قضية الرفيق فايز صايغ

عندما انتّدب الرفيق فايز صايغ لعمدة الثقافة في سنة 1944، تقدّم ببيان عن برنامج الأعمال التي سيقوم بها ألقي في جلسة المجلس الأعلى اللادستوري المنعقدة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 1944، كما ألقي في جلسة لمجلس العمد. وفي المجلسين جرت انتقادات شديدة على ذاك البيان فكان عميد الإذاعة، آنئذٍ الدكتور كريم عزقول، وعميد المالية، آنئذٍ الرفيق جبران جريج في صدر المعارضين لذاك البيان الانحرافي في مجلس العمد، وكان ناموس المجلس الأعلى المذكور الرفيق عبدالله محسن وعدد من أعضاء المجلس الأعلى من المنتقدين له. ولكن المجلس الأعلى المذكور وافق بانحراف نعمة ثابت ومأمون أياس وعلى أساس التجربة على أن يسمح للرفيق فايز صايغ بالعمل في عمدة الثقافة على أساس برنامجه وكانت موافقته مع بقاء التحفظات والاعتراضات على البيان.

منذ ذلك الوقت ابتدأ السيد فايز صايغ يعمل على الأساس الشخصي الذي أعلنه في بيانه للدعوة ضمن الحزب لمبادئ وتعاليم هدامة للعقيدة القومية الاجتماعية كا وضعها وشرحها وعلّمها الزعيم. وتلك المبادئ والتعاليم التي أراد السيد فايز صايغ إدخالها إسفيناً في صلب الحركة القومية الاجتماعية وتعاليمها هي مبادئ وتعاليم مدرسة فلسفية، دينية، روحية، فردية شخصية زعيمها مفكر دنيمركي إسمه كريكغارد، ومن أقوى المعبّرين عنها بروح فوضوية شديدة كاتب روسي يدعى بردبايف. واقل ما يقال في تلك المبادئ والتعاليم الغريبة إنها هدامة لمبدأ الأمة وشخصيتها ووحدتها ولا تنظر إلى المجتمع والإنسانية إلا من زاوية الفرد – الشخصية الفردية – خلافاً لتعاليم الزعيم الاجتماعية التي صارت عقيدة الحركة القومية الاجتماعية ومذهبها الصريح.

وكان السيد فايز صايغ أحد المنحازين إلى فكرة التمرد والتفلت من الأساس الدستوري للحزب، كما كان يبشّر بالانفلات العقائدي، فكان من الموافقين على فكرة تأجيل عودة الزعيم إلى الوطن في جلسة المجلس الأعلى التي أثيرت فيها هذه المسألة، ومن الداعين إلى تعديل الدستور وتعطيل صلاحيات الزعيم، إلا أنه رجع عن موقفه في صدد التعديل بعد موقف الزعيم الواضح في هذه المسألة.

عندما وصلت إلى الزعيم في الأرجنتين بعض النشرات الحزبية وقف على بيان السيد صايغ كما هو منشور في العدد الأول من مجلة [نشرة] عمدة الثقافة فعلق عليه. ثم في الرسائل التي تبودلت بين الزعيم والرفيق غسان تويني، الذي كان مكلفاً برفع تقرير إلى الزعيم عن حالة الوطن والحزب، عرض الزعيم للانحرافات الروحية والعقائدية والنظامية التي يشتمل عليها البيان المذكور، وأرسل إلى المركز خلاصة تعليقاته في هذا الصدد. فكان من وراء ذلك أنّ فايز صايغ توقف عن متابعة ذلك العمل في عمدة الثقافة. ولكنه بعد تولّيه عمدة الإذاعة عاد إلى متابعة بثّ تلك الأفكار عينها في جميع المواقف والشروح العقائدية.

حالت المشاكل السياسية التي نشأت بعيد عودة الزعيم دون توجيه اهتمامه إلى المسائل العقائدية الأساسية والقضايا الشخصية. فلما استردت الحكومة اللبنانية مذكرة التوقيف وانتهت المشاكل السياسية الملحّة، وجّه الزعيم عنايته إلى درس الأفكار العقائدية الغريبة التي اندست في الحركة في غيابه فقرأ مجموعة محاضرات وخطب السيد فايز صايغ المجموعة في كتيب بعنوان البعث القومي، ووقف على مبلغ مناقضتها لتعاليم الحركة القومية الاجتماعية، ومبلغ تفسيخها لوحدة روحية ا لحركة ووحدة نظرها إلى الحياة والكون والفن.

