الكلمة التي افتتح بها الزعيم مؤتمرالمدرسين في 17 يوليو/ تموز 1948
أخيراً حققنا هذه المحاولة الأولى التي خالجت فكر الإدارة القومية منذ بدء العمل القومي الاجتماعي. وكانت عزيمة واضحة ظهرت في محادثات، في الإدارة الحزبية عام 1937، ولكن الحوادث السياسية التي تلت المحاولات الإعدادية منعت خروج هذه العزيمة إلى حيّز الفعل فبقيت قصداً كامناً طول هذه المدة بين 1937 و 1948.
ولكن هذه المدة الطويلة التي مرت بين الفكرة وتحقيقها هي مدة هامّة تعني شيئاً ولها مغزى. المغزى هو أنّ العزيمة التي تقصد قصداً كبيراً والمستندة إلى إيمان قوي وعقيدة ثابتة هي عزيمة قد تكمن دهراً طويلاً إذا وجدت صعوبات كثيرة في طريقها ولكنها في الأخير تتغلب وتنتصر وتحقّق ذاتها. إنّ المدة التي مرّت لم تثنِ عزيمتنا عن القصد الذي قصدناه ولذلك تحدث اليوم هذه المحاولة التي كان يجب أن تحدث عام 1937.
أعتقد أنّ العزيمة هذه لم تكن تجول فقط في مخيلتي ولا في مخيلة واحد أو اثنين من أعواني في الإدارة. أعتقد أنها فكرة وشعور يجب أن يكونا قد خالجا عدداً كبيراً من الرفقاء المدرسين في المدارس المعتنين بتربية الأحداث والنشىء. وقد توقعت بعد الحركة الفكرية، التي حدثت في الحزب بعد عودتي، أن يكون الإقبال على الاشتراك في هذا المؤتمر حقيقة أوسع من النطاق الذي يحدّه هذا الاجتماع الصغير. وقد يتسع الاشتراك في العمل في الاجتماعات المقبلة كما أظن. ولكن اقتصار الإقبال خصوصاً في الاجتماع الأول، على هذا العدد القليل، خصوصاً من المدرسين، يعني نقصاً روحياً يجب تسجيله على عددٍ غير قليل من الذين يعنون بتدريس الأحداث وتربيتهم وإرشادهم.
مع ذلك فلا بدّ من القول إنّ هذا الاجتماع على صغره هو كما قال الرفيق لبيب زويا، ناموس عمدة الثقافة والفنون الجميلة، يعني نجاحاً معنوياً كبيراً. إنه يشبه نوعاً ما ابتداء الحركة السورية القومية الاجتماعية كلها. لم تكن الاجتماعات الأولى التي ابتدأت بها الحركة القومية الاجتماعية أكثر عدداً بل كانت أقلّ من ذلك. وكانت اجتماعاتنا الأولى تصاب بهذا المرض من التلكؤ ومن الفتور، من الخمول الذي لا يزال يغط فيه عدد غير قليل من الذين بعد دخولهم الحزب القومي الاجتماعي أصبحوا يقولون في ضمائرهم: “قد أصبحنا بحمد الله من المؤمنين ولعنة الله على الكافرين”. وكفى!
(وأبدى الزعيم أسفه لعدم حضور رفقاء مدرسين كان يجب أن يكونوا في مقدمة المهتمين بشؤون المؤتمر وتابع”:
في كلمة الرفيق جورج عطية، ناموس الندوة الثقافية، وردت عبارة هي قوله: “إنّ الصعوبات تسبّب الخلق والإبداع” أظن أنه يريد أن يقول إنّ الإرادة الحية الجديرة بالخلق والإبداع، أو إنّ مقدرة الخلق والإبداع، تقدر أن تتغلب على جميع الصعوبات التي تعترضها وتنجح على الرغم من هذه الصعوبات لا بفضلها. إنّ للصعوبات فضلاً واحداً وهو حكّ المقدرة ولكن ليس لها تسبيب الخلق. إنّ الخلق والإبداع هما مقدرة ذاتية روحية فكرية تتغلب بقوّتها وبفاعليتها على كل صعوبة وتنتصر بالرغم من الصعوبات لا بسبب الصعوبات. ونحن قد انتصرنا منذ بدء حركتنا إلى اليوم، ليس بفضل الصعوبات، بل على الرغم من الصعوبات وبفضل عقيدتنا وإيماننا وبما في نفوسنا، من خلق وإبداع ومقدرة على اجتياز العقبات والتغلب على كل صعوبة يمكن أن تعترض طريقنا إلى الفلاح والانتصار.
بهذه المقدرة وهذه العزيمة نعتبر أننا بهذا الاجتماع الصغير المختص بالأعمال التربوية سنسير إلى اجتماعات تزداد اتساعاً مرة بعد مرة وإلى فاعلية تتجلى في جميع أنحاء البلاد وفي جميع مناحي النشاط والثقافة.
بهذه الروحية، بهذا الإيمان نتقدم بهذا المؤتمر الصغير إلى أعمالنا المقبلة التي أرجو أن تكون مثمرة، وابتداءً طيباً يتخذ أساساً صالحاً لما سيتلوه من المؤتمرات التي ستستمرّ بقوة الإرادة والعزيمة فينا وبوضوح القصد الذي نسير إلى تحقيقه.
بهذا الرجاء أختتم كلمتي إليكم على أن أعود إلى التحدث إليكم غداً في مواضيع تكون في ذاتها محور الاتجاه والأعمال للمؤتمر.
أهنىء من صميم قلبي الذين شعروا شعوري وأتوا إلى هذا المؤتمر بنفس الإيمان الذي أتيت به ونفس العزيمة التي فيّ. أهنئهم وأقول لهم إنّ النصر قريب وإنّ إرادة البناء موجودة ولأن النفوس قادرة، ولتحيي سورية.
النظام الجديد، بيروت، المجلد 1،
العدد 5، يوليو/ تموز ـ أغسطس/ آب 1948