عرض وتعليق – إئتلاف لا إئتلاف

(وهذا مقال آخر نثبته في صفحتنا الحرة التي يريدها القُراء منبراً حرًّا تتقارع فيه الآراء والأفكار).

تجري اليوم في لبنان حرب عقائدية عنيفة أثارتها الطائفية التي ترى نفسها مهددة بنشوء القومية وصانعتها الإقطاعية لأنها ترى في اجتماعية النهضة القومية على وضعيتها الممتازة المكتسبة من حرمان الشعب حقوقاً أساسية ضرورية لحياته وتقدمه.

هذه الحرب أثارتها “الفلانج” وسندتها فيها القوة الرأسمالية الثلاثية الأقانيم. مع عدم مبالاة كلي من قِبَل الممثلين الذين لا يفهمون من قضايا الشعب غير تمثيل الأحقاد المحلية في المناطق الانتخابية.

هذه الحرب الجارية في أوساط الشعب، التي لم تقتصر على لبنان بل تشنجت لها البلاد كلها، تمثل قوة اليقظة القومية الحديثة وفاعليتها، ولكنها تجري في وقت تحدث فيه حركات سياسية شديدة بحيث يكون من الصعب عزل المسائل السياسية عن القضايا العقائدية.

نحن الآن على أبواب الانتخابات في لبنان. والخطط والحركات السياسية تجري في دوائر الحكومة وأوساط المجلس النيابي وخارجها.

كل الذين وصلوا إلى كرسي النيابة، بطريقة ما، في الانتخابات الماضية يريدون أن يعودوا إلى كراسيهم وبعضهم يريد أن يجلب بعض أقربائه معه.

وجميع الذين خابوا في انتخابات سابقة من المشتغلين بسياسة الانتخابات والنيابة يسعون اليوم ليكتسبوا ما أضاعوا في الماضي، وتعود اليوم “الكتلة الوطنية” إلى محاربة “الكتلة الدستورية”.

والحسابات الانتخابية لا تزال تجري على القواعد القديمة، الانتخابات في الأوساط المذكورة، لاتزال سياسة أشخاص ومنافع فردية وعائلية. ولذلك نرى هناك سعياً حثيثاً وراء الأشخاص التقليديين وبعض الأشخاص الذين برزوا مؤخراً في مجال الحزبيات الشخصية – الطائفية.

وهناك محاولة تريد أن تحقق بجميع الوسائل ائتلافاً يقيها المجازفة الخطيرة رغم جميع الاحتياطات والتدابير والتطبيقات بخوض المعركة الانتخابية المقبلة.

وهذه المحاولة تهدف للعمل بقول المثل “عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة”، وهي لذلك، تسعى سعياً حثيثاً لترتيب ائتلاف تطمئن إلى مجموعة أفراده. وفي الوقت عينه تدأب بتضليل المراقبين فتوعز، الفينة بعد الفينة، إلى بعض الصحف لتعلن “خيبة” المساعي الائتلافية من ذر الرماد في العيون وإبقاء حقيقة هذه المساعي خافية على الرأي العام.

والحقيقة أنّ المساعي مبذولة بسخاء لإيجاد الائتلاف إن أمكن، والمساومات قائمة على قدم وساق فإذا لم ينتبه الذين يعللون أنفسهم بالانضمام إلى لائحة حكومية أو لائحة نواب معارضين، إلى هذه الحقيقة، فقد يستفقيون ذات صباح ليقرأوا في الجرائد أخباراً تبدد أحلامهم الذهبية.

هناك طائفة كبيرة من “صعاليك الانتخابات” يحمل كل فرد من أفرادها جعبة واسعة من الافتراضات والمعادلات والحسابات والتأكيدات، وكل واحد منهم يؤكد أنّ منطقة كذا هي كلها معه، وأن صديقه فلاناً يضمن له أصواتاً في عدة قرى. هذه الطائفة يحوم أفرادها حول حزب الحكومة وحول حزب “المعارضة” وحول كل قوة شعبية خارج المجلس. وهم لا يبجثون عن شيء آخر غير وضع أسمائهم في بعض اللوائح الانتخابية لعلهم يفوزون بأمنية طالما عللوا النفس بها. الوصول إلى كرسي النيابة.

هؤلاء هم عوامل انتخابية قانونية ولكثرتهم يصعّبون تمركز القوى الانتخابية في جبهات واضحة، كل من يظن أنه يقدر أن يجمع مئة ناخب حوله يرى أنه ملك رأسمالاً صالحاً لترشيح نفسه للانتخابات، ومنهم من يرشّح نفسه على افتراض وجود خمسين ناخباً في جانبه.

جميع الفئات الانتخابية التي وصفناها حتى الآن هي فئات غير مسؤولة، أو غير شاعرة بمسؤولية، لأنها ليست مرتبطة بأحزاب ومبادئ معينة، كل قوتها هي في الوعود في التودد إلى بعض الأوساط الانتخابية وفي الروابط العائلية.

فالمصالح التي يقومون عليها أصبحت مصالح […..] عامة، بل مصالح عائلية أومصالح قرى أو مصالح طائفية، وأغراضها النفوذ الشخصي والامتياز في المنافع.

الانتخابات المقبلة ستوجد حالة جديدة لم تعهدها البلاد من قبل هي حالة ظهور الأحزاب السياسية في الميدان وقد تأتي هذه الحالة بمفاجآت غير منتظرة.

يوجد في لبنان حزبان صحيحان بهذا المعنى هما: الحزب القومي الذي أوجد الحزبية العقائدية والمنهاجية الصحيحة، والحزب الشيوعي القائم على الخطط الشيوعية والمناهج المقررة في موسكو.

وإلى جانب هذين الحزبين تقوم مشكّلات من الشبان، كـ”الفلانج” و”النجادة” وسواهما.

من بين جميع هذه الأحزاب والتكتلات يمتاز الحزب القومي الاجتماعي الشاق طريق العقائد والنظام في بلادنا، بقوة العقيدة وشدة الوعي والشعور بالمسؤولية والقلق على المصالح الشعبية العامة ودقة النظام. ومهما يكن من أمر الضجيج الذي أثير حول هذا الحزب من يوم وصول مؤسس النهضة القومية الاجتماعية إلى هذه البلاد، فالحزب صامد صمود الثقة والثبات وفاعليته تزداد يوماً بعد يوم.

لا شك في أنّ الحزب القومي يشكّل أعظم قوة انتخابية منظمة في لبنان والمشهور عن جميع أعضائه أنهم أكثر ما يكون تشبثاً بنظامه وأهدافه. وقد اكتسب هذا الحزب في المدة الأخيرة شعبية واسعة وله مؤيدون وأنصار كثر في الشعب، ولسنا نظن أنّ التأويلات الكثيرة لخطاب الزعيم التي أوّلتها بعض الصحف تتمكن من إضعاف شعبية هذا الحزب، بل يوجد دلائل على أنّ شعبيته ازدادت أثناء المعركة الحقوقية العقائدية التي انتصرت فيها نظرياتها انتصاراً مبيناً.

أما الحزب الشيوعي فقد خسر كثيراً من القوة العددية التي كان اكتسبها أيام الاحتلال الفرنسي بتشجيع الفرنسيين، وكانت خسارته لمصلحة القوميين الاجتماعيين الذين اكتسحوا في السنة الماضية مناطق كثيرة كان الشيوعيون منتشرين فيها. ويمكن القول إنّ “الفلانج” قد خسرت كثيراً من معنوياتها بسبب الحملة العنيفة التي زجت نفسها فيها من غير استعداد، والتي كشفت للرأي العام حقائق لم تكن معلومة وليست في مصلحة “الفلانج” ولا في مصلحة لبنان.

 صدى النهضة، بيروت،
العدد 253، 6/4/1947

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى