التعنتات المسيحية ــ خلاصة

مما تقدم من هذا البحث يتبين أن الغرض الأخير له هو: قمع الفتنة الدينية بين أبناء أمتنا قبل استعار أوارها، ودعوة السوريين جميعهم من رسوليين ومسيحيين ودروز إلى رابطة العقيدة الاجتماعية الواحدة، إلى عقيدة القومية السورية التي تجمعهم في وطن واحد ومصير واحد.


وقد نبهنا، من قبل، في الحلقة السادسة والعشرين، إلى أنه لا يوجد في هذا البحث غرض فرعي كالذي قد يكون توهمه المتعنتون المسيحيون الذين يظنون أن تسفيه رأي أصحاب الدولة الدينية الرسولية، في المسيحية، وفي غرض الدين المحمدي كان بقصد إظهار أن الدين المسيحي هو الدين الصحيح الوحيد، وأن الدين المحمدي، يجب أن يزول.

وأظهرنا في عدة أماكن سابقة أن تخصيص هذه السلسلة من الأبحاث الفلسفية الاجتماعية والدينية بنقض مذهب أصحاب «الجنسية الدينية» المحمدية وتسفيه مطاعنهم في المسيحية، وردّ دعوتهم إلى العصبية الدينية وتهوسهم العظيم الضرر بالقومية ومصير الأمة السورية، لم يكن إلا بقصد منع الفتنة الدينية التي قام بنفض الرماد عن بقية نارها نفر من ذوي المطامع الذين يستبيحون دماء أبناء الأمة من أجل أغراضهم الذاتية الحقيرة، ولإقامة الحد وكبح جماح حملة رجعية إذاعية شبه منظمة لتحريض الغوغاء المحمدي وإثارة نعرته الدينية، وتحريكه نحو المطامع السياسية الشخصية باسم الدين. وهذه هي الفتنة عينها. فبقدر ما يحرض الرجعيون والنفعيون الجماعات الرسولية ويثيرونها يحدث رد فعل في الجماعات المسيحية والدرزية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل إلى الجماعات المحمدية الصغرى أيضاً كالعلويين والشيعة، فهذه الشيع قد وقع عليها الاضطهاد من الجماعة المحمدية الكبرى في سورية من أهل السُنَّة وبسبب هذه العداوة أمكن فصل منطقة اللاذقية ومنطقة جبل حوران، إدارياً وسياسياً، عن بقية البلاد كما فصل لبنان عنها.


إننا بيّنا أغلاط المهووسين والرجعيين المحمديين والأضرار العظيمة التي تجلبها دعاوتهم على نهضة أمتنا الحديثة، وتمكنا من إثبات وجوب فصل المواضيع المليّة عن العمل القومي إثباتاً لا يقبل النقض. وهذا الغرض بعيد عن محاولة الحط من أصول الدين المحمدي الأساسية، وإننا نعتقد أننا قد بلغنا هذه الغاية في ما تقدم من حلقات هذا البحث.
بقي أن نقول قولاً يتعلق بالجهة المقابلة للحزبية المليّة المحمدية، أي بالجهة اليسوعية، فإن أعمالاً رجعيةً كثيرةً قد جرت في الجماعات المسيحية ليست كلها عائدة إلى «اتقاء الهوس الديني المحمدي»، وهذه الأعمال الرجعية ليست أقل سوءاً من أعمال الرجعيين المحمديين.


إننا نعتقد أن الغلط لا يصلح بغلط من نوعه، وإيجاد حركة رجعية مسيحية لا يعدم الحركة الرجعية الرسولية بل يزيد هذه الحركة احتداماً. ولكن الرجعيين المسيحيين لم يكونوا، في شي، أقل هوساً من الرجعيين الرسوليين، والرجعية المسيحية لا تقل تستراً بالوطنية و«القومية اللبنانية» عن الرجعة الرسولية بالوطنية و«القومية العربية». وكلتا القوميتين خرافيتان في ما يختص بالأمة السورية والوطن السوري الذي يكوّن لبنان جزءاً منه.


ومع أنه لا مجال في هذا البحث المخصص بالرجعة المحمدية وأصول معتقداتها السياسية ــــ الاجتماعية ــــ الدينية للتطويل في شؤون الرجعة اليسوعية التي وإن لم تظهر منها دعوات صريحة، علنية، كدعوات أصحاب الرجعة المحمدية المعتزين بأكثريتهم العددية، فإنها ليست أقل أهمية من هذه، فلا بد من تناول ما لم يحضرنا ذكرن في الحلقة السادسة والعشرين. فإن دعاة الانفصال المسيحي في لبنان يوردون حججاً أكثرها أقوال شفوية يتناقلونها في أوساطهم، يجب إسقاطها وتسفيهها لعدم صحتها وعدم صوابيتها، وقد أسقطنا بعضها وسفّهناه في الحلقة السابقة، المشار إليها، ونتناول هنا ما يحضرنا من هذه الحجج:
سمعنا أكثر من مرة في بعض المحاضر أشخاصاً مسيحيين يردّون على الدعوة إلى الاتحاد القومي بهذه الأقوال: «المحمديون متعصبون ولا يمكن الاتحاد معهم»، وتأييد هذا القول يأتي في الأقوال الأخرى كهذا القول: «لا سبيل للتفاهم معهم أو لحفظ كرامتنا عندهم، فهم إذا جاء أحد منهم يزور واحداً منا استقبله هذا مع أهله وعياله، فتجلس له زوجة المسيحي وبناته وأخواته، ولكن حيث يذهب المسيحي ليرد زيارة المحمدي فإنه يستقبله دون أهله وعياله ويحجب عنه امرأته وبناته، فكيف يمكن التفاهم والاتفاق مع الذين هذا شأنهم»، وإننا نلاحظ أن الذين يقولون هذه الأقوال يدلون بها بلهجة من قد أعطى القول الفصل والحجة التي لا تدفع. وهذا دليل على مبلغ الهوس والجهل. فإن تمحيص هذه الحجة يثبت بطلانها وسخف أصحابها، فإن المحمدي لا يحجب امرأته وبناته عن اليسوعي فقط، بل عن ابن ملّته نفسها، ففي نصوص الشرع المحمدي لا يجوز أن تسفر المرأة إلا لزوجها وابنها وأخيها ومن هم بمنزلة أقرب القرابة، وسواء أكان سواهم من ملّتها أو من غير ملّتها فهي لا تسفر ولا تجلس لهم. فهذه المعاملة لا يقصد منها إهانة الزائر المسيحي ولا رفض مودته، ولكنها عادة تستند إلى الشرع، أما لزوم هذا الشرع أو عدم لزومه فمسألة أخرى. ودليل آخر على فساد ادعاء أصحاب هذه الحجة هو أنه إذا جاء زائر مسيحي إلى دار صديق رسولي وجلب معه امرأته فامرأة الرسولي لا تمتنع عن استقبالها في مكان الحريم وإكرامها.


ومن أقوال هؤلاء المتعنتين: «إننا قد لقينا كثيراً من الاضطهاد من المحمديين، وحرمنا مساواة الحقوق والتماثل في المواقف، فلا يمكننا أن ننسى ما جرى لبعضنا ولآبائنا من الإهانة والاضطهاد، إلخ»، ومع أن حجة الاضطهاد صحيحة فليس صواباً اتخاذها ذريعة أو مستنداً لجعل الماضي يحكم على الحاضر والمستقبل، فإعدام المستقبل بسبب جهالات الماضي هو أسوأ الضلال: إنه الانتحار والانعدام، ولا يسعى نحوه إلا كل سيىء المصير، إنه جريمة تتناول الأبناء والأحفاد الأبرياء، وأي جهالة يمكن أن تكون شراً من هذه الجهالة؟


ماذا كان يحدث لألمانية لو ظل بروتستنتيوها وكاثوليكيوها يقولون مثل هذا القول، أي أنهم لا يستطيعون نسيان الأحقاد والاضطهادات القديمة بين تينك الشيعتين المسيحيتين، التي ولدت بينهما ما يعرف في التاريخ بحرب الثلاثين سنة؟


أجل، إن حرب الثلاثين سنة الدينية التي نشبت بين الذين اعتنقوا مذهب لوثر الإصلاحي والسلطة الكاثوليكية وأتباعها، هي حرب لم ينشب مثلها في بلادنا بين المسيحيين والرسوليين. إنها حرب شديدة كثرت وقائعها المشهورة وسالت فيها الدماء شآبيب، وتهدمت المدن وخربت الديار. ولم يبقَ في ألمانية مدينة أو بلدة إلا ولبست الحداد وأقيمت فيها المناحات. فلو بقي أحفاد المتقاتلين الألمان يقولون إلى اليوم ما يقوله أحفاد المتقاتلين السوريين، أي: «لا يمكننا أن ننسى ما جرى لآبائنا وضحايانا» أكانت تقوم لألمانية قائمة؟


إلا أن ما مضى قد مضى، والأمة يجب أن تحيا للحاضر والمستقبل، وليس للماضي، وإذا نظرنا إلى الماضي فلننظر لاستخراج العبر والمغازي وليس الرجوع إلى حالة الماضي المؤسفة.


ومن أقوال جهلة المسيحيين إن ما يُرى من شدة تعصب العامة المحمدية هو دليل على عدم إمكان الاتفاق والاتحاد مع المحمديين، فكأنهم يقولون إن المحمديين خلقوا جامدين على حالتهم غير قابلين للتطور، وهذا جهل وخطل في الرأي، فإذا رجعنا إلى أزمنة التعصب المسيحي وجدنا أنها لا تختلف في شي عن أزمنة التعصب الرسولي، إذا لم تكن فاقتها شدة وقسوة. فلنعتبر بما جرى في ألمانية ثم بما جرى في فرنسة من الاضطهاد الديني الذي يبلغ قمته في مذبحة برتلماوس الشهير التي ظهرت فيها فظاعة الغدر والحقد الديني بأقبح مظهر. وقد رأينا بعد ذلك أن الناس تركوا هذه الأمور، فهل يظن أحد من ذوي الإدراك العادي أن المسيحيين وحدهم قابلون للتطور وأن المحمديين سيبقون جامدين في حالة الهوس الديني وأوهامه؟


إن السوريين المحمديين قابلون للتطور كالسوريين المسيحيين، ولا ننسَ أن أكثر المحمديين السوريين كانوا من قبل مسيحيين ثم اعتنقوا المحمدية مفضلينها مع الحرية على المسيحية مع العبودية، لأن الفتح المحمدي خيَّر أهل البلاد بين الدخول في الدين الرسولي ونيل جميع حقوق أتباعه وبين البقاء على دينهم ودفع الجزية. وإبطال حقوقهم المدنية والسياسية.


أما ما نراه من شدة هوس الجماعات المحمدية في سورية فهو أمر طبيعي جرى مثله في جميع الملل، وهو عائد إلى قرب عهدهم بالتعصب الديني وانعدام العلوم الفلسفية والعلمية من أوساطهم، وليس إلى طبيعة فيهم لا تتبدل ولا تتغير. فلا ننسَ أن تساهل المسيحيين الحالي عائد إلى سبقهم الرسوليين إلى العلوم والمعارف العصرية بما نشأ في أوساطهم من مدارس وخصوصاً ما نشأ في المدة الأخيرة من المدارس المدنية. وحيث نشأت في أوساط رسولية مدارس مدنية عنيت بتدريس العلوم الحديثة نجد تبدلاً كبيراً في نظر التلاميذ المحمديين إلى الحياة الاجتماعية، وفي الحركة السورية القومية جرى التغيّر والتطور مجرىً واحداً بين المسيحيين والرسوليين والدروز.


معلوم أن الرسولية تأخرت عن المسيحية في سورية نحو سبعة قرون، وفرق هذ المدة في التطور يجب ألا يذهب بدون ملاحظة. ثم نجد أن التعصب الديني المسيحي لم يبتدىء يخفّ إلا بعد نشوء المدارس العلمانية، أما حين كان التعليم دينياً بحتاً كان التعصب الديني المسيحي مثل التعصب الديني الرسولي، وشدة التعصب الرسولي التي لا تزال ظاهرة بين محمديــي سورية عائدة إلى تأخر نشوء المدارس العلمانية عندهم وقلة عددها بالنسبة إلى المدارس الدينية والتعليم الديني المحشو هوساً وتعصباً دينياً.


إذا وضعنا عدداً متساوياً من التلاميذ المسيحيين والرسوليين والدروز تحت ثقافة واحدة فإننا نجد النتائج واحدة، ولا تختلف إلا بتعرض التلاميذ لتأثيرات أخرى في بيوتهم. ومع ذلك فالاختلاف يضعف رويداً مع استمرار الثقافة حتى يتلاشى ويزول بالمرّة.


وقد شاهدنا أطوار هذا الصراع الطويل بين الثقافة القومية الواحدة التي أنشأها الحزب السوري القومي وعوامل البيئات المليّة. وفي أوائل أطوار هذا الصراع ظهر كأن عوامل الحياة المليّة تغلب دوافع الحياة القومية وثقافتها. ولكن لم يطل الأمر حتى أخذت الثقافة القومية تتغلب على الثقافة المليّة، وصارت دوافع الحياة القومية تمحق عوامل الحياة المليّة حتى أتت عليها. وقد اقتضى ذلك مقدارا عظيماً من الصبر والحنكة وبُعد النظر وحسن السياسة، والسهر في إدارة الحزب السوري القومي العليا، فكانت النتيجة باهرة لا يتصور اللاقوميون رؤيتها ولا في المنام.


ولا يظنن أحد أن جميع مفكري المحمديين هم من نوع الشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني، فهذان المفكران الرجعيان غير السوريين لا يمكنهما ادعاء احتكار التفكير المحمدي العصري. وقد قلنا إنه من المؤسف أن مفكراً سورياً محمدياً هو السيد الفراتي عبد الرحمن الكواكبي لم يذهب صيته ذهاب صيت إمامَي الرجعة المذكورين مع أنه أحق بهداية النفوس منهما، إذ نظر إلى الحياة الاجتماعية والسياسية من جهة التفكير السوري المترقي، وإليك فقرة مما قاله في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد):
«يا قوم، وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين، (وهو قول سوري موجه إلى السوريين بالدرجة الأولى وإن يكن القول عاماً الناطقين بالضاد) أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد وما جناه الآباء والأجداد. فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين، وأجلّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون. فهذه أمم أوستريه وأميركة قد هداها العلم لطرائق شتى وأصول راسخة للاتحاد الوطني دون الديني والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي من دون الإداري(؟) فما بالنا نحن لا نفتكر في أن نتبع إحدى تلك الطرائق أو شبهها. فيقول عقلاؤنا لمثيري الشحناء من الأعجام والأجانب: دعونا يا هؤلاء، نحن ندبر شأننا، نتفاهم بالفصحاء ونتراحم بالإخاء ونتواسى في الضرّاء ونتساوى في السرّاء. دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى فقط. دعونا نجتمع على كلمات سواء ألا وهي: فلتحيَ الأمة. فليحيَ الوطن. فلنحيَ طلقاء أعزاء!»1.


هذا كلام رجل من المحمديين عرف معنى الإسلام الصحيح وقال قولاً جعله في طلائع العهد القومي، وإن كان الناس اتّبعوا من هو ([عبد الرحمن] الكواكبي) أحق بالتقدم عليه. ولكن النهضة السورية القومية جاءت تنفض غبار الأوهام عن أذهان الناس ليميزوا بين قول الحق وقول الباطل. فرحم الله السيد الفراتي بما قال، وفيه زبدة تفكير راسخ وتأمل ناضج: «دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى فقط». فهذا قول تتبناه الحركة السورية القومية بحرفيته، وتخلّد به ذكرى الإمام الكواكبي الذي نظر في مقتضيات الدين والدنيا فقال فيها هذا القول الفصل.

الخلاصة:
قد تبين من هذا الدرس، المختصر على طوله، أن الدعوة الرجعية إلى دولة الدين الرسولي هي فاسدة ومستندة إلى جهل في الدين والدنيا، كما أن الدعوة الرجعية إلى دولة الدين المسيحي هي فاسدة ومستندة إلى جهل في الدين والدنيا.


واتضّح أنّ التعصبات الدينية والحزبيات المليّة هي بلاء هذه الأمة السورية الذي لا بلاء بعده، وأن لا دافع لهذا البلاء وغيره عن الأمة غير دافع القومية السورية التي جعلها الحزب السوري القومي دين الدنيا للسورييين. وقد توفرت الأدلة والبراهين النظرية والعملية على صحة هذا الدين القومي الذي يجعل السوريين عصبة واحدة لا تفرّق بينهم في الدنيا أية فكرة محلها في الآخرة، ولا يتميز بينهم أحد إلا بمقدار ما يجاهد ويبذل لخير الأمة السورية حميعها.


إن النتائج الفعلية التي حصلت بنشوء القومية السورية وسير الحركة السورية القومية هي نتائج أكيدة لا ينقصها إلا أن تعمّ الشعب، لينهض كله نهضة واحدة بعقيدة واحدة وإيمان واحد، فيصير قادراً على الصبر والثبات في معترك الأمم والتقدم في مضمار الحياة. والوصول إلى هذه الحالة السعيدة التي لا يشتهيها عدو لسورية يقتضي تلبية واسعة سريعة من الأوساط والعناصر المدركة التي رأت صحة الرسالة السورية القومية، لإمداد الحركة السورية القومية بالمال اللازم لنشر رسالتها وإذاعة مبادئها ونظرياتها وتلقين تعاليمها للجماعات العطشانة إلى المعرفة المشتاقة إلى نور اليقين، ولتأييد هذه الحركة المباركة معنوياً وماديا ومساعدتها على مهاجمة الدعاوات التضليلية ومحاربة الأفكار الساقطة والمذاهب الانحطاطية، فيكون من وراء ذلك تغيير الأمة من حال الانشقاق والتخاذل والتحاقد والضعف إلى حال الاتفاق والتعاون والتعاضد والقوة والتغلب والمجد.


إن القضاء على التضليل والمضللين، وجلب سواد الشعب إلى صراط الحقيقة والحق يحتاج لبث المعرفة في جميع الأوساط. وهذا عمل كبير في حد ذاته يقتضي وسائل كثيرة من الإذاعة الخطابية والكتابية. والتفكير في هذا المشروع وحده ومقتضياته يجعلنا ندرك كم هو ضروري الإقبال على مناصرة الحركة السورية القومية مادياً ومعنوياً. ولو أن التلبية الفعلية امتدت بسرعة في الوطن والمهجر وحصلت للحركة المقومات المادية الكافية لإذاعة واسعة، وبث الكتّاب والخطباء في جميع الأنحاء، وطبع الكتب والمناشير والخطب وتوزيعها بعشرات الألوف، وإنشاء الصحف والمجلات لإمداد الناس بالمعلومات الوثيقة والتوجيهات الصحيحة، لكان من المحتمل أو المرجح أن يكون موقف سورية في هذه الحرب غير موقف الشلل الذي تقفه بسبب كثرة الدعاوات والإذاعات المضللة التي تقوم بهاع عناصر السياسة الشخصية والرجعية، وتغذيها الإرادات الأجنبية التي، أياً كان مصدرها، لا ترغب في أن ترى الأمة السورية موحدة العقيدة والإرادة لكي لا تفوتها مطامعها فيها.


إن كل سوري وسورية يغاران فعلاً على شرف قوميتهما ومصلحة شعبهما ورفاهية وطنهما يجب أن يعلما أن أمانيهما لخير أمتهما ووطنهما لا تتحقق بالكسل واللامبالاة ولا بمجرد التمني، بل بدرس القضية القومية المقدسة درساً صحيحاً في مبادئها التي نشأت عليها، وبالقيام بالواجب نحو هذه القضية، وبمحاربة دجّالي الوطنية والأدب ومشعوذي العلم والفن.


بهذه الطريقة يتم الوعي القومي وتُخلّص الأمة السورية من قضية الحزبيات المليّة ومن مظالم الإقطاعية، فتقف صفوفاً واحدةً مرتبةً بين صفوف الأمم الباقية وفي مقدمة هذه الأمم جميعها بما لها من مثل عليا فائقة الجمال وفضل على الثقافة والتمدن الإنسانيين.


إن القواعد الصحيحة لنهضة سورية قومية عظيمة قد وضعت، والنهضة العظيمة قد ابتدأت بالفعل منذ نحو عشر سنين، فلم يبقَ إلا أن تحصل التلبية الواسعة لسير سورية إلى المجد الذي ينتظرها.


فيا أيها السوريون المقيمون والمهاجرون، ارحموا أنفسكم وعيالكم وذريتكم يرحمكم الله ، انبذوا الذين يريدون بكم شقاقاً والتفوا حول الذين يريدون بكم وفاقاً، واتركوا قضايا الآخرة للآخرة، وتعالوا إلى كلمة سواء تجمع شملنا وتعيد إلينا وطننا وأهلنا وعزّنا وكرامتنا وحقوقنا ومصالحنا، إلى القومية السورية الاجتماعية، التي هي رابطة كل سوري وسورية بكل سوري وسورية، ورابطة الأجيال السورية الماضية والحاضرة والمقبلة.

أيها السوريون:
انصروا قوميتكم وتعصبوا لها وحدها فهي مبدؤكم ومعادكم في الدنيا وبها تنتصرون وتنالون المجد.
انتهي البحث وفي العدد القادم كلمة الختام.
هاني بعل
للبحث استئناف

(الزوبعة)، بوينُس آيرنس

العدد (42)، 15/4/192

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى