَملَّكهُم والينا ووليِّنا بدلَ أتعابِهِ لمدّة أربعمائة وبضع سنوات. على ما يبدو أنّ هناك مجانينٌ مُتفرّغين، على ما يبدو أنّ هناك بقيَّةٌ مِنّا لم تُقم اعتِبارًا لِلخَوارِقِ والمُعجزات وآمَنَت رغم كل شيء بنفسها حقيقةً راهِنة. هذه الفئةِ الحيّة الّتي صارَعَت مارِدَ الوَهمِ وصَرَعَتهُ ليتبيَّنَ لها أنّ ما بَينَ الإنسانَ وحقّهِ غمامة وَهمٍ على شكلِ مارِد. ما أروَعَكِ يا فِلسطين يا تلكَ المُنهكة حينَ تُعيدينَ وضعَ لواء الإسكندرونة المَنسيِّ على طاولةِ الذّاكرة والوعيّ والأمل، هذا اللّواء المُغتربِ قَسرًا منذُ عام 1939، المسلوخِ عن نفسهِ وعَن وُجدانِ الكثيرين، كأنّي بهِ اليومَ ينظُرُ إلى اللّد والقُدس وغزّة… وكُلّ فلسطين، ينظُرُ إلى أطفالٍ إلى أحداثٍ يُحاضِرونَ بالإنتماءِ في وجهِ أعتى جيوش الأرض بأعمق مفاهيم الحياة والتّاريخ والجغرافيا، وقبلَ كلّ هذا يُحاضِرونَ بالحَقّ الّذي لطالما كان سِمةً مِن سِماتِ بلادِنا نطقًا ومُمارسةً. بعيدًا عن الوُجدان والعاطفة، وبعيدًا عن أساطيرِ الأوّلين، إنّ هذه البقعة الجغرافيّة الممتدّة على مساحة 4800 كم مربّع، والّتي كانت جزءًا عزيزًا مهمًّا من تاريخِ الهلال السّوريّ الخصيب، بجبالها وسهولِها وقُراها ومُدنها، وليست أنطاكية بكنيسَتَيها إلّا شاهدًا على هذا الحقّ وهذه الحقيقة وهذا الشّرق، نراها اليومَ يقينًا لا وهمًا، وأقربُ من ذي قبل، كما نرى فلسطين أقرب، فما ليسَ بهِ شَكّ أنّ احتلال المنازل لا يعني احتِلال الهُويّة، ومُصادَرَة الأراضي بفَرمانات واتفاقيّات لُصوصٍ دوليّين لا يعني مُصادرة الهُويّة، وقتل النّاس والتّجزيرِ بأهل الأرض لا يعني قتلَ الهُويّة، وإنّ شعبنا على ما أقولُ شهيدًا.