السياسة الخارجية- معاهدة لوزان وقضية المهاجرين السوريين
(ما كان بودّ النهضة أن تحرم قراءها من باب السياسة الخارجية. ولكن اضطرار محرر هذا الباب لأخذ إجازة جعلتنا نقفله إلى حين عودته حرصاً على مستوى البحث ومحافظة على الاتجاه الأساسي وضناً بالقراء أن يحال بينهم وبين الأساس الفكري في السياسية الخارجية الصحيحة التي وضعت النهضة قواعدها الأصلية المستقلة.
ونأسف إلا نتمكن من تبشير القراء بالعودة إلى فتح هذا الباب الهامّ منذ هذا العدد. فقد طلبنا إلى محرر السياسة الخارجية إبداء رأي النهضة في مسألة جنسية المهاجرين التي هي من مسائلنا القومية الكبيرة فلبى وأرسل إلينا هذا المقال):
كنا نود أن نبحث معاهدة لوزان من أساسها ونفرد لها سلسلة مقالات نتناول فيها القضايا التي عالجتها هذه المعاهدة ولها مساس عظيم بشخصيتنا القومية وحقوق أمتنا ومصالح شعبنا. وقد عاجلتنا الظروف بقضية المهاجرين وتمديد مهلة إعلانهم اختيار الجنسية التي يميلون إليها، وهو التمديد الذي حمل “الاتحاد القومي للجمعيات الشامية واللبنانية” في الولايات المتحدة على إعادة النظر في هذه المسألة الخطيرة وابتداء مراسلات دبلوماسية في صددها نشرتها النهضة في الأعداد 84، 85، 86، 87، 88 السابقة.
نرى من هذه المراسلات أنّ “الاتحاد القومي للجمعيات الشامية واللبنانية” قد وجّه عنايته إلى مسألة أصل السوريين المتجنسين بالجنسية الأميركانية القومي، وما يترتب على تثبيت هذا الأصل من الحقوق الشخصية والامتيازات الثقافية والاجتماعية وغيرها.
إنّ مسألة الأصل القومي للمهاجرين الذين اكتسبوا جنسيات الدول المقيمين في أراضيها هي مسألة هامّة لنا ولهم. فهم، وإن كانوا قد اكتسبوا جنسيات جديدة، يمثّلون مزايا المواهب السورية ويوجدون علاقات طيبة بين أمتنا وبين الأمم التي اكتسبوا جنسياتها. وهم، مع تجنسهم بجنسيات الدول المقيمين في أراضيها، لا تزال لهم صلات شخصية حقوقية واجتماعية عديدة يجب المحافظة عليها. وليس من العدل الحقوقي في شيء أن يخسر مهاجرونا الحقوق والامتيازات المستمدة من أصلهم القومي، لمجرّد عقد معاهدة لم يكونوا ممثلين فيها، أي لم تكن أمتهم ممثلة فيها.
وإنّ قضية حقوق المهاجرين المتجنسين بجنسيات غريبة وامتيازاتهم تفتح قضية حقوق جميع المهاجرين السوريين وامتيازاتهم، وحقوق الأمة السورية التي لم تراع في معاهدة لوزان المشؤومة. وقد المعت رسالة “الاتحاد القومي للجمعيات الشامية واللبنانية” إلى ناموس الدولة الأميركانية إلى أنّ المعاهدة قد ضمنت لتركية الوجهة الإيجابية من حقوق الجنسية للشعوب المنسلخة عن الدولة التركية، وتركت لسورية الوجهة السلبية، أي أنها جعلت كل سوري تركياً أصلاً، إلى أن يعلن اختيار جنسية أخرى.
ولا نظن أنّ البند الذي نص على هذا الشكل من المعاهدة المشار إليها وُضع عفواً أو غلطاً، لأن المسألة حقوقية كبيرة وتترتب عليها نتائج خطيرة. فعدم وجود مؤسسات قومية في الماضي تنشط السوريين إلى المحافظة على قوميتهم وتهتم بتسهيل وسائل هذه المحافظة كان من شأنه ترك عدد كبير من المهاجرين على غير هدى من هذا الأمر، مما يفضي إلى فقدهم قوميتهم الأصلية وفقدهم الحقوق والامتيازات الناتجة عنها، وإنّ من شأنه أيضاً نقل حقوق حمايتهم وحماية أملاكهم وأرواحهم إلى الحكومة التركية، وهو من الأمور التي تُدخِل هذه الدولة في علاقات إنترناسيونية واسعة لفائدتها، وكان يجب أن تكون لفائدة القومية الأصلية.
إنّ معاهدة لوزان، من هذه الوجهة، قد سببت لنا مشاكل وخلقت صعوبات كثيرة في سبيل تقدمنا القومي وأوجدت لمهاجرينا مشكلة صعبة. فهي معاهدة يجب تعديلها لإزالة الإجحاف النازل بالأمة السورية في ما نصّت عليه.
وإننا نحبذ فكرة “الاتحاد القومي للجمعيات الشامية واللبنانية” في إعادة النظر في نصوص معاهدة لوزان وعقد مؤتمر تمثل فيه الشام ولبنان، وتثبت فيه حقوق قوميتها وتعدّل فيه هذه المعاهدة بما يتفق مع كرامة الأمة السورية وحقوقها. ونحن نؤيد مطاليب “الاتحاد القومي” ونلفت أنظار الحكومتين اللبنانية والشامية إلى وجوب أخذها بعين الاعتبار.
أنطون سعاده
النهضة، بيروت،
العدد 89،
30/1/1938