السياسة الخارجية: خطر الحرب في الشرق الأقصى
أشرنا في عدد ماضٍ إلى الخلاف المستحكم بين جامعة الأمم واليابان بشأن الإجراءات الحربية التي اتخذتها هذه الدولة في منشورية الصينية، وقلنا حينئذٍ إنّ الخلاف المذكور قد يؤدي إلى انسحاب اليابان من جامعة الأمم.
ومنذ اليوم الذي قرر فيه المجلس المنعقد للنظر في الخصومة بين اليابان والصين، تأجيلَ اجتماعه إلى اليوم السادس عشر من الشهر الحالي، استفحل أمر قضية الشرق الأقصى استفحالاً يدعو إلى القلق وتحرجت الحال في منشورية تحرجاً يخشى معه من وقوع حرب طاحنة، فقد احتلت الجنود اليابانية مواقع جديدة في جهة الحدود الروسية، وقامت جنودها بتقدم جديد نشبت خلاله معارك مع فرق من الجيش الصيني.
وزاد في خطورة الموقف في الشرق الأقصى إنذار روسية اليابان بعدم مسّ مواقع معينة، فإن هذا الإنذار كان أول إعلان عن استعداد روسية لاتخاذ موقف جدي حازم تجاه توعل الجيش الياباني في منشورية. وإذا كانت اليابان ترى في الولايات المتحدة مزاحماً لها في المصالح الاقتصادية في الصين، فإنها تعلم أنّ المنافسة بينها وبين روسية على امتلاك الأراضي في الشرق الأقصى لأخطر من ذلك بكثير. وقد ازدادت العداوة القديمة بين هاتين الدولتين منذ ابتدأت أصابع البلشفيين تمتد إلى الصين والمقاطعات الواقعة تحت سلطة اليابان وإلى اليابان نفسها.
الحقيقة أنّ روسية علّقت آمالاً كثيرة على إمكان استثمار الفوضى المتفشية في الصين لمصلحة الشيوعية عموماً، ولرمي اليابان رمية قاتلة خصوصاً، وقد كادت روسية تنجح من هذه الوجهة حين اضطرمت نار الثورة الصينية الكبيرة الأخيرة بإدارة مجلس «الكومنتان» في كانتون، وكان يسيطر عليه الشيوعيون الذين كانوا ينتظرون الساعة الموافقة لتحويل تلك الثورة القومية إلى ثورة شيوعية لا قومية. فأدرك قائد جيش الثورة العام الجنرال شان كاي شك غرض الشيوعيين الروسيين والعاملين بإيعاز من روسية، وأراد أن يقي بلاده من كارثة الفوضى الشيوعية فانفصل عن مهد الثورة وأنشأ الحكومة الوطنية في نانكين.
ولقد جاءتنا مؤخراً أخبار مشروع اتحاد حكومتي نانكين وكانتون، الغرض منه تأليف وحدة تتمكن من الوقوف في وجه اليابان. والظاهر أنّ لروسية اليد العليا في هذا الأمر، فالمرجح أنّ روسية اقترحت على حكومة كانتون الموالية لها عقد اتفاق مع حكومة نانكين يكون من ورائه تأليف جيش عظيم تمده روسية بالأسلحة والذخائر ويكون سياجاً حائلاً دون امتداد نفوذ اليابان الحربي. والعقدة الكبيرة في عقد الاتفاق المذكور هي مسألة الدعاية الشيوعية ولا يبعد أن تكون حكومة كانتون قد قبلت باقتراحات حكومة نانكين بهذا الصدد. إذا صح ذلك فإن روسية تكون قد قامت بمناورة سياسية فعالة للوقوف في وجه اليابان.
وآخر ما وردنا من أخبار الشرق الأقصى، حتى كتابة هذه الأسطر، يعلن حدوث محاولة اغتيال امبراطور الصين السابق، وأنّ لهذا الحادث علاقة كبيرة بمحاولة الأمير سان، المطالب بعرش الصين، تنصيب نفسه امبراطوراً تحت حماية اليابان، وأنّ الجنرال الصيني بوانشنطاي قد أعلن استقلال منشورية عن الصين بمعاونة اليابان.
هذه هي المناورة المعاكسة التي تقوم بها اليابان جواباً على المناورة الروسية المذكورة آنفاً. ويظهر من ذلك جلياً أنّ اليابان مصممة على عدم التنازل عن الحقوق الجديدة التي اكتسبتها في منشورية بواسطة الأمر الواقع، فحيث وضع الجيش الياباني قدمه تبقى اليابان.
إنّ موقف اليابان من منشورية موقف بريطانية من الهند. فاليابان تتشبث الآن بمنشورية بكل قوّتها لأن هذه المقاطعة الواسعة، البقعة الوحيدة التي ترى فيها اليابان مجالاً للاستعمار يسد حاجتها. وإذا حقق استقلال منشورية عن الصين بمعاونة اليابان فإن هذه الدولة تكون قد اقتطعت هذه البقعة لنفسها وأصبح موقفها فيها موقفاً شرعياً.
مما لا شك فيه أنّ تنفيذ خطة من هذا النوع يعتبر رمية موجهة إلى روسية التي لم تتنازل عن حقوقها في منشورية، ويزيد العداء بين روسية واليابان ويضاعف الحال في الشرق الأقصى، ويقوي إمكان نشوب حرب طاحنة في تلك الأصقاع.
ويقال إنّ حكومة الولايات المتحدة قد قدَّمت بواسطة سفيرها في طوكيو، نصائح سرية إلى الحكومة اليابانية، وإنّ هاتين الحكومتين اتفقتا على إبقاء مضمون النصائح المذكورة سراً مكتوماً.
ومهما يكن من الأمر فالدلائل على خطورة الحالة الحاضرة في الشرق الأقصى كثيرة. وإذا كانت روسية مصممة على التداخل الفعلي في تطور القضية المنشورية فخطر الحرب قريب.
أنطون سعاده
اليوم، دمشق
العدد 81/29، 15/11/1931