الشهيد خالد علوان
صبيحة 24/9/1982، وبينما كان ضبّاط العدوّ وجنوده يسترخون في أحد مقاهي العاصمة بيروت محتفين بِعتوّهم وسط فوضى المارّة، وإذ بمارد يمتطي صهوة المجد، ساءه المشهد، فتوجّه إلى حيث يجلسون، شَهَرَ مسدّسه وأطلق باتّجاههم رصاصاتٍ معدودة، فأرداهم.
هكذا روى المشهد كلّ من كان في “الويمبي”، ومنهم من قال إنّ البطل البيروتيّ وقف وجهًا لوجه ممتشقًا سلاحه ناهرًا اليهود: “اتصالنا معكم هو اتصال الحديد بالحديد والنّار بالنّار”. نعم، هكذا فعل خالد علوان “ميشال”، مؤمنًا بأنّ “ليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وأرضنا ووطننا سوى اليهود”.
لقد باتَ خالد علوان حديث الناس في بيروت، وباتوا يحدّدون أوصافه، كان يرتدي قميصًا “سبور” وبنطلونًا مقلّمًا، آخرون قالوا: “لا، قميصه أحمر”، وخالد علوان بين الجموع يحاول أن يتعرّف على البطل، وكلّ الذين يلبسون الأحمر أصبحوا في شاحنات العدوّ” للتحقيق وتحديد الفاعل”.
لم يدرك أحد في صبيحة ذلك اليوم، أنّ ما جرى كان بمثابة الشرارة الأولى للتحرير، وأنّ كلّ شبّان بلادنا وصباياها سيمتشقون سلاح المقاومة، إلّا بعدما شهدت بيروت سلسلة كبيرة من العمليات كانت نتيجتها تحرير العاصمة.
لقد حطّمت عملية “الويمبي” عتوّ الاحتلال، وأذلّت ضبّاطه وجنوده، وكانت محطّة مشرّفة توالت على أثرها العمليّات لتعمّ كلّ بيروت، مؤكّدة أنّ ذاكرة الشعب غير قابلة للبرمجة طِبقًا لمعايير مختلفة ومقرّرات مستوردة، حيث أنّ هذه المعايير تشكّل النقيض الفعليّ للانصهار الوطنيّ ولوحدة الحياة التي يؤمن بها جميع الأحرار.
فالنهج الصراعيّ الذي آمن به خالد علوان هو الذي سكن ذاكرة الأجيال، مؤسّسًا لعصر الانتصار وتحرير الأرض. فأينعت مواسم النصر، بدءًا ببيروت الصامدة، إلى الجبل الأشمّ، فإلى الجنوب والبقاع الغربيّ الصابرَين، وكتب الأبطال بانتصاراتهم تاريخًا مشرّفًا يليق بتضحيات الشهداء، وهذه حقيقة ناصعة سكنت وجدان الشعب الذي بات عصيًّا على تداعيات الهزيمة في زمن الانتصار.
مع خالد علوان تحرّرت بيروت، ومع عمليّة “كريات شمونة” ووجدي وسناء وكلّ الاستشهاديّين، بدأ عصر المقاومة والتحرير، وما زال شعبنا في هذا العصر وسيظلّ، فلن تنال من عزيمته مواقف اعتراضيّة تُراهن على إرادات خارجيّة وتهدّد بها، ولن تثنيه التهديدات الأميركيّة – الصهيونيّة عن مواصلة مسيرة التحرير.