خطاب الرّاعي مليء بالتّناقضات
طالعنا البطريرك بشارة الراعي اليوم، بخطابٍ اتّسم بتناقضات متستّرة بالمجاملات. لقد تحدّث غبطته عن محاربة الفساد، مع أنّ ذاكرة الشّعب في لبنان لا تزال صاحية على خطوطه الحمر لحماية الفاسدين.
دعا البطريرك إلى «الحياد» واشتهى السّلام المجرّد من العدل، وفاته أن يذكر، ولو لمرّة واحدة، العدوّ الإسرائيليّ، عدوّ لبنان وفلسطين، مُهوِّدُ القدس ومحتلّ بيت لحم والنّاصرة. وفاته أيضًا، أن يذكر، ولو لمرّة واحدة، العدوّ التّكفيريّ، الّذي استباح مرقد مار مارون وغيره من مراقدِ القدّيسين ودمّر الكنائس والمعابد والآثار، وهو الّذي لم يُقِم قدّاسًا واحدًا عن نيّة شهداء «رعيّته» الّذي قتلهم وهجّرهم الإرهابيّون، حتّى لا يَغَضَب مشغّلوهم.
طالب غبطته بالدّولة المدنيّة وفصل الدّين عن السّياسة، بخطابٍ مشبعٍ بالنَّفَسِ الطّائفيّ، فاتّخذ من منبره منصّةً لإعلان الجبهات السّياسيّة واستدراج التّدخّلِ الخارجيّ. صَمَتَ، البطريرك، ولم يَسْتَنْكِر هتافات التّحريض الّتي تمسّ وحدة الشّعب ووحدة الأرض، والّتي أطلقتها جهات حزبيّة معروفة الأهداف والارتباط بالمشروع التّقسيميّ الهدّام. خاطب البطريرك اللبنانيين جميعهم، لكنّه بالفعل، كان يتوجّه إلى فئة منهم، ليؤلّبها على فئةٍ أخرى.
كان يُرتجى من البطريرك، في هذا الظّرف التّاريخيّ العصيب، الّذي تمرّ به إنطاكية وسائر المشرق، أن ينطق بخطب الحكمة والعقل والوحدة، وألّا يدعوَ إلى الحياد وإخضاع البلد للإرادات الأجنبيّة.