يا أبناء الحياة الشعب ينتظركم
د. ادمون ملحم
الأمل هو من أهمّ العناصر في حياة الإنسان وأعماله. فهو الحافز الدّائم للمثابرة والنّجاح ولتحقيق ما يصبو إليه المرء. ولولا الأمل لما حقّق الإنسان أحلامه وطموحاته في الحياة، ومن فقد الأمل كان مستسلماً وفاشلاً ومغموراً بمشاعر الكآبة واليأس والإحباط. أمّا من ملأ قلبه الأمل، فينظر إلى الوجود بعين التّفاؤل والسّعادة ويواجه صعوبات الحياة ويحقّق الفوز بعزم وإيمان.
والقوميّون الاجتماعيّون لا يعرفون العجز واليأس والاستسلام. فهم يصارعون في الحياة من أجل غاية سامية لأنّ الأمل بمستقبل الأمّة الجميل يملأ نفوسهم المؤمنة ويُحفّزهم للبذل والعطاء والتّضحية اقتداء بزعيمهم ذي النّفس العظيمة المترعة بالآمال الكبيرة والذي كرّسَ حياته لنهضة الأمّة ولتحقيق حياتها الجديدة زارعاً الإيمان والثّقة في النّفوس وواعداً بتحقيق الطّموحات الكبيرة والأماني العظيمة والحياة الجميلة الممتلئة حبّاً ونوراً وجمالاً.
والفلسفة القومية الاجتماعيّة الّتي جاء بها سعاده تحمل في مضامينها ثقافة الأمل والتّفاؤل والتّفكير الإيجابي والانتصار الحتميّ. فهي تحثُّ أبناء الأمّة للتخلّي عن العجز والخمول واليأس وعدم الثّقة بالنّفس وتدعوهم للنّهوض والتّكاتف والتّعاون والعمل المنظّم لتحقيق حياة جديدة راقية، زَارِعةً الأمل في قلوبهم ومعزِّزة الثّقة بنفوسهم الجميلة وبمواهب الأمّة الممتازة وقائلة لهم: “إنّ فيكم قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التّاريخ”.
والأمل الذي يمكن أنّ نستخرجه من هذه الفلسفة ومن شروحات سعاده هو الأمل الصّادق القائم على الحبّ وعشق الحياة والمرتبط بالوجدان القوميّ الذي يحثُّ أبناء العقيدة القوميّة الاجتماعيّة إلى الصّراع والعمل بجدٍّ وهمّةٍ لتغيير الواقع وتحقيق الحياة الجديدة الجميلة الّتي سيعمُّ فيها الخيرُ والبحبوحةُ والرّفاهية والإنتاج وسينتشر فيها النّورُ والدّفءُ والخصبُ والحبّ والجمال.
لقد مشى سعاده في الحقّ معلّماً وعبّدَ طريق الإيمان والثّقة والحزم بأعماله وكان حريصاً على بعث الأمل واليقين والفضائل القوميّة في النّفوس، فضائل الحبّ والوفاء والتّضحية والبطولة والاستقامة والصّدق والصّراحة والإخلاص وكلّها فضائل وقيم تعزّز وحدة المجتمع وتساهم في رقيّ الإنسان وسعادته.
وفي تحليلاته، يرى سعاده أنّ ما تعاني منه الأمّة من مشاكل وحزبيّات دينيّة يقضي على الأمل بمستقبل الأمّة ويؤدّي إلى تنامي الأحقاد والكراهيّة ونزعات العنصريّة والاقتتال تحت راية الأديان والمذاهب وإلى الإحباط واليأس والمهاجرة. ففي كلمة له منشورة في “الزّوبعة” عام 1943 يقول إنّ “الحزبيّة الدّينيّة قتلت الأمل بالمستقبل القوميّ، وأحيت أحقاداً كادت تتلاشى..”، وهذا ما دفع بقسم كبير من الشّباب على المهاجرة.
والقوميّة الاجتماعيّة، برأي سعاده، تشكِّل الأمل الوحيد للخلاص من الحالة المخزية لأنها تنقل الأمّة إلى حالة مجتمع صحيح قويّ ودولة عزيزة ذات سيادة وتعمل على “توليد قوَّة فاعلة حرّة، قوَّة واحدة بعقلها الحرّ المنظَّم وإرادتها الحرّة الّتي تريد الحياة الجديدة من غير أنّ تعطّل إرادتها قيود وقضايا الحياة الّتي ماتت.”
وفي خطابه في حمص بتاريخ 15/11/1948 يقول:
“أنتم ترون اليوم كم من الشّخصيّات كانوا في أحزاب غير الّتي هم فيها اليوم، لماذا؟ لأنّ لا أحزاب قائمة على قضايا ثابتة غير الحزب القوميّ الاجتماعيّ… لذلك نحن سنستمرّ ولذلك نحن نكوّن هذا الأمل الوحيد لهذه الأمّة الّتي وصلت بها الحزبيّات والغايات الخصوصيّة والحزبيّات الدّينيّة إلى حالة مخزية جدّاً من التّأخّر والخسران”.
وكما تقضي الحزبيّات الدّينيّة على الأمل بالمستقبل القوميّ، كذلك الأمر فإنّه لا أمل لسورية بسياسيّها التّقليديين المشعوذين والطّائفيين لأيّة فئة انتموا… “وأنّ الأمل الوحيد هو في رجال العهد الجديد عهد القوميّة السّوريّة الذين عرّضوا حياتهم مراراً عديدة لخطر الموت من أجل إنقاذ شرف سورية والمحافظة على فكرة وحدتها القوميّة”. والجدير بالذّكر، أنّ الحزب القوميّ منذ تأسيسه تعرّض للدّسائس والملاحقات والقمع والاضطهاد والاعتقالات ولحملات عنيفة ضدّه ولكنّه، وكما يؤكّد سعاده في خطاب له في بوينس آيرس، “انتصر على السّجون والإرهاق، وعلى الإشاعات والأكاذيب، وعلى عراقيل الرّجعة ومقاوماتها، وعلى الإرادات الأجنبيّة الطّامعة في حقيقتنا وحقوقنا.” وفي مقال آخر يعتبر سعاده أنّ العناصر القوميّة المجدِّدة “عليها وحدها يتعلّق الأمل بإحداث تغيير ما في سورية والشّرق الأدنى، لأنّها العناصر الفاعلة بينما العناصر الرّجعيّة لا تفعل غير الكلام وقد أصبحت ممقوتة من الشّعب”.
وفي مقالة له بعنوان “الصّحافة السّوريّة”، اعتبر سعاده أنّ أمل الأمّة بإصلاح شؤونها منوط بالطّبقة المتنوّرة في الوطن والمهجر وبالصّحافة الرّاقية الّتي تقع عليها مسؤوليّة كبرى في خدمة التّنوير الفكريّ وفي تنمية القوّة الفكريّة في الأمّة لأنّ “الفكر هو قوّة غير محدودة”. وأيّ إهمال لهذا الشّأن، سيؤدّي إلى “ضلال بعيد وانحطاط مديد”. وسعاده لم يرد أنّ ينعى على الأمّة الحياة “كما يفعل الّذين تجرّدوا من كلّ كرامة شخصيّة من أبنائها ولم يبقَ لها بهم رجاء”. وقال: “لهؤلاء أنّ يكفروا بها ولنا أنّ نؤمن بها، لهم أنّ ييأسوا من بعثها ولنا أنّ نثق بنهوضها، لهم أنّ يفرّوا من صفوفها إلى حيث تستر سهولة المعيشة جبنهم ولنا أنّ نثبت في صفوفها إلى أنّ تنتصر القوّة الفكريّة على الضّعف الفكريّ والحقّ على الباط”. ولكنّ الأمل يكمن في العمل والجهاد لا في القعود والكسل. يقول سعاده: “إلى هذا الجهاد أدعوكم! وما أغنت النّيّات عن الأعمال، ولا قامت التّمنيّات مقام الأفعال. فاختاروا لأنفسكم أحد المصيرين: مصير الاستسلام والانحلال، أو مصير الثّقة بالنّفس والجهاد في الحركة القوميّة، حتّى يتمّ النّصر ويقوم حقّ الأمّة السّوريّة!”.
وتعميماً لثقافة الأمل والنّجاح والانتصار، يذكِّر سعاده بالأسئلة الّتي توجَّه إلى أفراد الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ في جميع أنحاء الوطن السّوريّ: “أين أنتم؟ إنّ الشّعب ينتظركم! أنتم أمل الأمّة الوحيد!” ويضيف واعداً بتحقيق النّجاح الّذي لا مفرّ منه وبالنّصر الأكيد للحركة القوميّة الاجتماعيّة لأنها حركة حقّ وانتصار ويقول:
إنّ الأمّة السّوريّة بأسرها ترتقب السّاعة الّتي تنتصر فيها الحركة القوميّة الاجتماعيّة انتصارها العظيم، وتسير جيوش الزّوبعة القوميّة الاجتماعيّة الحمراء لتمحو العار الّذي أنزلته الرّجعة والنّفسيّات المريضة والقضايا اللاقومية في الجنوب في فلسطين.
إنّ الأمّة بأسرها ترتقب تلك السّاعة الرّائعة. والّذين يرتقبون بإيمان لا يلجّون كالّذين كفروا بأمّتهم ووطنهم، بل يقبّلون ويؤيّدون وينتظمون في صفوف النّهوض، ويصبرون بأمل ورجاء، وليس بقنوط ويأس كما يفعل الّذين لا عقيدة ولا قضية لهم. وما أكثر العائثين في شعبنا بلا عقيدة وقضيّة، المحبّين أكل الكستناء المشويّة من أيدي غيرهم! ما أكثر هؤلاء اللّجوجين الملحفين الّذين يظنّون بناء المجد حلماً لذيذاً يستفيقون فيجدونه واقعاً أحدثته قوّة خارجة عن الطّبيعة!.
وبرأي سعاده فإنّ الإيمان الصّحيح هو ما يدفع الشّعب إلى الأمام ويبعث الأمل لقيامة المجتمع… لذلك فهو يشدِّد على التّمسّك بالإيمان القوميّ الاجتماعي الصّحيح والتّحلي بالصّبر والرّجاء… وهل هنالك من فئة مؤمنة إيماناً صحيحاً غير السّوريين القوميين الاجتماعيين الّذين يصارعون دون ملل من أجل وجود الأمّة وتقدّمها؟ وجواباً على هذا السّؤال يقول سعاده:
إنّ فئة قليلة مؤمنة إيماناً صحيحاً لأفضل من فئة عظيمة فاقدة الإيمان وقائمة على تسويات عقيمة رثّة بالية لا تقوم بها لمجتمع قائمة، وإذا كانت لهذه الأمّة بقيّة أمل وسط الانهيار ووسط ما يحيط بها من أخطار، ليس الخطر اليهوديّ الخطر الأخير منها وإذا كان قد بقي في هذه الأمّة بقيّة أمل فهذه البقيّة من الأمل وهذه البارقة الجديدة من أمل جديد يبعث إيماناً جديداً هي أنتم أيّها السّوريّون القوميّون الاجتماعيّون، هي أنتم لأنّكم جماعة غاية الأمّة لا جماعة غاية جزئيّة وأغراض خصوصيّة في نفوس البعض منكم، لأنّكم أنتم الأمّة السّوريّة في حقيقتها ووعيها لحقيقتها، لأنّكم أنتم الجماعة الّتي تمثّل هذه الأمّة وحقيقتها وغايتها.
سعاده كان يعلم أنّ المجتمع السّوريّ في حالة خطرة من التّفسّخ والضّعف والشّلل والانهيار نتيجة تباين الاتّجاهات والأغراض فيه ونتيجة غياب القضيّة الكليّة والتّخبط بفوضى عارمة وبفساد عظيم قتّال توارثته الأجيال من عصور الخمول والضّلال.. لذلك أدرك أنّه لا بدّ له “من تغيير النّظرة إلى الحياة وتغيير الأساس النّفسيّ الخلقيّ” القائم عليه البناء الاجتماعيّ والمباشرة “بتأسيس أخلاق قوميّة ثابتة توجد قاعدة ثابتة لتلاؤم المجتمع وتجانس أفكاره وأعماله وبإحلال النّظرة القوميّة محل النّظرة الفرديّة وبإقامة مبدأ التّساند العام النّزيه”.
لذلك رأينا سعاده يغرس تعاليمه في عنصر الشّباب السّليم، في “الأنفس الجديدة النّزيهة الّتي هي أمل الأمّة الوحيد…” ويحدّثهم بثقافة الأمل المرتبط بالعقل والإيمان “ويبني في نفوسهم البناء القوميّ ويضع فيها أسس الأخلاق القوميّة (الجديدة): أخلاق النّهضة، أخلاق الثّقة الرّاسخة المتبادلة، أخلاق الإيمان والمثابرة”. ويقول لهم: إنّ “أخلاق الشّكّ والتّردّد فهي أخلاق فساد البيئةـ أخلاق اللّا قوميين. وما رجاء الأمّة إلا بالأخلاق القوميّة”. ويقول أيضاً:
“إنّ أزمنة مليئة بالصّعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة فلا يكون لها إنقاذ منها إلاّ بالبطولة المؤيّدة بصحّة العقيدة” والبطولة المؤمنة متجسِّدة دائماً في عزيمة القوميين الاجتماعيين وتضحياتهم وفي نضالهم المميّز. وقد نوّه سعاده بهذا النّضال في خطاب العودة يوم وصوله إلى الوطن في 02/03/1947 إذ قال:
أنتم ناضلتم عن هذه الأمّة وحيدين وأنقذتم شرف الأمّة وحيدين، يوم كان رجالكم قائدو النّهضة في السّجون مكبّلين ولكنّ رؤوسهم ظلّت مرتفعة وإرادتهم ثابتة وعزيمتهم صادقة لا يحنون هاماً ولا يتراجعون قيد شعرة عن المطالب العليا الّتي وقفنا النّفس عليها. وأنتم كنتم أمل الأمّة الصّادق لم تتخلّوا عن قيادتكم لا يوم كانت في السّجون ولا يوم كانت وتكون في ساحة الجهاد، في ساحة القتال الفعليّ كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.
الأمل الّذي يفيض في نفوس القوميين الاجتماعيين هو شعور قويّ يُغذي إيمانهم ويدفعهم لمحبّة شعبهم ويبعث في نفوسهم الفرح والسّعادة ولذّة الصّراع. فهو الحافز لعزيمتهم وتضحياتهم وهو المصباح الّذي يضيء لهم الدّروب المظلمة ويرافقهم في سيرهم لمواجهة المصاعب وتحقيق الإنجازات بسيف الثّقة والاطمئنان.
وبهذا الشّعور يتحوّل الأمل في نفوسهم إلى آمال عظيمة بتوليد روح جديدة في الأمّة تجدِّدُ حياتها وتسير بها إلى حياة جميلة نجد فيها الحريّة والعزّ والشّرف والجمال.