المروق من القضية القومية الاجتماعية

“إستقلال لبنان وانتهاء غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي”

دخلت بعض الجماعات السورية النائية في هذه البلاد فكرة غربية حملتها رؤوس لم تعرف قط معنى المسؤولية الصحيح، ولم تقدر قط أن تستوعب معنى القضية القومية الكبرى، وإن تكن قد زجّت نفسها بين روؤس المقبلين على هذه القضية المقسمين الأيمان على جعلها “إيماناً لهم ولعائلاتهم وشعاراً لبيوتهم”، نعني فكرة “أنّ لبنان قد استقل وبذلك انتهت قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي” التي لا يستغرب أن يحملها الذين لم يعرفوا مبادئ النهضة السورية القومية الاجتماعية، ويستغرب أن يُقبل عليها أفراد كانوا لعهد قريب يعدّون بين الرفقاء.

الجماعة التي نعنيها هي جماعة النازلين في بلدة “لبندا” من ولاية سانتياغو دل أستيرو والذين كانوا يعدّون بين الرفقاء فيما هم المارقون الذين، لغاية لا شك في أنها غير شريفة، أرسلوا الصحف السورية في هذه المدينة يطلبون منها إذاعة اعتمادهم الحنث بإيمانهم وخيانة القضية السورية القومية الإصلاحية التي أخرجتهم من زوايا خمولهم، وأقسموا يمين العمل لها بإخلاص. وأسماء المارقين الخائنين المشار إليهم هي:

فوزي خزامي، ديب جرجس عبود، إيليا ملحم، نبيه خزامي، فؤاد خزامي، وهبة خزامي، أمين حنا خزامي، أمين جرجس خزامي، نجيب طالب…

أما منشورهم الذين نشرتهم لهم “الجريدة السورية اللبنانية والسلام والاتحاد اللبناني فنصه كما يلي:

لابندا، 15 أيلول 1944.

حضرة مدير جريدة…

نرجوك أن تعلن على صفحات جريدتكم الزاهرة ما يلي… إننا نحن الموقعين أسماءنا أدناه: فوزي خزامي، ديب جرجس عبود، إيلياس ملحم، نبيه خزامي، سعيد خزامي، وهبة خزامي، أمين حنا خزامي، أمين جرجس خزامي، نجيب طالب… جميعنا لبنانيون قاطنون حاليًّا بلدة لابندا ولاية سنتياغو دل أستيرو من أعمال الجمهورية الفضية. نظراً لنوال وطننا المحبوب لبنان على استقلاله التام واعتراف حكومات دول التحالف العظيمة إنكلترا وروسيا والولايات المتحدة به. وبما أنّ هذا الاعتراف على ما نعلم ونعتقد هو نهائي ورسمي، ونظراً لصيرورة وطننا والحالة هذه دولة حرة مستقلة، وبما أنّ جلّ أمنياتنا ومنتهى أمانينا هو الشعور بوجود هذا الوطن ونفع أبنائه قاطن ومهاجر، ولاعتقادنا بأن أعمال ومرامي الحزب السوري القومي انتهت عندها الحد، قررنا انسحابنا النهائي من صفوف هذا الحزب وعدم تعلقنا البتّة بشؤونه وأعماله، هذا وتفضل يا حضرة المدير بقبول احترامنا…”.

‎ ‏ نقول إنه لا شك في أنّ غاية أصحاب المنشور الشائن، الذي أثبتنا نصه فوق، هي غير شريفة لأسباب راهنة أهمها.. أولاً، إن أولئك الخاملين لم تكن لهم مواقف

سياسية أو اجتماعية. ولا سبق لهم الاهتمام بإذاعة “مواقف” لهم لها علاقة بالشؤون القومية أو السياسية أو الاجتماعية، ولا من الذين أذاعوا خبر انضمامهم “الخطير” إلى الحزب السوري القومي ذي العمل الإصلاحي الاجتماعي. ثانياً، إنّ مسألة انتهاء قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي أو عدم انتهائها لها عشرات ألوف، بل مئات ألوف، من أصحاب العقيدة السورية القومية الإصلاحية، ورأي عام لهذه الجماعة العظيمة لا يمكن لأفراد شريفي القصد اندمجوا في هذه الجماعة إهمالها وإهمال رأيها في “تقرير” تلك المسألة. ثالثاً، إنّ اهتمام أصحاب منشور الخيانة المذكورين بإعلان “موقفهم” المروقي في الصحف مع أنهم لم يلجأوا إلى مثل هده الخطة حين انضموا إلى الحزب السوري القومي، وأنهم لم يكونوا قط من أصحاب “المواقف” يدل دلالة صريحة على غاية لا علاقة لها بالعقيدة او القضية القومية وغايتها وشكلها، ونص منشورهم يدل على أنهم فئة فقيرة الفكر والشعور، وعاجزة الفهم للأعمال والمرامي القومية والسياسية والاجتماعية.

في الكتاب المروقي الذي ارسله تسعة من أصحاب الأسماء المذكورة إلى الزعيم ليعلنوا له خيانتهم قالوا “وبما أنّ استقلال لبنان هو كل مطلوبنا نعلن لكم عدم تعلقنا في كل ما يخص الحزب”. فإذا كان “استقلال لبنان” هو “كل مطلوب” تلك الفئة المارقة فلماذا دخلت الحزب السوري القومي وكانت في عداد أعضائه؟ هل كان ذلك من قبيل المكر والخداع أو من قبيل الخيانة لغاية “استقلال لبنان”؟ فإذا كان من باب المكر والخداع فأية قيمة ثابتة لما تعلنه فئة ماكرة خادعة؟ وإذا كان من قبيل الخيانة للبنان فالخائنون أولاً قد صاروا خائنين ثانياً، صارت خيانتهم مضاعفة. ومن أدعى أمور هذا الجيل المنحط إلى الدهشة إسراع الخائنين إلى المباهاة بخيانتهم وجهلهم بلا أقل شعور بالخجل والعار!

الحقيقة أن جميع الأدلة والبراهين تثبت خيانة الأشخاص أصحاب منشور “الانسحاب من الحزب السوري القومي”. فللحزب السورى القومي يمين يحلفها كل طالب الانضمام إلى صفوفه، وهذه اليمين تنص على كمال مبادىء الحزب وغايته وعلى الإخلاص لهذه المبادىء وهذه الغاية. والمبادىء والغاية واضحة كل الوضوح ومطبوعة ومنشورة في كراريس وصحف عديدة. والذين يحلفون يمين الحزب وفي نفوسهم الاستعداد لمخالفتها والانقلاب عليها هم خائنون أولاً، والخائنون أولاً لا يمكن إلا أن يكونوا خائنين آخراً، وليس للخائنين من آخرة غير الذل.

وإنّ إدارة هذه الجريدة مرخّص لها من قبل ذوي صلاحية فى الحزب السوري القومي إذاعة طرد أصحاب منشور المروق والخيانة استناداً إلى اعتراف أصحاب المنشور بخيانتهم وتلاعبهم بالعقائد والقضايا المقدسة وإلى أنّ عضوية الحزب السوري القومي. خلافاً لجميع عضويات الجمعيات والأحزاب المائعة المبادىء والمناقب هي عضوية مؤسسة، من الوجهة الحقوقية، على مبدأ التعاقد الذي لا يملك حلّه إلا المنظمة ذاتها في هيئاتها القانونية. ونص دستور الحزب لا يدع مجالاً للالتباس من هذه الوجهة.

والراجح من تعمّد أصحاب المنشور المذكور إحداث ضجة إستغلالية حول انقلابهم على إيمانهم أنهم يفعلون ذلك إما بدافع حب الظهور بطريقة من الطرق مهما كانت سافلة، أو بعامل التودد والتزلف إلى أصحاب الحكم الحاليين فى لبنان، أو بقصد الطعن المجاني في الحزب السوري القومي الذي بذل في سبيل تنويرهم وتنظيمهم مجهوداً لم يستحقوه.

‏ولا يفلح القوم المنافقون

ومهما يكن من أمر مروق أصحاب المنشور الذي ذكرناه، فلا بأس من تناول الحجج الواهية التي اتخذوها ستاراً لفعل الخيانة الذي ارتكبوه، وهي الحجج المتعلقة “باستقلال لبنان” وقضية الحزب السوري القومي الإصلاحي الاجتماعي.

لا نريد أن نجادل أولئك “الراجحي العقول” في أمر “استقلال” لبنان، وهل هو صحيح أو وهمي، وهل هو لفائدة الأمة السورية الموحدة المصير، التي لا يخرج لبنان عن أن يكون جزءاً منها، أو لفائدة أهل لبنان خاصة دون جمتع السوريين، بل نفترض أن استقلال لبنان صحيح كامل الشروط السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأنّ أهل لبنان سينعمون به، خصوصاً وأنّ روسية السوفيتية قد اعترفت به وأعلنت مثل هذا الاعتراف أميركانية وبريطانية!!

نفترض كل ذلك ونفترض أننا لا نرضى لأنفسنا إلا ما ترضاه لنا روسية أو “الدول المتحدة”»، ولكن ما لا نجد منطقاً يسوغ قبوله هو أنّ “استقلال لبنان” يلغي القضية السورية القومية الاجتماعية التي تعني، بنص صريح ومبادىء راسخة. توحيد سورية اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وشق طريق الحياة المثلى لشعبها!

إننا لا نجادل أحداً أراد أن ينبذ اليوم مبادىء اعتنقها بالأمس، ولا نناقش من لا يعرف فرقاً بين مسألة “إستقلال لبنان” وقضية حياة الأمة السورية ووحدتها ورقيها، لأننا نعرف أنّ المدارك والمواهب حظوظ، وأنّ الأخلاق قضية ليس هنا مجال بحثها.

ولكن لا نظامنا يقبل ولا عقولنا تستسيغ أن يكون انقلاب نفر أو رهط من العاجزين عن حمل رسالة عظيمة كرسالة الحزب السوري القومي الاجتماعي على العقيدة السورية القومية الاجتماعية ومبادئها وغايتها الكبرى “انتهاء لقضية الحزب السوري القومي الاجتماعي”.

إنّ قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي من أعظم القضايا القومية وأوضحها في العالم طراً. هي قضية لم يكن قبلها مثلها ولا ما يقاربها في كمال الغاية ورسوخ الأصول لا في سورية ولا فى أي قطر من أقطار العالم العربي ولا في الشرق الأدنى كله. هذه القضية الكلية لم تقل إنها “لبنانية” ولا إنّ غايتها إظهار شيء يسمى

“إستقلال لبنان”، بل قال إنها سورية أولاً وآخراً وإنها لا تعترف بأية تسوية لا تكون وليدة إرادة ا لأمة السورية الموحدة في مبادئ قضيتها القومية. فالقول إنّ قضية الحركة السورة القومية الاجتماعية قد “انتهت باستقلال لبنان” على فرض أنّ مهزلة انفصال لبنان المحزنة يصح أن تسمى استقلالاً، لا يمكن أن تقبله نفسية صحيحةغير مريضة البصيرة.

وإن الذين يجدون فى ذاك النغم الذى تعلنه أبواق سخّرت ذاتها غير مرة لغير الغاية الأخيرة التي يريدونها منا أية محاولة لتعكير اطمئنانهم إلى غايتهم.

‎ ‏

فليهنأوا ولينعموا بها. ولكن لا يتوهموا أنّ أحداً من السوريين القوميين الاجتماعيين يقبل ذاك القول الباطل. إنّ غاية الحركة السورية القومية الاجتماعية تنتهي باعتراف “دول التحالف العظيمة باستقلال لبنان” أو بإرسال بعض الدول ذات المصلحة منتدبين سياسيين إلى بيروت.

إنّ جماعة تعلن أنّ قضيته القومية تنتهي عند ذاك الحد هي جماعة لا تستحق أكثر من ذلك، وتبرهن على أن لا أهلية لها لغير ذاك “الاستقلال” الذي لا يُضحِك إلا لأنه من شر البلية.

لا يستحق قوم إلا ما رضوا لأنفسهم والسوريون القوميون الاجتماعيون لا يرضون بأقل مما نصّت عليه غاية حزبهم وما اشتملت عليه مبادئهم الأساسية والإصلاحية، وهم لا يطلبون ولا يتوقعون أن تكون كل النفوس عظيمة كنفوسهم، ولا أن يكون كل إيمان كإيمانهم، ولا أن تحمل نفوس غير نفوسهم أحمالهم.

إنّ الذين يجعلون قضيتهم قضية صدف ومجرى حوادث ونتائج آتية عفواً، ويؤمنون بأن الأمر الناتج هو خير الأمور، هؤلاء لهم طريق غير طريقنا، وغاية غير غايتنا فليذهبوا في طريقهم بسلام إلى الغاية التي قنعوا بها، ولكننا نرجوهم أن لا يظنوا أنهم يقدرون على أن يعيّنوا لنا غايتنا أو يحددوها بما حددوا به غايتهم.

الزوبعة، بوينُس أيرس،
العدد 82، 4/11/1944

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى