خزعبلات «العلم العربي»
ضاق نطاق العدد الماضي عن نشر كتاب الرفيق يعقوب ناصيف إلى الرفيق عيسى جبرين في صدد بعض المسائل، وخصوصاً في صدد خزعبلات العلم العربي، فأجّلنا ذلك إلى هذا العدد.
وفي هذه الأثناء وردتنا رسالة من السيد إبراهيم عبد اللطيف آل عدة يثبت بها ما نشرناه له سابقاً، ويكذّب ما يشيعه صاحب العلم العربي عنه وعن عجزه عن إبداء آرائه فرأينا أن ندرجها له في هذا العدد مع كتاب الرفيق يعقوب ناصيف، ويكون ذلك آخر ما تنشره الزوبعة من الردود على ترهات العلم العربي مع الاحتفاظ بالنظر في كل مسألة جديدة يمكن أن تثيرها تلك الجريدة ويكون فيها ما يوجب الاهتمام:
نص كتاب الرفيق ناصيف ــــ خوخوي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1942
رفيقي القومي العزيز عيسى محفوظ جبرين ــــ خونين.
تحية سورية قومية
وصلني كتابك الكريم رقم 28 أكتوبر/تشرين الأول 1942 حاملاً إليّ صورة نفسك النبيلة، وما طويتم عليه من سمّو الشعور والغيرة للحق ورسوخ القدم في القومية.
الأمر الذي أفعم قلبي سروراً.
إنك ورفقاءك القوميين تهنئونني وتشكرونني لأجل ما نشرته في الزوبعة من الرد على «الخشن» والتنديد بزمرته المنافقين.
فأنا بعد أن أرد إليكم الشكر مضاعفاً مع الممنونية أقول ــــ إنّ العدل يقضي عليّ وعليكم جميعاً أن نوجه شكر قلوبنا لمعالي قائد الأمة ومنشىء نهضتها الأوحد الأستاذ سعاده.
لأنه هو مصدر قوتنا الروحية.
ومن بحره يغرف جميع القوميين.
إنّ ما حاز إعجابكم مما كتبته هو لجملته مأخوذ مما كتبه سعاده وأنا لست إلا مقتبساً من أقواله ومكررها مع تغيير صورة التعبير.
ولست أقول هذا اعتباطاً أو تزلفاً إليه لأني لا أعرفه شخصياً ولست بحاجة مادية أرجو نوالها منه أو بواسطة التذييع له شأن أتباع المتزعمين الجياع.
والقومي أحق من اعترف بالفضل لأهله.
وإني كقومي يشعر بما عليه من الواجب نحو أمته أعترف أنّ ما كتبته وسوف أكتبه هو من بعض واجباتي (ولا شكر مع الواجب).
وإنني أقول هذه الجملة عن اعتقاد صحيح وليس كأقوال مألوفة ترددها الناس دون تفكير، كما يفعل الكثير من رؤساء الأديان الذين إذا أرادو إذاعة أحد المراسيم يبدأون قولهم هكذا ــــ «نحن» فلان الفلاني «نرسم» وكل ذلك بصيغة الجمع دليلاً على العظمة. ثم يوقع هكذا:
«الحقير» فلان، دليلاً على التواضع. لكنه تواضع كاذب.
إنني كنت من أشد الناس تعصباً للزعماء المنافقين:
وكنت أظنهم كما ظنهم تقريباً الجميع أنهم حماة الأمة والوطن الذائدون عن حياضهما.
حتى وأنا في خوخوي ألفت فرعاً للجمعية السورية العربية في سان رفايل المندوسية نظراً لما أظهرته تلك الجمعية الكريمة من الغيرة الوطنية الصادقة والاندفاع بالمساعدات الفعالة والاكتتابات المتوالية لرجال «الكتلة الوطنية السورية» وللثوار السوريين في الشمال وفي الجنوب (فلسطين) عن طهارة قلب وسلامة نية، دون أن يكون لي معرفة شخصية بأحد من أفراد الجالية في سان رفايل. على أنه حين أشرقت أنوار مبادىء سعاده بددت الظلام.
فظهر خبث وخيانة جميع أولئك الزعماء من مقيمين ومغتربين.
فابتعدت عنهم كما ابتعد كل من أشرقت عليه أنوار سعاده من سليمي النظر والضمائر ورجائي أن يكون جميع إخواني أبناء جالية سان رفايل، وكلهم سليمو النظر طاهرو الضمائر، قد رأوا ما رأيت.
وابتعدوا عن الخونة كما ابتعدت.
واتبعوا الحق كما اتبعت.
إنه لا يزال للزعماء الخونة كثير من الأتباع لا يزالون في الظلام. وهؤلاء قسمان:
فالقسم الأول يتبعهم عن يقين ونية سليمة.
ويعتقد أنّ القوميين أعداء للأمة والوطن.
لأنه لم يرَ أنوار المبادىء والتعاليم القومية. فنحن القوميين نحترم هذه الفئة من الناس ونعمل بكل اجتهاد لأجل رفع غشاوة الضلال عن بصائرهم.
مذللين كل ما يعترضنا من العراقيل بهمة قومية لا تغلب.
وإننا لفائزون.
والقسم الثاني أعمى البصيرة ميت الضمير.
فلا ينفعه النور ولا يقدر أن يعيش إلا في كهوف ضلاله المظلمة.
ومن مات ضميره أصبح أقرب إلى الوحش الكاسر منه إلى الإنسان. ولا يعود يقف ضرره عند حد.
ولا يعود له غاية في الحياة إلا أن يملأ بطنه بأية واسطة كانت، شريفة أم سافلة، كصاحب العلم العربي الذي مع أضرابه اتخذوا الغش والتدليس وسرقة بسطاء الأمة بوسطة «لمّات» وأساليب شيطانية وبواسطة تبخيرهم ودعاياتهم «لأصنامهم» الزعماء الذين ظَهر خداعهم وخيانتهم لأمتهم كظهور الشمس، واسطة لمعاشهم دون أن يحفلوا بما سوف يسجله عليهم التاريخ من العار ويستحقون لأجله لعنة الأجيال الآتية.
فقد بلغ الهوس بهذا «الخشن» أنه جعل انتساب «أربابه» الإرسلانيين إلى العرب يشرّف الشعب العربي.
فقد جاء في مبخرته العلم العربي العدد 444 في الصفحة الثانية السطر 12 من العامود الأول ما نصه ــــ «إنهم يشرّفون الشعب العربي بانتسابهم إليه» فهل تظنون أنّ هذا المبخر الخشن يفهم ما تنطوي عليه هذه الجملة؟ وهل هو يؤمن قلبياً بما يقول؟ ولكن لماذا أتساءل وقد صرّح سابقاً بكل قحة وصفاقة وجه في رده على الرفيق نعمان ضو بقوله:
«التبخير جائز».
ولكن هل يقبل الإرسلانيون هذا التبخير الذي يعمي العيون؟ إنّ آل البيت النبوي وآل الرفاعي والبكري والقادري والفاروق والدسوقي والمقداد والزعبي وخالد بن الوليد وإمام اليمن وابن السعود وكثير غير هؤلاء من الأعلام، جميعهم عرب.
فهل شرف جميع هؤلاء كائن بانتساب الإرسلانيين إليهم؟ نُحيل هذا السؤال إلى كل من له شيء من الإباء وعزة النفس من العرب.
ثم إنّ هؤلاء الخونة من المتزعمين إذا اتهمهم القوميون بخيانة أمتهم يلازمون السكوت التام.
وإذا طلب منهم أتباعهم الرد على القوميين وإثبات براءتهم يجيبونهم قائلين ليس من شأننا أن نضيع الوقت في الرد على ثرثرة القوميين.
أو أنني آنف وأنا البيك أو الأمير أو الصحافي الأستاذ فلان أن أرد على هؤلاء الصعاليك الذين لا يعرفون أقدار الناس. وبالحقيقة أننا نحن القوميين لا نعترف بشخص ولا نحترمه إلا بمقدار ما ينفع أمته ووطنه ولكن هم يعطون هذا الجواب لعجزهم عن الدفاع بالنظر لما بيد القوميين من البراهين التي لا تدفع والتي تثبت خياناتهم وتلونهم.
فيعلم جميع هؤلاء أنّ القوميين لهم بالمرصاد وأنهم لا ينفكون يحاربونهم إلى أن يقطعوا عليهم أسباب ارتزاقهم بالشعوذة والتضليل.
سلام لكل الرفقاء عندكم ولتحيى سورية وليحيى سعاده.
يعقوب ناصيف
نص رسالة السيد آل عدة:
إلى إبن الخشن
كنت قد نشرت في جريدة الزوبعة رسالة أبنت فيها متاجرة السيد عبد اللطيف الخشن بالنعرات الدينية ومحاولته التفريق بين أبناء الوطن الواحد ليرضي فريقاً من البسطاء السريعي الانقياد. وأنه يعمل كل هذه الأضاليل باسم الدين مع أنّ الدين بريء من كل ذلك وأوردت على ذلك مثالاً الرسالة التي أرسلتها إليه بشأن إنشاء مدفن للجالية في ولاية توكومان وطبيعي أنّ فضح شعوذاته لا يوافقه فقام يرد عليّ بأسلوبه المعروف الخالي من اللياقة والأدب. فقال إنّ الرسالة ليست لي لأني لا أحسن الكتابة، الخ. فالظاهر أن الكتابة لا تكون صحيحة عند صاحب العلم العربي إلا إذا كانت سباباً وشتائم ومساً لكرامة الناس وزرعاً لبذور البغضاء بين أبناء الطوائف. فإذا كان هذا هو الأدب وهذه هي الفصاحة فإني أصرح أنّ إبن الخشن هو الوحيد الذي يكون له السبق في هذا الميدان.
ولكن لا. إنّ هذا التدجيل لم يعد له دور يا سيد عبد اللطيف، ونحن الآن نعيش في عصر غير العصر الذي تتصوره في مخيلتك.
إنّ الذي تقوله عني الآن قد قلت مثله من قبل عن السيد نعمان بهاء الدين ضو. فقد هزأت بشعره ونثره لأنه يدافع عن المبادىء القومية التي تجعل من السوريين أمة واحدة. إنّ المبادىء القومية كانت حصراً في أعينكم وحسكة في حلوقكم وسكيناً في قلوبكم يا صاحب العلم لأنها مبادىء تزعزع تجارتكم القائمة على الغش وتهد أركان ضلالكم المشيد على التعصب والتحزب. لقد خربتم البلاد بهذا التفريق وأنتم تظنون أنكم تروّجون من مآربكم الآن ما كنتم تروجونه بالأمس. ولكن خاب فألكم لأن الأمة أفاقت من نومها وقامت تناقشكم الحساب.
إني أسأل هؤلاء المنافقين أمثال الخشن الذين يدّعون الدفاع عن الإسلام فأقول:
ما هو الخطر الذي يهدد الإسلام حتى تجردتم للدفاع عنه؟ وإذا صح وجود هذه القوة فمَن مِن المسلمين يرضى بأن تكونوا أنتم المدافعين عن الإسلام. ألا يوجد غيركم للقيام بهذه المهمة يكون على الأقل أكثر أدباً منكم وأوفر تهذيباً؟
ثم ما هي المعارك التي ربحتموها في هذا الدفاع وأين الدماء التي صبغتم فيها الميادين في هذا الجهاد الذين تطبلون به وتزمرون؟
الحقيقة أنه لا يوجد من يريد أن يمس كرامة الإسلام غيركم. لأنكم تصورونه في غير صورته وتجعلونه وسيلة للشقاق والاختلاف بين أبناء سورية وحاشا للدين أن يكون كذلك. فكلمة «الدفاع عن الإسلام» هي تجارة تحاولون بها السيطرة على أذهان البسطاء للوصول إلى جيوبهم. لأنكم في كل أعمالكم لا يهمكم من أمر الأمة إلا جيوبها وهناك تنتهي مهمتكم.
أما تهكمك على إبن العدة فقد تسرعت فيه وأسرفت. لأنه يوجد هنا من يعرف عائلتك وعائلتي وهم يخبرون كل من يريد عن الفرق بين إبن العدة وابن الخشن. إنّ هذا الباب كان الأفضل لك أن تسكّره لأن فتحه لا يوافقك. آملاً أن يكون ذلك في هذه السطور ما يكفيك لترجع عن ضلالك ولا تلجأ إلى الكذب والفساد لأن القرآن الكريم بين يديك كما تدّعي وهو ينبئك عن جزاء الكاذبين والمفسدين.
توكومان 7 ديسمبر/كانون الأول 1942
إبراهيم عبد اللطيف آل عدة
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 58، 15/12/1942