الروح القومي الاجتماعي يتكلم بالحق

«وما احترامنا لسعاده إلا تأييدنا لقضيتنا واحترامنا لأعمال خالدة هي من صفات الكمال بنا.
«أنت في جهادك اعتباطي، مادي، نفعي، وأنا في جهادي وطني روحي. وهذا هو البون الشاسع بيني وبينك.
«ولا نشكر أحداً يقاتل الناس ويسبّهم ويقول إنه يحشد للأمير شكيب ولنا.
«حللوا الأعمال قبل أن تحملوا السلاح.
«أمَّا التعصب الطائفي والتغرض القيسي واليمني فقد ذهب أوانهما وإذا كانت قد بقيت لهما جراثيم فلا محل لها عندي».
نعمان ضو

لا نعتقد أنّ كاتباً مهماً بلغ من البراعة في الأسلوب وتركيب التعابير، يقدر أن يصل إلى هذا السمو في بلاغة القول ما لم يكن له من الروح هاد.
الأقوال البليغة التي أثبتناها آنفاً ليست لكاتب مشهور ولا لشاعر ذائع الصيت، بل لرجل من عامة الناس كان قروناً فلاحاً في الوطن وهو في الأرجنتين يتعاطى تجارة بعض المحاصيل الزراعية أي الفاكهة.
ولكن الروح القومي قد جلا فطرة صاحبها الممتازة فإذا نعمان ضو رجل فكر بعيد وشعور سام ومناقب راسخة ومطامح جديرة بالانتصار والبقاء.

لم يكن من حظ نعمان ضو أن يدرس في مدرسة عالية فهو لم يتعلم غير القراءة والكتابة تحت سنديانة زرعون، ولكن نجابته وقوة روحه دفعتاه إلى طلب المعرفة، وإلى الاهتمام بالحوادث والمسائل الوطنية، فأقبل على قراءة الكتب التي يتفق وقوعها في يديه بشعف، فقرأ في بعض التواريخ وفي كتب الديانة الدرزية، وأحلَّ المعرفة التي وصل إليها محلاً كبيراً من نفسه واعتنى عناية عظيمة بالفضائل المناقبية التي تفهّمها من تعاليم دينه ومن قراءته في كتب التاريخ والأدب.
وقد أوجدت مواهبه العقلية ميلاً فطرياً فيه إلى المسائل والقضايا الأساسية في الدين.
وفي الوطنية كان هذا شأنه.
أما في الدين فقد وجد في المذهب الدرزي الذي ولد وتربى فيه ما يشبع نفسه من هذه المسائل والقضايا.
وأما في الوطنية فقد كان يندفع في كل حركة استقلالية ويلبّي كل نداء.
ولكن كل ذلك كان عارضاً غير أساسي. وطبيعة نعمان ضو تريد الأساس الراسخ. فلم يقدر أن يستقر فكره على شيء من جميع الحركات الوطنية الاعتباطية التي نشأت في سورية، إلى أن كانت دعوة سعاده إلى القومية الاجتماعية وتعاليمه التي تأسس عليها الحزب السوري القومي. فوجد ضو في هذه الدعوة ما يجذب فكره وشعوره فمال إليها.

وشيئاً فشيئاً صارت نظرتها الكبرى تنجلي له وتعاليمها تختمر في ذهنه بالشروح والتفاصيل والاختبارات العظيمة التي مرّت بها.
فصارت هذه التعاليم عقيدة راسخة في نفسه، لأنه أدرك أساسها المتين، كما أدرك، على ضوئها، فساد الأعمال الاعتباطية التي هيّجت الشعب في دعوات كثيرة لا أساس صحيح لها.
وكانت هذه العقيدة تحتاج إلى محك ليدرك الناس قيمتها الصحيحة في نعمان ضو.
فجاءت المساعي الرجعية الأخيرة تمتحن فكر الرفيق ضو وشعوره فنتج من هذا الامتحان الجواب المفتوح الذي وجّهه الرفيق ضو إلى صاحب العلم العربي ونشرته الزوبعة في العدد الماضي (ص 589 أدناه). فظهر الرفيق نعمان ضو ليس فقط بمظهر المبايع الوفي والجندي النظامي، بل ظهر بما هو فوق ذلك.

في جواب الرفيق نعمان ضو المفتوح المذكور نكتشف رجلاً من رجال الفكر والحجة في القضية السورية القومية الاجتماعية، ودعامة من دعائم العقيدة القومية الاجتماعية في الأرجنتين وباقي المغترب، وقوة من قوات الحركة القومية الاجتماعية في كل مكان يقيم فيه نعمان ضو.

جواب نعمان ضو المشار إليه يبرهن على كمال فهمه للعقيدة السورية القومية الاجتماعية وقضاياها والتفاصيل الاجتماعية والسياسية التي تدخل تحتها، وإننا نشكر كثيراً للرجعيين والنفعيين ملاحقتهم للرفيق نعمان ضو حتى جعلوه يبرز بكل هذه القوة الفكرية والروحية، ويظهر لرفقائه الذين لم يعرفوه أي رجل هو، وللناس كيف يكون القوميون الاجتماعيون الحقيقيون الواثقون من قضيتهم ونظامهم والموثوق بهم.

وإنّ من أبرز الصفات الشخصية التي تميّز الرفيق ضو الرجولة، ففي كل عبارة من عبارات جوابه المفتوح يحس القارىء بالرجولة الفاهمة الواجب المدركة المسؤولة الحافظة للشرف. وفي أقواله التي أثبتناها في مقدمة هذا المقال يفهم كل ذي بصيرة أنّ الروحية القومية الحقّة شيء أسمى كثيراً من كل ما يتصوره الرجعيون والنفعيون في المسائل العمومية، وأنّ القوميين الاجتماعيين هم جماعة ذات عقيدة ونظام يحيون بهما ولهما ويموتون لأجلها، لا أفراد يتطلبون بعض المنافع والمصالح الخصوصية يساومون بها على العقائد والمطالب كما يفعل الذين لا عقيدة ولا مطالب عليا لهم التابعون كل ناعب ناعق باسم الإقطاع أو باسم الدين أو المذهب.

إنّ لكلام الرفيق ضو طابع العهد الجديد، عهد القومية والقيم الروحية والمناقب التي فيها جمال الحياة الإنسانية وبقاء الأمم. وإنه لثقيل على أبناء العهد القديم، عهد التحمس الديني والتعصب القبائلي والمصالح الخصوصية والمنافع الفردية المادية.

أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 58، 15/12/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى