الحالة السياسية – الحربية الحاضرة
السياسة:
سورية ــــ علّقنا في الأعداد السابقة على الأخبار القليلة التي ترشح من سورية إلى الخارج بواسطة الشركات البرقية، وبعض ما يصل إلينا من أخبار الصحافة السورية والمعلومات الخصوصية، وأكدنا أنّ الحالة الداخلية في سورية، من الوجهة السياسية فضلاً عن الوجهة الاقتصادية والمعاشية، سيئة جداً.
وأثبتنا بالوثائق الرسمية وغير الرسمية التي نشرناها، أنّ مفوضي الاحتلال العسكري يوجهون حملة اضطهاد على الحركة السورية القومية الاجتماعية وجميع العناصر الاستقلالية والمقاومة للحالة الراهنة.
وبيّنا أنّ المحتلين يجمعون القوميين الاجتماعيين والعناصر المشاغبة تحت عنوان «العمل بإيحاء برلين وروما» لكي يسهل عليهم تبرير اضطهادهم الحركة القومية الاجتماعية وإخفاء وجود هذه الحركة العظيمة التي تمثّل إرادة الشعب السوري قاطبة في إدراك السيادة القومية التامة والحياة الحرة والارتقاء الاقتصادي والثقافي.
كل اضطهاد توجهه الإدارة الاحتلالية وكل ظلم تجريه على العاملين في النهضة السورية القومية الاجتماعية، وعلى غيرهم من طلاب الاستقلال للبلاد، تفعله تحت عنوان «محاربة عمال برلين وروما» أو تحت «القضاء على القائمة الخامسة [الطابور الخامس]»، أو غير ذلك من التعابير الخداعة.
قلنا إنه يوجد، والحركة السورية القومية الاجتماعية كانت أول من نبّه الأمة إلى أنه يوجد، عمال لمصالح دول أجنبية في سورية بينها ألمانية وإيطالية. ولكن وجود هؤلاء العمال الذين لهم شأن خاص، لا يعني أنّ كل من يعمنل ضد الحالة الراهنة السيئة هو «عامل بإيعاز برلين روما» ولا يعني ذلك أنّ الذين يعملون بإيعاز لندن وكانوا من قبل يعملون بإيحاء لندن وباريس لا يدخلون ضمن قائمة أعداء مصلحة الوطن والأمة وعمال «القائمة الخامسة»، ففي عُرفنا القومي الاجتماعي أنّ كل من يعمل بإيعاز أو إيحاء دولة أجنبية هو خائن لأمته ووطنه.
ولكن لما كان الأمر بيد المحتلين الأنكليز والفرنسيين «الأحرار» الذين ميزوا أنفسهم عن الفرنسيين العبيد، لم يكن من مصلحة هؤلاء فضح عمالهم وحسبانهم في عداد الخونة لأمتهم وجنسهم.
وفهم لا يرون خونة غير الذين يعملون «بإيحاء برلين وروما». ولا يقفون عند هذا الحد، بل يعدّون كل من يرفض خيانة أمته ووطنه لمصلحتهم ومصلحته الخصوصية «عاملاً بإيحاء برلين وروما» ولو قامت جميع الأدلة والبراهين تثبت أنه لا يعمل إلا بإيحاء وجدانه القومي الاجتماعي أو الوطني.
على أنّ هذه السياسة الخرقاء لم تجدِ المحتلين نفعاً، فالأخبار المتسربة إلى الخارج في المدة الأخيرة تدل على حصول عدة اضطرابات ذات بال في داخلية البلاد. وآخر الأخبار الدالة على خطورة الحالة ما ورد لــ«يونايتد برس» بتاريخ أول أكتوبر/تشرين الأول الحاضر عن بيروت، والخبر أنّ «الفرنسيين المحاربين» قد أعدموا في مدينة حلب «خمسة عمال معادين» بسبب أفعال قاموا بها «ضد الحلفاء».
هذا هو كل محصّل البرقية، ولا يمكن أن يُفهم منه شيء عن «العمال المعادين» ما هو نوعهم وما شأنهم.
ولكن إذا ربطنا هذا الخبر بما ورد في 23 سبتمبر/أيلول الماضي عن حلب بطريق أنقرة لشركة «ترانس أوسيان» تبيّن نوع الأسباب التي أعدم من أجلها خمسة من السوريين.
ففي البرقية المذكورة أنّ قبيلة الدولة السورية اصطدمت مع الحامية الفرنسية في تدمر. وفيها أيضاً أنه قد حدثت في حلب تظاهرات احتجاج على قلة المواد الغذائية.
ليس المحوريون أقل اجتهاداً في تمويه الحقائق. ففي برقية للشركة المذكورة بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول الماضي، عن أنقرة أنه في إحدى ليالي الأسبوع السابق طارت فوق بيروت طيارات إيطالية وألقت مناشير يَعِدُ فيها موسوليني «بتحرير العرب» عاجلاً.
فإذا كان صحيحاً نشر هذا الوعد دلَّ على أنّ إيطالية تجهل النفسية السورية الجديدة التي ولَّدتها النهضة السورية القومية الاجتماعية.
إنّ سورية القومية الاجتماعية لا تنتظر أن يحررها أحد، لأنها تعلم أنها إذا لم تحرر نفسها هي وتحارب من أجل سيادتها وحقوقها فلا يحررها سلطان أجنبي.
آخر الأخبار المتعلقة بسورية برقية واردة عن واشنطن خصيصاً لجريدة لا ناسيون بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول الحاضر ونشرت في 3 منه والجريدة على المطبعة.
ونحن نتمكن من نقل مفاده بسبب تأخر هذا العدد ثلاثة أيام عن موعد صدوره.
خلاصة الخبر أنّ الرئيس روزفلت عيّن في تاريخ صدور البرقية السيد جورج وادسورث، الخبير في شؤون الشرق الأدنى، عاملاً دبلوماسياً وقنصلاً في بيروت ودمشق.
ودرجة «العامل» أو «الوكيل الدبلوماسي» هي الدرك الأخير في سُلّم الوظائف الدبلوماسية. يقال إنّ هذا التعيين خطوة نحو الاعتراف في المستقبل «باستقلال» الشام ولبنان.
وهو في الحقيقة خطوة نحو تعزيز مركز الولايات المتحدة في سورية وتأييد سياسة الأمم المتحدة هناك.
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 53، 1/10/1942