ولادةُ النّبوغِ والعبقريّةِ والنّور
رئيس النّدوة الثّقافيّة الأمين ادمون ملحم
الأوّل من آذار هو عيد مولد فتى الربيع، أنطون سعاده، باعثُ نهضة الأمّة وفيلسوفها ورائد الإصلاح الاجتماعيّ، السّياسيّ، الاقتصاديّ والمناقبيّ الّذي صاغ نظرةً جديدةً إلى الحياةِ والكونِ والفنِّ ودعا الأدباء والشّعراء السّوريّين للأخذ بها لينتجوا على ضوءها أدباً جميلاً، رفيعاً، يشعّ بالحبّ والحكمة والأمل ويُعبِّر عن مثلنا العليا وأمانينا. وهذا العيد اكتسب أهميّته من حدثين بارزين في تاريخنا الحديث.
الحدث الأوّل هو تأسيس القضيّة القوميّة سنة 1932 في حركة مجتمعيّة، ثقافيّة- صراعيّة، غايتها توضيح حقيقة الأمّة وتوحيد اتّجاهها وإنهاضها من كبوتها واسترجاع حقوقها السّليبة وإعادة مسيرتها في الفعل الحضاري والإبداع الثّقافيّ وبناء دولتها الحرّة المستقلّة لتصون مصلحة الأمّة والوطن ولتهتم بمصالح الشّعب وتسير به إلى مراقي العزّ والخير والتّقدّم والفلاح.
والحدث الثّاني هو استشهاد المؤسّس والقائد المثالي في الثّامن من تمّوز سنة 1949 خاتماً رسالته بدمه بوقفة عزٍّ بطوليّةٍ محقّقاً انتصاره على الباطل ومؤكّداً على صحّة مبادئه لتستمر ثورته متوهّجة وفاعلة في النّفوس.
وبفضل هذين الحدثين العظيمين وما أنتجه سعاده من أفكار سامية وما حقّقه من أعمال خالدة تحوّلَ عيد ميلاده من عيد خاص إلى عيد ولادة أمّة جمعاء وولادة وعيها الأصيل لحقيقتها وانبثاق فجرها الجديد معلناً إشراقة شمس الحقّ والحريّة والنور وإطلالة ربيعها الحقيقيّ الجميل، ربيع الخصب والدّفء والجمال.
الأوّل من آذار يعني ولادة النّبوغ والعبقريّة والنور:
- ولادة النّبوغ في عقل إنسان استوعب التّاريخ والتّراث والمعارف والعلوم وعبّر عن إرادة الأمّة وأمانيها وراح يخطّط لمستقبلها ولسبل ارتقائها وصعودها إلى المجد.
- ولادة العبقريّة بشخص أنطون سعاده – الفتى، فتجلّت هذه العبقريّة في وقتٍ مبكرٍ بعملٍ عظيم قام به ويمكن اختصاره بأنّه ابتدع “فكرة وحركة” غايتهما بعث نهضة في الأمّة ورفع مستوى حياتها وإعادتها إلى سابق قوّتها وأمجادها الحضاريّة. وقد عبَّرَ سعاده عن ذلك بقوله: “إنّ إنشاء المؤسّسات ووضع التّشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضيّة القوميّة”.
- ولادة النّور السّاطع الّذي بدأ يرسل بإشعاعاته على مساحة الوطن مبدِّداً ظلمات الشكّ والجهل والتّخلّف والانحطاط بالمعرفة واليقين وباعثاً الدّفء والخصب والحبّ والجمال.
الاحتفاء بعيد الأوّل من آذار لا يعني تكريماً لسعاده الفرد بل لسعاده الفكر ورجل القضيّة، سعاده مؤسّس النّهضة وقائدها ومعلّم الأمّة السوريّة ومنقذها. سعاده، القدوة الّذي شكَّلَ مدرسة في الأخلاق تربّي الأجيال على حبّ الوطن ونبذ كلّ المفاسد والعصبيّات والانقسامات الّتي تمعن تمزيقاً وتفتيتاً في المجتمع.
الاحتفاء بالأوّل من آذار هو ليس مناسبة نكرِّسُ فيها مراسيم طقسيّة بل مناسبة للفرح القوميّ والوئام الاجتماعيّ وفرصة لدفع التّفاعل الفكريّ بيننا والفعل الثّقافيّ في أوساطنا لتعمَّ المعرفة ولتنتشر المبادىء الجديدة الّتي تشكّل قواعد ارتكاز وانطلاق لحياة العزّ والتّقدّم والفلاح الّتي نصبو إليها.