خطاب الزعيم في الكورة – صيف 1937


أيها القوميون،
هذه هي الزيارة الثانية التي أقوم بها إلى الكورة…
كانت زيارتي الأولى إليها بالخفاء.
وبين تلك الزيارة وهذه الزيارة أصيب الحزب بنكبات عديدة، فانظروا الآن إلى نتيجة النكبات. وأما ذلك الزائر العادي فقد انتشرت أجزاء منه كثيرة في طول الوطن وعرضه وأصبح يمثل فكرة وحركة.
لقد ظن البعض أنّ سكوتنا وهدوءنا تجاه ما لاقيناه من اضطهادات ضعفٌ وجبانة، ولكن كم من قوة تكون مستترة في ثوب الضعف، وكم من ضعف يكون مستتراً في ثوب القوة فنحن ذوو رباطة جأش ونعرف كيف نستعمل رباطة جأشنا.
أجل، أيها الرفقاء، إنّ النكبات لم تفعل إلا أن زادتنا قوة لأن فينا سراً نقدر به على النكبات، سواء أتكلما أم همسنا، سواء أزحفنا إلى القتال أم وقفنا ننتظر ونراقب مجرى الأحوال، نقدر عليها جميعها لأننا أمة ناشئة قد ابتدأت تتكون في الخفاء من نوايا صغيرة هنا وهناك، ثم أخذت تنمو في كل مكان، وستظل تنمو حتى تصبح الأمة أمة بالمعنى الصحيح، ولن تصبح كذلك إلا عن طريق الحزب السوري القومي.
أيها القوميون،
ليس عاراً أن نُنكب، ولكنه عار إذا كانت النكبات تحولنا من أشخاص أقوياء إلى أشخاص جبناء.
إنّ العراك بيننا وبين القوات الرجعية لا يقف عند هذا الحد، فكلما ازددنا نمواً كلما ازداد الضغط.
هو عراك بين الحياة والتقاليد، والحياة القومية لا بد لها من أن تُخضع في النهاية التقاليد.
ولكن ليبقَ نضالنا ضمن هذه الدائرة النبيلة، ليكن عراكنا دائماً في سبيل المصلحة القومية، لأجل مصلحتنا نحن في الحياة لا لأجل أي شيء آخر.
لا غاية لنا وراء مصلحتنا، ليست مصالحنا وسيلة لأغراض أخرى كما يريد الآخرون.
نحن نفكر في المسائل الكبرى. إننا نفكر في أنّ اقتصادياتنا يجب أن تنظَّم تنظيماً يكفل لنا الحياة.
نحن عقيدة ثقافية اجتماعية اقتصادية سياسية، نعمل لهذا المجتمع لتوحيده من جميع الوجوه.
نحن نفكر بأمور لا تخطر على بال المرشح النيابي.
إنّ النيابة وسيلة لإظهار إرادة المجتمع، إنّ إرادة مجتمعنا هي الحياة، يجب ابتكار الأساليب لفتح طرق الحياة أمام الأمة.
نحن نقول إننا ننمو في سبيل المصلحة العامة وهم يقولون غداً ستصلون إلى كراسي الحكم…
سواء أفهمونا أم أساؤوا فهمنا فإننا نعمل للحياة ولن نتخلى عنها.
إنّ الأعمال الماضية أوجدت في ذهنية الأجانب عقيدة في هذا الشعب وهي أنه خال من الصفات الراقية وخانع مستكن.
إنّ هناك اعتقاداً فينا هو أننا قطيع يساق بالعصي.
بقي علينا نحن السوريين القوميين أن نبرهن على ما إذا كانت هذه النظزية صحيحة أو خاطئة. فإذا ترددتم من أجل الصعوبات التي تلاقون فالنتيجة أنكم غير جديرين بالحياة، وإذا ثبتّم وقاومتم وسعيتم لبث مبادئكم فإنكم تبرهنون عن جدارتكم بالحياة الراقية.
إنكم وحدة من الوحدات القومية التي يحتلها الحزب، وتغلّب مبادئكم في المنطقة يتوقف على عملكم أنتم. مطلوب منكم، ليس تجاه مبادئكم فقط، بل تجاه التاريخ أن تقوموا بواجباتكم الصغيرة والكبيرة لإنجاح مبادئكم القومية.
عليكم أن تبرهنوا أنّ هذا الشعب الذي تنتمون إليه شعب تعيش فيه المبادىء السامية، لا شعب تتبدل فيه المبادىء كما تتبدل الأزياء ولا يميز بين الصحيح والفاسد، لأنه مطلوب منكم أن تبرهنوا على أنكم أمة حية لا قطيع يساق بعصي.
إننا واجهنا صعوبات بالنسبة لخطورة النهضة ليست شيئاً. ماذا فعلنا نحن للخير العام بالنسبة لما قدمته الأمم الحية في هذا السبيل؟ ونؤمل أنّ استمرار العمل واستمرار التغلب على الصعوبات سيحل محل الأقوال وستنتهي الطريق بالفلاح لهذه الأمة.
إننا قد تألمنا كثيراً ليس من أجل أنانية الآخرين بل من عدم فهمهم حركتنا فهماً صحيحاً. وعلى الرغم من الصعوبات التي اعترضتنا فإننا نسير دوماً على الخطة التي كنا ولا نزال نسير عليها.
إنّ طريقنا طويلة لأنها طريق الحياة، إنها الطريق التي لا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة. أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جانبها.
نحن نثبت لأن في مبادئنا مصلحة من أجل مصلحة الأمة، كل فرد صانع أو تاجر أو موظف أو مزارع يشعر أنّ حاجات الأمة موجوددة في الحزب السوري القومي.
إنّ الحزب السوري القومي هو المنظمة الوحيدة في هذا الوطن العاملة لتوحيد الأمة لأنه يعمل على مبدأ إجماع الفكر على المصلحة العامة، نحن اليوم في عصر القوميات ولكي لا تهضم حقوقنا ولا نفقد موارد حياتنا علينا أن نكون قوميين، كونوا قوميين وثقوا بنفوسكم وحزبكم وقضيتكم. القومية تحتم علينا أن نعتمد على أنفسنا وأن نفهم أنّ العوامل التي تعمل ضدنا والجماعات التي تقاومنا وتحاربنا تعمل موجهة بالإرادات الأجنبية كالشيوعية وغيرها.
نحن ننظر في حياة الأمة جميعها لا في حياة جزء منها، الأمة جميعها وشخصيتها الواحدة الجامعة جميع المصالح ضمنها.
أما الشيوعية فإنها تحمل حقداً يحل محل حقد.
إننا تألمنا كثيراً من الأحقاد، ولكنها أحقاد بين مذهب ومذهب، فجاءت الشيوعية لتحل محلها حقد الطبقة ضد الطبقة.
إنّ للعامل في محيطنا حقاً في الحياة الراقية ولكن العامل فينا هو عامل ضمن الأمة القومية.
ايها القوميون،
لقد قلدتنا أحزاب كثيرة بالمظاهر الخارجية أما القلوب فظلت تعشش فيها الرجعية والعنعنات الطائفية، وبعد فكلكم تعرفون الفرق بين النقد الأصلي والنقد التقليدي المزيف.
نحن لسنا حزباً يلهو بالقمصان والطماقات والجزم، إنما الحزب أساسه في القلوب والأدمغة النيرة.
بينما الأحزاب التي تقلد الحزب السوري القومي تتلهى بلبس القميص واحتذاء الجزم يعمل الحزب بأفراده الممزقي الثياب الحفاة الأقدام لأجل الوحدة القومية.
خذوا كل شيء من قمصان وجزم ومظاهر خارجية واعطوني قلوباً ملؤها الإيمان بالحياة والعزيمة والثبات وأنا كفيل بأن هذه الأمة تنال حقوقها بعد قليل.
لا يحتقرنَّ فرد منكم نفسه، لا تظنوا أنكم أقل شأناً من أية أمة أخرى، فنحن أمة ممتازة بمواهبها. كثيرون يسالون: أين هي أساطيلكم ومدرعاتكم ومدافعكم وجيوشكم؟
لا تصغوا إلى هذه الأقوال السخيفة لأن فيكم قوة إذا فعلت غيّرت وجه التاريخ. من أجل أن نصبح أمة حية نعمل لا من أجل أن ننشىء حزباً يضارب حزباً آخر في البلاد. إننا قد أدركنا ما هو حق وما هو فاسد.
نحن نقف في سبيل مبادئنا ولا نتزحزح عنها. قيل عنا إننا عصابة قطّاع طرق وسنظل في نظرهم عصابة قطّاع طرق إلى أن نصبح جيشاً قوياً كبيراً ذا قوة في تقرير مصير الأمة والوطن.
قيل عنا إننا أطفال! نعم نحن أطفال من حيث سر النمو ولكن سيعلم العالم أي أطفال هم هؤلاء الأطفال!
إنّ مبادىء القوميين قد أخذت تظهر، وها نحن، بعد أن كنا جماعة تعمل في السر لا خشية من السلطات بل هرباً من الرجعية الممقوتة. فإذا كان فينا عيب أو نقص فليُقل لنا ذلك جهاراً، نحن الذين نقول بالقومية السورية نسعى لتوحيد المجتمع ونزع الشقاق.
لا نريد الأديان أحزاباً في المجتمع، لا نريد رجال الدين سياسيين واقتصاديين، نريدهم أن يعملوا بالروح الدينية فقط التي يحتاجها الشعب لحياة السماء، إننا على رجال الدين قد أسبغنا فضلاً يجب عليهم أن يعترفوا لنا به.
يسألونني، وهل تعتقدون أنّ النجاح مكتوب لكم؟ ونحن نجيبهم أننا لو شئنا أن نفر من النجاح لما وجدنا لنا مفراً منه.
أجل، لا مهرب لنا من النجاح لأننا لا نمثل أغراضاً شخصية بل في المصلحة العامة تذوب وتتحد كل إرادتنا.
كونوا قوميين وثقوا بنفوسكم وحزبكم وقضيتكم…

النهضة، بيروت
العدد 105، 1/3/1938

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى