الدّبكة وجذورها
الدّبكة هي رقصتنا الشّعبيّة المنتشرة في جميع أرجاء وطننا السّوريّ، تتشابكُ خلالها أيادينا لنجسّد فرحةً جماعيّة في حلقة الرّقص، والّتي تكون دائمًا جاهزةً لاستقبال “دبّيكٍ” جديد.
يرافق الدّبكة عازف المجوز أو الشّبابة أو اليرغول، أمّا ضابط الإيقاع فهو الدّفّ وارتطام أرجلنا بالأرض وتواصلنا الرّوحي بحركةٍ واحدة ونفَسٍ واحد.
اكتُشف في الكثير من المناطق السّوريّة منحوتات أثريّة، أعطتنا دليلًا حاسمًا على وجود الدّبكة في طقوس العبادة لدى الكنعانيين. كالصّور المرفقة لمنحوتة ورسم منقول عن منحوتة أخرى عُثر عليها في جزيرة قبرص وهي آثار كنعانية – فينيقية موجودة الآن في المتحف البريطانيّ. يُظهر رسم المنحوتة الكنعانية – الفينيقيّة كهنة يؤدّون رقصة طقوسيّة بقبّعاتهم المخروطيّة يتوسّطهم عازف المجوز، بصورة مشابهة لطقوس كهنة تدمر (Palmyra)، دورا أوروبوس (Dura Europos)، نيحا، وادي العاصي والجولان وحوران.
هذا الاتّصال نصف الدّائريّ بين مجموع راقصي الدبكة الّذي ورثناه في ذاكرتنا الاجتماعيّة وتطوّر عبر الزّمن، هو بحدّ ذاته اليوم لا يزال نوعًا من العبادة، أي الارتقاء الرّوحي من خلال الإبداع الفنّي، والتعبير الحركيّ عن شدّة الإحساس ووضوح الشّعور، فيدرك الرّاقص في لحظة الأداء العضويّ، الحقيقة الكامنة في ذاته والمتجذّرة من آلاف السّنين، والّتي تضع ثقلها بكلّ بديهيّة في فعل الدّبكة الشّديد التّميّز.
فدبكة الدّحيّة الفلسطينيّة، تشبه في حركاتها عبادة إله القمر قبل آلاف السّنين في مدينة أريحا، نسبةً لبعض الباحثين. خطوات للأمام وللخلف، مع التّشجيع بالتّصفيق، الّذي يضيف إلى الدّبكة دقّة إيقاعها، وكأنّ الرّقصة نارٍ يحاول المصفّقون إبقاءها مشتعلة.
يُقال إنّ أصل دبكتنا في بُعدها الأنتربولوجيّ يعود إلى حاجة أجدادنا لرصّ أسقف البيوت الطينيّة تحضيرًا لفصل الشّتاء فيجنّبها تسرّب الماء إلى الداخل. هذا العمل كان نتيجة جهدٍ جماعيٍّ، يدور فيه كلّ أبناء القرية على منازل بعضهم البعض، فتُجهّز النّساء أثناء النّهار المؤونة لأصحاب البيت، وفي المساء يقوم الرّجال برصّ سقفه راقصين الدّبكة في احتفالٍ موسميّ يشحذ الهمم ويؤكّد وعي أبناء شعبنا لارتباطنا الاقتصاديّ والاجتماعي والوجدانيّ في متّحداتنا.