الحالة السياسية – الحربية الحاضرة
السياسة:
الهند ــــ بعد إخفاق بعثة ستافرد كرفس إلى الهند لإحراز تعاون الهنود في الحرب لقاء الوعد بإعطائهم استقلالاً جزئياً مقيداً بشروط، أدرك كل من الفريقين الهندي والإنكليزي موقف الفريق الآخر.
فعلم الهنود أنّ بريطانية لم تعرض عليهم الاستقلال، بل عرضت وعداً بالاستقلال الإداري المقيد بشروط، والذي يبقي خارجه أجزاء هامّة من الهند، وطلبت تجنيد الهنود في الحال لمحاربة أعدائها.
وتساءلوا:
إذا كانت بريطانية لا تطلق الهند الآن وهي في أشد الحاجة إلى مساعدتها بالرجال فهل تطلقها غداً إذا ربحت الحرب وعادت إلى سابق عزّها؟
وعلم البريطانيون أنّ الهنود أصبحوا يعرفون ما يريدون، ويفهمون شيئاً كثيراً من اللغة الدبلوماسية المعجزة لأصحاب «النفسية الشرقية».
كان من المعقول أن لا تستمر الحالة في هدوئها السابق، وكان يجب على الهنود أن يفعلوا شيئاً لإفهام بريطانية أنهم مصممون على نيل استقلالهم، وأنهم يقدرون أن يأتوا أموراً تضطر البريطانيين لإعادة نظرهم في الموقف وإجابة الهنود إلى مطاليبهم.
وقد تتبّعنا في أعداد الزوبعة السابقة أهم تطورات المسألة الهندية، منذ رحلة ستافرد كرفس إلى الهند، وذكرنا في الأعداد الأخيرة أنّ فكرة ثورة آخذة في الاختمار، وأنّ غاندي ابتدأ يتحرك من جديد وأنه عقد اجتماعاً مع رئيس حزب «المجمع الآني» أبو الكلام الزاد (أو أسد أو أسعد) والبنديت جواهر لال نهرو كانت نتيجته عقد العزيمة على القيام بحركة تحرج موقف البريطانيين.
أخيراً قدّم غاندي في أوائل الشهر الحاضر إلى اللجنة التنفيذية لحزب «المجمع الهندي» اقتراحاً يشتمل على خطة سياسية واسعة، يتناول قسمها العملي إعلان المقاومة السلمية في حالة عدم إجابة البريطانيين غاندي إلى طلبه انسحابهم من الهند.
وقد داهمت قوة حكومية مركز حزب «المجمع الهندي» وصادرت منه الوثيقة التي أرسلها غاندي إلى اللجنة التنفيذية للدرس، فإذا فيها بيان يعلن بموجبها حزب «المجمع الهندي» تقبيحه للاستعمار البريطاني الذي ظهر بأوضح مجاليه في مقترحات وزارة الحرب البريطانية، وعجز بريطانية عن الدفاع عن الهند، وضرورة قيام الهند بشؤون الدفاع عن نفسها.
ويعلن «المجمع» أنّ الخلاف الياباني ليس مع الهند، بل مع بريطانية. ولذلك ولأسباب أخرى تقول الوثيقة، يجب على البريطانيين الانسحاب من الهند.
وهنالك أمور أخرى تنص عليها الوثيقة كالمخابرة مع اليابان لإنشاء علاقات ودية حين نيل الاستقلال. ولكنها لا تتضمن الكره للبريطانيين، بل على العكس تتضمن التعاون معهم إذا اعترفوا باستقلال الهند.
وقد انعقد مؤتمر «المجمع الهندي» في السابع من هذا الشهر وفي الثامن منه أعلن تبنّيه مذكرة غاندي ووجّه الزعيم الهندي كتاباً إلى الأميركان يطلب فيه مؤازرة مطاليب الهند.
وخاطب غاندي معلمي المدارس والطلبة حاضاً إياهم على الإضراب عن التدريس والدرس.
وفي صباح لتاسع من أغسطس/آب الحاضر ألقت حكومة الهند البريطانية القبض على المهتما غاندي وعلى أبي الكلام الزاد وجواهر لال نهرو الذي أعلنه غاندي خليفة له، وعلى عدد آخر من كبار رجال حزب «المجمع الهندي»، وأوعز البريطانيون إلى رئيس حزب «الرابطة المحمدية» برفض خطة غاندي واستنكارها ففعل.
ولكن حركة المقاومة السلمية ابتدأت فقابلها البريطانيون بالشدة المسلحة. وأمرت الحكومة الشرطة باستعمال السياط والقنابل المدمعة والرصاص، وأجازت كل عمل يؤدي إلى قمع حركة العصيان المدني، مهما يكن غير إنساني.
فحصلت من جراء تدابير الحكومة اصطدامات، لجأت فيها جماهير المتظاهرين إلى رمي الشرطة بالحجارة، فقابلهم هؤلاء بالرصاص، فسقط عدد من القتلى والجرحى في أهم المدن الهندية.
وجاءت مؤخراً برقيات موالية لبريطانية تقول إنّ الأمن عاد إلى نصابه والحالة هادئة، ولكن هذه الأخبار لم تثبت 24 ساعة فجاءت على أثرها أخبار تفصّل اصطدامات جديدة في عدة مناطق. وقد وقفت بعض مصانع الأسلحة والذخيرة بسبب إضراب العمال والحالة حرجة.
يزيد حراجة الحال تحوّل جماهير المظاهرين من العصيان السلمي إلى العصيان الفعلي العدائي، بمحاولة إحراق بعض المحطات ومراكز الشرطة والرشق بالحجارة ويحاول البريطانيون أن يظهروا عمل الهنود بمظهر الغدر لقضية الحرية ولاستقلال الصين، كأن الهنود لا حق لهم بالحرية وكأن وجودهم ليس إلا لخدمة حرية سواهم.
ومركز بريطانية في الهند أصبح مهدداً تهديداً كبيراً لا يزول إلا بإجابة مطاليب الهنود أو باستكانة هؤلاء إلى الاستعباد وسنرى عواقب هذه التجربة.
الحرب:
في الروسية ــــ استمرّ تقدم الهجوم الألماني نحو القبق [القوقاس]، فاستولى المهاجمون على عدة مدن حصينة ومراكز استراتيجية على الخط الحديدي بين رسطف وباكو، وبلغوا آبار نفط مايكوف وهي تصدّر جزءاً من سبعة أجزاء من نفط الروسية أو ما يوازي ثلث محصول النفط الروماني قبل الحرب. وقد بلغت القوات الألمانية مدينة جاور جيسك على الخط الحديدي واحتلتها واقتربت كثيراً من آبار نفط موقع قرزني وأصبحت موانىء البحر الأسود التي لا تزال في قبضة الروس تحت رحمة الغزوات الجوية ولم تعد أمينة ما عدا ميناء باطوم الذي لا يزال بعيداً قرب الحدود التركية.
وقد شدَّد الألمان الضغط على مدينة ستالينغراد ووجهوا عليها راسين من الشمال ومن الجنوب والمدينة تحترق الآن بما يصيبها من القنابل الجوية.
ووردت أخبار تفيد أنّ مركبين حربيين روسيين التجآ إلى أحد الموانىء التركية فوضعت الحكومة التركية يدها عليهما.
وهو يدل على حراجة مركز الأسطول الروسي.
وقد اكتشفت الشرطة السرّية مؤامرة في لينينغراد دبرها بعض الضباط والمدنيين الروس لتسليم المدينة إلى الألمان.
وكان المتآمرون على اتصال مع قيادة الجبهة الألمانية وهو خبر خطير.
واجتمع في روسية بعض مندوبي الدول المتحدة للمخابرة في سير الحرب ولم تُعلم نتائج هذا الاجتماع.
في الهادىء ــــ نشبت معركة بحرية جوية في أرخبيل سلمون الواقع على طريق أستراليا.
فقد هاجم الأميركان هذه الجزائر فاشتبكوا في معركة عنيفة مع القوات اليابانية الجوية والبحرية والبرية ويدّعي الأميركان أنهم أحرزوا نتائج خطيرة واحتلوا بعض المواقع في ثلاث جزر صغيرة أما اليابانيون فزعموا أنهم انتصروا على الأسطول الأميركاني انتصاراً عظيماً وأنهم أغرقوا منه 14 طراداً و9 مدمرات وعشر ناقلات جنود وثلاث غواصات عدا عن 58 طيارة.
في المتوسط ــــ في الحادي عشر من أغسطس/آب الحاضر ابتدأت في المتوسط معركة بحرية جوية هامّة جرت بين غواصات ومراكب عائمة، وطيارات من جهة المحور، وقافلة بحرية بريطانية محروسة حراسة كبيرة بالمراكب الحربية المتنوعة.
وفي اليوم الأول أعلن الألمان إغراق حاملة الطيارات «إيغل».
وبعد يوم أو إثنين اعترف الإنكليز بغرقها.
وتعاقبت أخبار المحور عن حصول فتك ذريع في المراكب الحربية والنقلية التي تؤلف القافلة.
وتقول أخبار المحور إنّ قواته أغرقت 19 مركب نقل من مجموع 21 مركباً وأغرقت سبعة مراكب أخرى حربية بينها الطراد الحديث «منشستر». أما الإنكليز فيقولون إنّ هذه لأخبار مبالغ فيها.
في مصر ــــ لا تزال الحالة حالة مناوشات في جبهة العلمين ومطاولة بالغزوات الجوية.
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 50، 15/8/1942