بدء عام جديد
بصدور العدد الماضي دخلت الزوبعة في عامها الخامس الذي لا نشك فى أنّ جهادها فيه لن يكون أقل منه في الأعوام السابقة.
عندما نذكر الجهاد لا نعني شيئاً من تلك التبجحات الخادعة التي يرفع عقيرتهم بها رهط من المتعيشين بالصحافة الذين يسمّون كل وقاحة من وقاحاتهم “جهاداً” وكل منكر يأتونه “بطولة”، فيخدعون أولئك الناس الذين لم يختبروا معاني الحياة السامية. عندما نذكر الجهاد نعني المحاربة بالقول والعمل لكل ما يعترض انتشار الوعي القومي الذي أفاضت أنواره النهضة السورية القومية الاجتماعية. ولكل من يقف في وجه الحركة السورية القومية الاجتماعية المجاهدة من أجل سورية وحقوقها – نعني إحياء الليالي وإفناء الجسد في سبيل مبادئنا القومية الاجتماعية الجامعة شتات أمتنا، لا نتخلى عنها لحظة واحدة ولا نبدل بها شيئاً من متع العيش ولا نعرف حياة جديدة إلا بها.
الزوبعة هي جريدة مجاهدة جهاداً حقيقيًّا فعليًّا. هي ليست من تلك الصحف التي تحمل روسم المهنة والمعاش، بل جريدة وقفت نفسها على خدمة النهضة السورية القومية الاجتماعية ومبادئها السامية. تذب عنها وتدفع حملات الأعداء الداخليين والخارجيين. وكون الزوبعة جريدة تخدم مبادئ نهضة جديدة ترمي إلى تغيير حالة شعب من أساسها وتبديل أخلاقه، وعاداته وإنشاء حياة جديدة له، يعني أنها جريدة تقوم بمهمة جهادية عظيمة تختلف كل الاختلاف عن الجرائد التي اتخذها أصحابها مهنة للعيش، والتي ينحصر عملها في إعطاء الناس ما اعتادوا وما رغبت فيه نفوسهم غير المؤدبة في نظام متين وغير المهذبة في مثالية جديدة.
فـالزوبعة تحمل نصيباً هامًّا من جهاد عظيم، رائع، تقوم به الحركة السورية القومية الاجتماعية وسط شعبنا الذي مزقته مذاهب الدعوات الدينية وخنقت كل روحيته العداوات والضغائن الأهلية، التي تكاد لا تكون العداوات والضغائن الأجنبية شيئاً مذكوراً بالنسبة إليها، وقتلت المثالب النفسية كل مطمح نبيل وكل رغبة سامية فيه فماتت وتلاشت في الشعب، من جراء ذلك، المناقب السامية والمعاني الجميلة والمرامي الخطيرة.
والشعب الذي عدم الخلال الشريفة المذكورة كان معدوماً من الانسانية الراقية. وإنّ إقامة ميت لم يمضِ على موته سوى دقائق أو ساعات معدودة لأمر هين جدًّا بالنسبة إلى إحياء شعب قضى دهراً طويلاً فاقد المكارم والمناقب، يائساً من المطامح الخطيرة، لا تجد فيه العزائم العالية غير ما تجد في الجثث البالية.
في هذا الشعب، الذي كان في غابر الأزمان ذا نفسية مثالية حية وعزاثم لا تردّها صعاب، وصار مجتمعاً لا حراك به غير حراك عوامل الفناء ودود البلى، تعمل الحركة السورية القومية الاجتماعية عملها العظيم وتجاهد جهادها الرائع. وفي هذه الحالة المضنكة، المضنية تجاهد الزوبعة لغلبة عوامل الفناء وإعادة أمة إلى الحياة والمجد.
ومع كل الظلمة المحيطة بنا فإن نور نهضتنا الجميل، الساحر، يقوى ويمتد، ويسرّ كثيراً أن تكون الزوبعة من وسائل مد هذا النور القومي الاجتماعي. وأنّ دروسها تلاقي اهتمام العاملين بالروح الجديدة وتقديرهم كما تلاقي صيحات أبناء العجز والذل وكره مواليد الظلمة وحقدهم.
دخلت الزوبعة عامها الخامس ومبادئها هي هي، لم تتبدل ولم تتحول، وعزيمتها هي هي لم يطرأ عليها ملل ولا تطرّق إليها فتور. وفي أشد ساعات الضنك وحالات التجارب نقدر ان نجيب عنها بما أجاب به قاضي التحقيق، حسن قبلان، الموظفين الفرنسيين الذين كانوا يسألو عن حالة أعصاب الزعيم وهو في السجن متوقعين خبر تراخيها وانسحاقها: كلما رأيته مرة وجدته كأنه يدخل السجن في تلك الدقيقة.
ونحن نقول عن الزوبعة إنها في كل عام وكل موقف تظهر بالروح القوية والعزيمة الصادقة اللتين دخلت بهما معترك الأفكار والمبادىء وظهرت يهما في ميدان الحياة.
الزوبعة بوينُس آيرس،
العدد 80، 4/9/1944