السياسة الخارجية – المعاهدة السورية ـ الفرنسية
في العدد الرابع من النهضة أعلنت هذه الجريدة ما يدور في بعض الأوساط عن إمكان تعديل المعاهدة السورية ـ الفرنسية فيتناول التعديل إيجاد وضع خاص بلواء الجزيرة.
وعادت النهضة فنشرت ملخص رسالة مراسل الأهرام بصدد هذه المعاهدة والأخطار التي تستهدف لها. وكان لهذه الرسالة دوي في الأوساط السورية كلها. وقد أدلى وزير الخارجية في حكومة الشام برأيه أنّ المعاهدة ستصدق لا محالة.
وتميل الأوساط الكتلوية في الشام إلى الاستخفاف بإمكانية رفض المعاهدة أو طلب تعديلها مستندة إلى أنّ أكثر الاشتراكيين يؤيدونها وإلى أنّ الراديكاليين الذين يؤلفون نصف الوزراء يتفقون مع الاشتراكيين أكثر مما يتفقون مع أي حزب محافظ أو يمين.
الحقيقة هي أنّ الراديكاليين يتفقون في الأهداف الكبرى مع الاشتراكيين أكثر مما يتفقون مع سواهم. ولكن هل تؤلف المعاهدة السورية ـ الفرنسية إحدى مسائل السياسة الكبرى التي يمكن أن يعدّها الاشتراكيون مسألة Sinc gua non أي لا يمكن الاستغناء عنها؟
يظهر أنّ دوائر الحكومة الشامية واثقة كل الوثوق بأن المعاهدة راسخة رسوخ الجبال، كما كانت واثقة كل الثقة بأن المعاهدة قد أمنت وحدة الأرض السورية الشمالية إلى أن كانت الإسكندرونة. حتى بعد هذه النكبة العظيمة لم يشأ رجال الحكم الشامي أن يعترفوا بأنه قد حدث تغيير كبير في فوائد المعاهدة وما تتضمّنه. فما أعظم إيمان الحكومة الكتلوية بالمعاهدات.
في البيان الأزرق الذي أذاعه زعيم الحزب السوري القومي في الخامس عشر من يونيو/ حزيران 1936 يقول الزعيم:
“والأغرب من كل ذلك أنّ زعماء الوطنيين في الشام اعتمدوا على سياسة المفاوضات، وأغفلوا إمكانية تنظيم البلاد فكرياً وعملياً التي يقدمها الحزب السوري القومي. ففاوضوا على أساس عقد معاهدة من غير أن يكونوا قد أمنوا الوحدة بالفعل. ولذلك نرى الحركات الانفصالية في المناطق الداخلية تشجع في كل مكان. والأمل الوحيد بتحقيق الوحدة الداخلية في حالة استفتاء هو في وطنية اهل المناطق غير المنظمة”.
وقد جاءت نتائج مفاوضات باريس والمعاهدة المتولدة عنها مؤيدة لشكوك الزعيم في حصول الفوائد القومية المتوخاة من وراء هذه السياسة الناقصة.
الخطأ الأساسي في المعاهدة السورية ـ الفرنسية هو الخطأ الذي يشير إليه سعاده في تصريحه لجريدة المعرض العدد 1103 وهذا الخطأ هو فتح مفاوضات في سنة 1936 على أساس كان يعد صالحاً سنة 1928. فإن الكتلويين سارعوا إلى بحث المعاهدة على أساس مطاليب 1928 مهملين كل الإمكانيات الجديدة التي تولدت منذ ذلك الحين.
ليست مسألة قوة المعاهدة أو ضعفها كامنة في الاشتراكيين والراديكاليين في فرنسة بل في الوضع القومي في سورية، فإن السياسة المتبعة خصوصاً في الشام توجد نقاط ضعف كثيرة يسهل كثيراً أن تتحول إلى أخطار حقيقية. وإذا كانت هذه الأخطار لا تمس المعاهدة من حيث هي “نظام” يحل محل الانتداب فإنها تمس نصوصها وقد تحمل على تعديلها.
قد انتقد الكاتب السياسي تحت “رأي النهضة” السياسة الكتلوية التي اتبعت في الإسكندرونة واللاذقية والجزيرة. واشار إلى الأخطار الحقيقية التي تهدد هذا الجزء من الوطن السوري. وتنشر النهضة بين فترة وأخرى أخباراً تبعث على القلق لوضع الجزيرة، فإن استنفار المصالح والعناصر يجري هناك بصورة شديدة، حتى أصبح وضع هذه المنطقة ضعيفاً جداً. فلو أثيرت مسالة إيجاد استقلال إداري للواء الجزيرة بحجة تأمين الأقليات لوجدت هذه المسألة حالة موافقة في التفكك القومي في هذا اللواء.
وسواء صُدّقت المعاهدة السورية ـ الفرنسية كما هي أو بتعديل، أو لم تصدق في البرلمان الفرنسي، فمما لا شك فيه أنّ أساسها ضعيف يبعث على القلق.
النهضة، بيروت
العدد 23، 9/11/1937