النهضة القوميه تدخل سنتها الثالثة عشرة

في السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مرّ حول آخر على نشوء النهضة السورية القومية ودخلت الحركة القومية في حَولٍ جديد.

هذه الحقيقة البسيطة لها خطورتها التي يعمى عنها الغارقون في المسائل والقضايا الشخصية، فلا يدركون شيئاً من مجرى التاريخ وأهمية مجرى التاريخ .

إذ الذين لا يرون إلا الوضع الحاضر الراقي لا يدركون ما اقتضاه حصوله من صراع ونزاع بين جوهرين فردين: جوهر الخير وجوهر الشر وما يتفرع من الأول من

صراحة ونزاهة وثقة وبطولة، وما يتشعب من الثاني من خبث ومكر وخيانة وجبن، فيظنون أنّ الأمور كانت هكذا أزلاً وأنها دائمة كذا أبداً.

إنّ تاريخ القضايا الكبرى في العالم هو في الحقيقة تاريخ الصراع الذي نذكره والذي كشف الزعيم عن حقيقته في مجرى الحياة والأدب في كتابه الصراع الفكري في الأدب السوري فبلا هذا الصراع لا تاريخ.

إذا كان لا بد من ضرب مثل فإننا نضرب الديانتنين المسيحية والمحمدية، مثلاً. فلولا الصراع بين المسيح ونفسيته وتعاليمه من جهة وبيئة الكتبة والفريسيين ونفسيتهم والتعاليم القدسية من جهة أخرى لما ظهرت فضائل المسيحية وأوجدت قضية يتمسك بها ملايين الناس المتزايدين. وكذلك المحمدية فلولا ما قام من نزاع بين محمد وتعاليمه من جهة وبيئة القرشيين ونفسيتهم من جهة أخرى لما وجدت قضية محمدية يتمسك بها الناس لسحق قضية الجاهلية ومثلها.

وإنّ أهم ظاهرة من ظواهر نهضتنا السورية القومية الإصلاحية أن الصراع بين ‏تعاليمها ومبادىء حياتها من جهه، ومفاسد الحياة السابقة ومبدأ قوة الاستمرار من‎ ‏جهة أخرى، هو صراع حقيقي. دائم، دامٍ.‎

‏هذه الحقيقة تجعلنا نزيد إيماننا بنهضتنا، لأننا ندرك بها أنّ نهضتنا لأننا ندرك بها أنّ نهضتنا ليست نهضة ‏مظاهر رياء بل نهضة مناقب حياة جديدة تريد أن تسير بالأمة على جثث مثالب الحياة العتيقة إلى المجد.

‏إننا نبغي الحقيقة النفسية – الأساسية الداخلية – ونبغي أن نجعل هذه ‏‏الحقيقة واضحة ومسيطرة في كل أفكارنا وكل أقوالنا وكل أفعالنا. والصراع من أجل‎ ‏إقامة هذه الحقيقة لا يقتصر على الصدام بيننا وبين أعداء قضيتنا العلنيين في داخل‎ ‏شعبنا، بل يشتمل على العراك بيننا وبين أعداء مبادئنا الخفيين الذين يلبسون لبوسنا،‎ ‏وينطقون بأقوالنا ويتظاهرون بتعاليمنا ويقفون في صفوفنا مترقبين ساعة الغدر والخيانة‎ ‏ليطعنوا طعناتهم المستترة.‎

‏يعلم الذين تلقنوا تعاليم الزعيم وحفظوها وأمعنوا النظر في درس أقواله وأفعاله‎ ‏أنه جعل مبدأ تطهير نيتنا من المثالب والمفاسد أمراً مقدماً في جهادنا القومي على‎ ‏ما سواه. وفي خطابه الرسمي الأول في تاريخ الحزب السوري القومي الذي ألقاه في‎ ‏أول يونيو/حزيران سنة 1935 أعلن أنّ الحرب الداخلية هي التي يجب أن تشغل معظم‎ ‏جهودنا في بدء عملنا القومي. وجميع الحوادث التالية، الفردية والمجموعية، برهنت‎ ‏على صحة نظرته وشدة حاجتنا إلى إرشاده وقدوته.‎

‏ولا بد من القول إنه إذا كان الزعيم المعلم الأول لمبادىء الحياة‎ ‏الجديدة فهو أيضا القدوة الأولى في العمل بها. وإذا كان الزعيم قد‎ ‏تعرّض، من جراء عمله بتعاليمه، لأخطار مفاسد البيئة وخباثات أبناء‎ ‏النفسية القديمة، فهو قد أعطانا، بذلك، درساً عمليًّا فى أنّ تعاليمنا هي حقيقة لا رياء، وأنّ عملنا بها كما علّمنا في محاضرات

‏كثيرة، هو جوهر قضيتنا.

‏فالزعيم يقول إن الحرّية السياسسة، وغيرها من الحريات ليست غاية في ذاتها‎ ‏بالنسبة إلى المقاصد الانسانية الكبرى، بل واسطة لا بد منها لتوجيه الحياة ‏نحو المثل العليا.

إذا كان كل حَوْلٍ جديد يأتينا باختبارات جديدة تكشف عن مفاسد وفظائع ما بلغه شعبنا من انحطاط الأخلاق واستعلاء المثالب، فيجب أن نثق أنّ نهضتنا تفعل فعلها، وأنها ليست جامدة تجاه المفاسد والمثالب. وهذا يفرحنا لأنه دليل قوي على أنّ ‏مبادئنا ليست مجرّد عبارات تكتب رياء لخدع الآخرين، بل قواعد حياة حقيقية تحفظ بها شخصيتنا ونشيد عليها عزنا ومجدنا.

فلنثق أنّ نهضتنا تسير سيرها وتفعل فعلها. ففي كل مكان يسطع نور من أنوارها ويقدح شرر من حربها.

فإلى الأمام يا أبناء الحياة السورية القومية!

الزوبعة بوينُس آيرس،
العدد 83، 22/1/1945

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى