أقدم خريطة فلكية في العالم – بقلم الدكتور ألفونس منغانا
(نشر العلامة السوري الدكتور ألفونس منغانا مقالة في «المانشستر غارديان» الأسبوعية الصادرة بتاريخ 3 مارس/آذار من هذه السنة أعلن فيها للملأ حقيقة تاريخية عظيمة الأهمية اكتشفها في أثناء تنقيبه في المخطوطات السريانية القديمة التي له عناية خاصة بها وهي خريطة فلكية تامة وجدها في مخطوطة جمعت العهد الجديد من الكتاب المقدس. وقد رأينا أن نعرِّب مقال الدكتور منغانا ليطَّلع قرّاء المجلة على اكتشاف خطير لعالِم كبير من علماء أمّتهم وهو كما يلي):
«إني أضع أمام العالم أقدم خريطة فلكية موجودة خطّطها رجل ديني ذو مقام، ولا بدّ لي من التصريح هنا أنه بينما كان قسس الغرب ورهبانه مقتنعين بتوراتهم، حاسبين أنها تتضمن كل المعرفة اللازمة لفهم حقيقة الكون فهماً تاماً، مهملين مؤلفات العلماء القدماء أمثال حباركوس وبطليموس، كان مسيحيو الشرق منهمكين في دراستها وترجمتها إلى العربية في بلاط خلفاء بغداد. فتمكن العرب بهذه الواسطة من الاعتماد على الأساتيذ القدماء وإضافة المعلومات التي أخذوها عنهم إلى ملاحظاتهم الخاصة وبلغت نتائج دروسهم أوروبة نحو آخر القرون الوسطى عن طريق إيطالية وإسبانية.
«كتب واضع الخريطة التي نحن بصددها عبارته بالسريانية وبالكرشونية أيضاً (أي بالعربية المكتوبة بأحرف اللغة السريانية) لكي يُمكِّن السوريين المتكلمين بالعربية الذين كانوا قد نسوا تعابير واصطلاحات الفلكيين السوريين الأوائل من فهمها. وهو يستعمل أحياناً أسماء إغريقية للكواكب كأندروميدا وسفيوس وتريغونون وساتوس وغيرها.
«والخريطة موجودة في مخطوطة للعهد الجديد ــــ عدد 480 من مجموعتي ــــ ويعود تاريخها إلى 2024 للإغريق (1173ب.م.) وقد كتبت في كنيسة شهداء سباسيتى الأربعين في بلدة ماردين. وتحتوي المخطوطة على العهد الجديد بكامله وعلى تعليقات على هامش المتن. وموقع الخريطة من هذه المخطوطة بين آخر إنجيل يوحنا وبدء الأعمال. وليست الخريطة التي نحن بصددها الوحيدة في هذه المخطوطة بل هنالك خريطتان أخريان تتقدمانها لا نعرض لهما الآن.
«أما تاريخ العصر الذي عاش فيه مؤلف الخريطة فمعّين بإشارة وردت في الخريطة الأولى من الخرائط الثلاث المشار إليها آنفاً، لأن المؤلف يذكر فيها عبد المؤمن ملك دولة الموحدين الي يعود تاريخه إلى 1145 ــــ 1163ب.م. لذلك، فالخريطة التي هي موضوع بحثنا لا بدّ أن يكون وضعها فلكي سوري عاش في منتصف القرن الثاني عشر من تاريخنا العصري أعتقد، لأسباب لا حاجة لي إلى الدخول فيها الآن، أنه ديونيسيوس بار صليبي الذي كانت وفاته سنة 1171.
«تتناول الخريطة بذاتها «أبراج القمر» الثمانية والعشرين المعروفة جيداً في الفلك، كما تشير إلى ذلك العبارة السريانية الموضوعة في أعلى الخريطة إلى الجهة الشمالية وترجمتها «أبراج القمر»، والقباب المرسومة حول دوائر الخريطة الكبرى تدل على هذه الأبراج. ومجرى الشمس معيّن بدائرة كثيفة في الوسط، والإثنا عشر قسماً المقسومة إليها الخريطة تشير إلى أشهر السنة الإثني عشر.
«والظاهر أنّ الخريطة تتضمن نظرية حباركوس وبطليموس القائلة بمركزية الأرض. وتقسيم النجوم إلى ست درجات من حيث اللمعان والحجم ــــ كما سنرى فيما يلي من شروح المؤلف ــــ قد يدل على أنّ «المجسطي» لبطليموس كان في عداد المصادر التي استند إليها. أما فيما يختص بالفلكيين العرب فيقال إنهم قبلوا بدون تحفظ نتائج النظام الكوني البطليمي، والذي نعرفه عنهم أنهم اعتبروا الأرض ثابتة في الوسط والأجرام السماوية دائرة. وعللوا عن عدم تماثلها الظاهر بأنه متأتٍ عن توافق الدوائر المركزية مع دائرة البروج والدوائر التي تكون مراكزها في محيط دائرة أخرى.
(وبعد أن يترجم لنا الدكتور منغانا شروح المؤلف التي أحاط الخريطة بها وهي تتناول السيارات النجوم الأخرى وتنتهي بالقول: «إنّ أعظم الأجرام الموجودة في الكون هي: أولاً الشمس، ثانياً النجوم الخمسة عشر المذكورة آنفاً، ثالثاً جوبيتر، رابعاً زحل، خامساً النجوم الستة (تبعاً لحجومها)، سادساً المريخ، سابعاً الأرض، ثامناً الزهرة، تاسعاً القمر، عاشراً عطارد» يتابع مقاله كما يلي):
«عند هذا الحد تنهي شروح المؤلف المكتوبة حول خريطة السماء.
«وإني أعيد هنا ما قلته في البدء وهو إنّ أهم ما يستلفت النظر في الخريطة التي أمامنا هو أنّ متديناً سورية تمكّن أن يجزم في ما كتبه بين سنة 1145 وسنة 1163، بأن الأرض أصغر من ثلاث سيارات، وذلك يعني ضمناً أنّ السيارات الأخرى هي أراضٍ مثل أرضنا. فلو قال غليليو، الذي لمع بعد مرور خمسة قرون، نصف هذه الإثباتات الثورية لكانت الكنيسة رجمته لا محالة! إذ ماذا يحدث لسماء وجهنم القرون الوسطى؟».
المجلة: نشكر لعالِمنا الكبير الدكتور ألفونس منغانا اهتمامه بآثار أمّته ووطنه وإظهار هذه الحقيقة الجديدة
التي تجعل كل سوري يفتخر بأن رجلاً سورية متديناً استطاع في القرن الثاني عشر معرفة وإثبات حقائق فلكية لم يبلغ العالِم الغربي غليليو الذائع الصيت إلى القول بنصفها بعد مرور خمسة قرون على عالِمنا الديني!
أنطون سعاده
المجلة، بيروت
المجلد 8، العدد 4، 1/6/1933