في هذه الأثناء كان الرفيق فايز صايغ يقوم برحلة حزبية في منفذية شاطئ الذهب. فلما عاد وجّه إليه الزعيم كتاباً يظهر له فيه التضارب بين المذهب القومي الاجتماعي والمذهب الديني، الشخصي، الفوضوي الذي يقول به كريغارد وبرديايف ويترجمه ويعلّمه الرفيق فايز صايغ مستخدماً أجهزةة الحزب الثقافية والإذاعية لذلك.

وقد سلّم الزعيم إلى الرفيق فايز صايغ كتابه شخصيًّا في مكتبه بحضور الناموسين في مي مكتب الزعيم الرفيقين هشام شرابي وفؤاد نجار. فاعترف السيد صايغ بأنه كان يعلم أنه يبثّ أفكاراً مخالفة للاتجاه العقائدي القومي الاجتماعي ولكنه كان يظن أن المبادئ لا تعيّن عقيدة واضحة في فلسفة الحياة وكان يرفض الاعتراف بقيمة شرح المبادئ وتعاليم الزعيم الأخرى كأسس عقائدية للحركة القومية الاجتماعية. فطلب منه الزعيم إعادة النظر في هذه الأفكار غير المضبوطة.

في جلسة مجلس العمد التي جرت مساء ذلك اليوم عينه، يوم الخميس في 4 ديسمبر/ كانون الأول الحاضر، قّدّمت نسخة من كتاب الزعيم إلى الرفيق صايغ بصفته عميداً للإذاعة، وأعلن الزعيم للمجلس أنه جرى حديث بينه وبين العميد صايغ، وانّ القضية من الوجهة الإدارية تعتبر منحلة بعزم الرفيق صايغ على السفر إلى أميركانية لإكمال دروسه الفسلفية. مع ذلك فقد وجّه بعض أعضاء المجلس وبعض الأمناء الذين حضروا الجلسة أسئلة استيضاحية. وانتهت الجلسة بإعلان الزعيم أنه بما أنّ المسألة الإدارية قد انحلت فهو يرى أن يترك للرفيق صايغ وقتاً للتأمل وحرية في اختيار العقيدة التي يريد أن يعمل لها.

في اليوم التالي للجسلة وردت الزعيم أخبار تفيد أنّ السيد فايز صايغ يتصل ببعض الرفقاء في الجامعة الأميركانية وخارجها، محاولاً إقناعهم أنه ليس للحزب عقيدة غير الناحية السياسية، وانه ليس له اتجاه روحي يجب المحافظة عليه، بل يجب اعتباره مجموعة أفراد بلا اتجاه عقائدي أو روحي، إلخ.

ولما لم يقدّم الرفيق صايغ البيان الخطي المطلوب عن رحلته إلى أفريقية الغربية، ولم يعد إلى الاتصال النظامي ونظراً لحركاته التمردية ودعوته إلى التفسخ العقائدي والروحي وإلى التمرد أصدر الزعيم مرسوماً بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول الحاضر بإقالته من عمدة الإذاعة وبطردهه من الحزب القومي الاجتماعي.

وقد سمح لنا تأخر صدور هذا العدد من النشرة الرسمية بإعطاء هذه التفاصيل وبنشر كتاب الزعيم الموجّه إلى السيد فايز صايغ بصفته عميداً للإذاعة في الحزب القومي الاجتماعي.

وسننشر في العدد القادم من هذه النشرة شيئاً عن المذهب الكركيغاردي البرديايفي، المنعوت بالوجودي، الذي حاول السيد صايغ بثّه في أوساط الحركة القومية الاجتماعية كتعليم خاص به، لنعرّف حقيقته إلى الفكر القومي الاجتماعي وإلى الفكر السوري عامة، ومدى تضاربه مع الفلسفة القومية الاجتماعية، ليكون القوميون الاجتماعيون على بيّنة من فوضوية ذلك المذهب الغريب ومبلغ ضرره للمجتمع.

 النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت،
المجلد 1، العدد 2،1/12/1947

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى