برامج التعليم في مدارسنا

خرج من بين جدران المدارس أكثرية التلاميذ وهم يعدون بالألوف في هذه الأمة والحمد لله ليريحوا النفس من عناء استعدادهم الإجباري لمستقبلهم الزاهر المريح على زعم ذويهم الذين يصرفون الأموال الطائلة عليهم لكي ينالوا الوظيفة التي أصبحت معبود أكثر المتعلمين في هذه الأيام.

أما المسؤولون عن هذه المدارس فيضاعفون جهودهم لوضع البرامج والخطط التي تضمن للمدرسة التي يديرونها تبوء المكانة الممتازة بين المدارس أي أن تقدم أكبر عدد ممكن إلى فحوص السنة القادمة وينجح أكبر عدد من المتقدمين.

هؤلاء يجهدون عقولهم في وضع البرامج ونفر قليل من المتأدبين يجهدون القرائح لكي يكتبوا المقالات الطويلة عن ضرورة توحيد برامج التعليم في الأمة لكي يخرج التلاميذ رجالاً يخدمون الوطنية بعقلية واحدة تساعدهم على وحدة الاتجاه.

إذاً فتوحيد برامج التعليم هو هدف هؤلاء الزاعمين أن وضع الكتب نفسها بين أيدي الطلاب وتعليمهم المواد ذاتها وحشو أدمغتهم جميعاً بالحقائق العلمية نفسها، هذا هو هدفهم من توحيد برامج التعليم وهذا ما يفهمون من التعليم وبرامجه لأنهم قد أخطأوا موطن الداء الحقيقي في خروج طلاب البلاد إلى ميدان العالم والعمل فوصفوا الدواء الذي يرتأون.

ولكن بحث برامج التعليم وكيفية توحيدها وفائدة هذا التوحيد فيجب أن يرتكز على درس نقاط هامة تتناول الأساس، ففي الدرجة الأولى يجب أن يجاب على أسئلة من هذا النوع.

ما هي فائدة التعليم في الأمة؟، ولماذا يرسل الآباء أبناءهم إلى المدارس؟

وما يمكن أن يكون هدف التلميذ في استخدام ما قد حشى دماغه به من مختلف العلوم طوال السنوات التي قضاها على مقعد التدريس يصغي، مرغماً في كثير من الأحيان، لسيل من الكلام باللغات التي يدرس العلم بها تخرج من فم معلم ضرب بأوفر قسط من فهم موضوعه؟ وما الذي يجعله يختار ذلك الهدف؟.

وبعد الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من أمثالها يصبح لبحثه قيمته النسبية فيما لو قام على الوزارات المختصة رجال تؤهلهم ثقافتهم العامة للعمل الصحيح القيم الذي تطلبه منهم هذه المناصب.

فتوحيد برامج التعليم كما يفهمه من بحث هذا الموضوع الخطير جداً، لا نرى أنه قد أصاب ما يتفق مع النتيجة التي تريدها الأمة من متعلميها ولا مع ما يرون هم أنفسهم من فائدته العامة. لأن هذا التوحيد لا يغير شيئاً من الوضع الحالي السيء، فقبل هذا التوحيد يتعلم الطالب أن 2 مع 2 تساوي أربعة إذا كان المعلم شيخاً تقياً أو قساً متمسكاً أو جزويتياً متعصباً أو معلماً قومياً وستبقى النتيجة أربعة في كل المدارس بعد التوحيد كما كانت قبله.

وقبل هذا التوحيد يتعلم الطالب أن باريس هي عاصمة فرنسا وإن الماء مركب من أوكسجين وهيدروجين وأن الهواء الذي يستعمله الجسم الحيواني هو الأوكسجين الموجود في الهواء وإن النباتات تستخدم الكاربون فتساعد على تنقية الهواء وأن نابوليون ولد في سنة كذا في كورسيكا ومات أسيراً في يد الإنكليز في سانت هيلانة سنة كذا وإن إبراهيم لنكلن قد قاد الحرب الأهلية لتحرير العبيد في الولايات المتحدة وإن حملة إبراهيم باشا على سورية كانت موفقة في البداية ثم خذلت بفضل مطامع الدول الاستعمارية الأوروبية، وبعد التوحيد ستبقى هذه الحقائق وجميع الحقائق أخواتها تلقى على الطلاب من على المنابر.

إذاً ما الفائدة من توحيد هذه البرامج التي تدرس ذات المواضيع العدد نفسه، الساعات في كل المدارس؟ إن توحيداً من هذا النوع لا يأتي بنتائج أفضل من التي نرى لو بقي نظام التعليم وروح الثقافة التي يتلقاها على ما هما عليه اليوم.

فغاية العلم ترقية المناقب وتثقيف الشعب وليس حشو الأدمغة بالمعارف التي تكون حرباً على الأمة والشعب إذا لم يوجه مسبقاً التوجيه الصحيح الناجح، غاية العلم هي استعمال صاحبه عقله وتفكيره في تنمية مدارك الشعب وخدمة مصالحه العامة وليس استخدامه سلاحاً لأنانيته ينحر به حق الأمة والشعب ليصل إلى منصب مريح ومستقبل “باهر”.

على الإجابة على هذه الأسئلة وعلى هذه الحقائق تدرس برامج التعليم.

النّهضة – العدد 146 في 6 نيسان 1938
أنطون سعاده

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى