الحالة السياسية – الحربية الحاضرة

السياسة:
نتيجة رحلة ولكي ــــ عاد في الشهر الماضي إلى الولايات المتحدة السياسي الأميركاني المعروف وندل ولكي، رئيس الحزب الجمهوري في البلاد المذكورة والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية الأميركانية، من رحلته إلى الأقطار الموالية والمحتلة الداخلة ضم نطاق الأمم المتحدة.
وفي مساء السادس والعشرين من الشهر الماضي [أكتوبر/تشرين الأول] ألقى خطاباً بالراديو ضمّنه الدروس التي تعلّمها في سياحته.

أحد هذه الدروس جاء مطابقاً لما أعلنّاه في بعض أعداد الزوبعة السابقة وهو:
أنّ الحرب لا تربح بالتصريحات الكثيرة والمفاخرات بالمصنوعات الحربية.
فقد قال ولكي إنّ التصريحات لا تغني عن الحقيقة، وإنّ نقص المخزون عند شعوبٍ كثيرة من الثقة بالولايات المتحدة عائد إلى عدم التوازن بين المفاخرة بالمعدات الحربية وإنتاجها، ووصول الكميات اللازمة منها إلى الساحات الحربية. فالمقادير التي تصل هي «صغيرة إلى حد ما مفجع».

ودرس آخرس سبقت الزوبعة إلى التنبيه إليه وشرح دخائله أنّ «دستور الأطلسي» يحرم شعوباً كثيرة من حقوقها في الحرية والرقي، كسورية التي لا ضمانة لها ولمطامحها الحقة في الشرعة المذكورة. فقد قال ولكي إنه سمع في الصين وأماكن أخرى مثل هذه الأسئلة:
«لماذا لا يوضع «دستور الهادىء؟»، و«لماذا لا يوضع مشروع دستور العالم؟».

درس آخر غير ما تقدم ألقته النهضة السورية القومية الاجتماعية حين أعلن الزعيم في ردّه على خطاب المارشال سمطس رئيس وزارة إفريقيا الجنوبية، فيما يختص بمسألة فلسطين (انظر ج 4 ص 308)، أنّ جمود السياسة البريطانية وسطحية النظرة الفرنسية سبّبا مشاكل سياسية كثيرة كان يمكن اتقاؤها، وحين نشرت الزوبعة في بعض الأعداد الماضية أنّ هنالك ضعفاً واضحاً وتأخراً بيّناً في فهم الأمم التي تسمّي نفسها «ديموقراطية» ضرورات العصر السياسية والاقتصاديات. وهذا أيضاً وافق عليه وندل ولكي فأعطى صورة قوية لما رأى وسمع في رحلته، وخصّ الأقطار العربية وخصوصاً سورية الواقعة «بين مصر وإيران» وهي صدر العالم العربي، بملاحظة قوية فيها انتقاد شديد لإهمال «الديموقراطية» وخصوصاً الولايات المتحدة، مطالبها وموقفها وحقوقها.

في آخر الخطاب شدّد ولكي بوجوب فتح جبهة حربية ثانية وجعل مسألة السلام مسألة عالمية وليست خاصة بالولايات المتحدة وبريطانية وبعض الأمم الموالية لهما.

سورية ــــ في برقية الشركة «ترانس أوسيان» عن القدس بطريق أنقرة بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تفصيل لتقسيم موازنة إدارة فلسطين لسنة 1943 البالغة تقدير أحد عشر مليوناً وسبعمائة وسبعين ألف ليرة فلسطينية.
من هذا المبلغ 457.000 ليرة اعتماد التعليم، و340.000 للصحة، ومليونان ومئتان وستة وأربعون ألفاً للشرطة.
وهذا يعني أنّ نحو خُمس الموازنة كلها لفلسطين مخصص للشرطة، أي للمحافظة على الأمن العام.

وللشركة المذكورة عن بيروت بطريق أنقرة وفي التاريخ عينه أنه قد صدر أمر يقضي بمنع خروج الناس من بيوتهم في منطقتي الشام ولبنان ما بين منتصف الليل وطلوع الصباح.
وتقول الشركة إنّ هذا التدبير يعزى إلى أعمال العرقلة التي تجري في أثناء الليل وكتمان نقل الجند إلى مصر.

جاء عن بيروت بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنّ جريدة البشير التي تصدرها شركة الجزويت الأجنبية قد صدر أمر بمنعها.
ويقول خبر «ترانس أوسيان» إنّ سبب تعطيل البشير هو تنالوها مسألة الدعاوة الشيوعية واحتجاجها على هذه الحركات.
هذا قليل مما تستحقه البشيرج جزاء محاربتها الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يقدم الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلاد من خطر الشيوعية المداهم.
وجاء عن طهران في التاريخ المذكور أنّ حكومة إيران قررت إحداث سفارة لتمثيل الدولة المشار إليها في الشام ولبنان، وأنّ السفير الأول الذي سيحل في بيروت، هو عباس فروهار.

يستخلص من هذه الأخبار أنّ الحالة الداخلية في سورية حرجة، وأنّ البلاد تتمخض بانقلاب خطير.
فالحالة الراهنة لا يمكن أن يقبلها الشعب الآخذ في الاختمار بالمبادىء السورية القومية الاجتماعية. وسياسة الوعود الجميلة قد انفضحت.
ورجال الإقطاع الذين يحالفون كل سياسة أجنبية تؤمّن لهم مصالحهم الخصوصية على حساب مصالح الشعب لم يبقَ لهم نفوذهم السابق، لأن مبادىء الإصلاح القومي الاجتماعي قد تغلغلت في أوساط الشعب وفتحت عيون طبقة الفلاحين والعمال وأصحاب المهن الحرة، فلم يبقَ في وسع الإقطاعيين الاستمرار في شعوذاتهم.

الهند ــــ تستمر حركة المقاومة لتسلط بريطانية على الهند، ومهما حاولت المراقبة البريطانية على الأخبار إخفاء الحقيقة فهذه تأبى إلا أن تظهر.
ويشتد تحرج الحالة في ذلك القطر الآسيوي بسبب انقضاء مدة السموم واحتمال انتهاز اليابان هذه الفرصة للقيام بهجوم فجائي على الهند.

يتبين من الأنباء الأخيرة أنّ الفريقين الهندي والإنكليزي يستعملان الخطر الياباني كسلاح في محاربة أحدهما الآخر. فالهنود يقولون إنّ اقتراب الخطر الياباني يوجب على الإنكليز الاعتراف بحريّة الهند واستقلالها لتتولى الدفاع عن سلامتها.
والإنكليز يقولون إنّ اقتراب الخطر المذكور يوجب إبقاء الهند في حوزتهم ليتمكنوا من الدفاع عنها.

يوجد في الهند كما في سورية عمال لليابان وغيرها من دول المحور.
وهؤلاء العمال يقولون إنّ التسلط الياباني يُفضّل على التسلط البريطاني.
ولكن مراسل نيويورك تايمز يعترف في رسالته بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول الأخير عن دلهي الجديدة أنّ العمال المذكورين هم قلائل وضعفاء ويخافون عاقبة الجهر بنياتهم. ونحن نقول إنّ هذا شأن عمال المحور في سورية، فهم يعملون من وراء الستار وشأنهم غير شأن الحركة السورية القومية الاجتماعية وبقية الأحزاب الاستقلالية.

يظهر أنّ البريطانيين غير مستعجلين في أمر البتّ في مسألة الهند لأنهم تمكنوا من رفع التجنيد في الأشهر الأخيرة إلى معدل خمسين ألفاً في الشهر.
ولكن الهنود يحذّرون البريطانيين من موقف الشعب الهندي. ويقولون إنّ الجنود المأجورين بالمعاش لا يمكنهم القيام بما يقوم به الجنود المدافعون عن شرفهم وقوميتهم ووطنهم.
وهذا هو الصحيح.

وآخر ما ورد عن المسألة الهندية برقية خصوصية للا ناسيون عن لندن بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفيها أنّ أحد أعضاء مجلس إدارة حزب «المجمع الهندي» السابقين ينوي زيارة لندن لبحث المسألة الهندية، وأنّ أوساطاً كثيرة في بريطانية نفسها غير مرتاحة إلى وقوف المسألة الهندية عند الحد الذي وقفت عنده من الوجهة السياسية، وترغب في الوصول إلى حل يجعل البريطانيين أكثر اطمئناناً إلى المستقبل.

يؤيد التشاؤم من حالة الهند ما ورد في خطاب مبعوث الولايات المتحدة فوق العادة السيد وندل ولكي الذي زار الهند والشرق الأدنى وروسية والصين.
ألقى السيد ولكي خطابه في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأشار إلى حالة الهند وعموم الشرق فقال إنّ تأجيل النظر في مسألة استقلال الهند أضرّ بسمعة الولايات المتحدة وأضعف كثيراً ثقة الصينيين وغيرهم في أميركانية، فضلاً عن بريطانية.

والأخبار الأخيرة التي تذيعها شركة «ترانس أوسيان» تفيد أنّ القلاقل والاضطرابات في الهند لا تزال قاسية في عدة مناطق.
أميركانية ــــ في برقية لشركة «أسوشياتد برس» عن واشنطن في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنّ بعض موظفي دائرة التجارة أفشوا حقيقة وجود مشروع يقصد منه بيع أجهزة المصانع والمعامل الصغيرة التي توقفت عن العمل بسبب الحرب إلى جميع الأقطار الأميركية، ما عدا الأرجنتين. وغرض هذا المشروع، التخفيف من الصعوبات التي تعرّض لها صغار التجار الأميركان ومساعدة بقية أقطار القارة على سد احتياجاتها.

حدث في الشهر الماضي أمر سياسي هام في العلاقات الإنترناسيونية الأميركية.
وذلك أنّ وكيل وزارة خارجية الولايات المتحدة السيد صمنر ولس ألقى خطاباً في بوسطن عرض فيه بموقف الأرجنتين وتشيلي المحايد قائلاً:
إنّ قطرين من الأقطار الأميركية هما الآن مركزان لتجسس الأخبار لدول المحور وقد أدى هذا التلميح إلى حصول رد فعل قوي من قِبل حكومتي الأرجنتين وتشيلي.
فاحتجّتا لواشنطن على هذه التصريحات «غير المناسبة».
وكان من وراء هذا الحادث أنّ رئيس جمهورية تشيلي ألغى سفرته إلى أميركانية وأرسل رسالة إلى روزفلت يبلغه فيها الأسباب الداعية لإلغاء سفرته وهي التأثير السيّىء الذي أحدثته تصريحات صمنر ولس.

بريطانية وأميركانية ــــ ورد لــ«يونايتد برس» بتاريخ أول الشهر الماضي عن لندن أنّ الدوائر العليمة دهشت للأخبار الواردة إلى لندن عن واشنطن القائلة إنّ مساعدي روزفت يرغبون في تحويل مجهود الحلفاء إلى محاربة اليابان أولاً على حساب جميع ميادين الحرب الأخرى.
الخبر يدل على عدم إجماع الحلفاء على خطة واحدة في الحرب.
ووجود هذه الاختلافات في الرأي والمصالح تزيد ضعف المعنويات الذي حصل من جراء تذمّر الروس من عدم برّ البريطانيين بوعدهم فتح جبهة جديدة في أوروبا هذه السنة لتخفيف الضغط عن روسية.

الحرب:
روسية ــــ تشتد الحرب وتحتدم المعارك المتتالية في مدينة ستالينغراد وفي القبق [القوقاس].
وفي هذين المكانين يتقدم الألمان ببطء بعد التغلب على مقاومة عنيفة من جهة الروس.
ويحاول هؤلاء إبطال مفعول الهجوم الألماني في ستالينغراد بالقيام بالهجوم على جناحي المهاجمين من الشمال ومن الجنوب.
ولكن الألمان يذيعون ردّ الهجوم المعاكس الروسي وتقدم قواتهم واحتلال بعض المواقع الحصينة في ستالينغراد.

وأخبار الشهر الماضي أفاضت في وصف اشتداد المعارك في القوقاس وفي ستالينغراد.
والظاهر أنّ الألمان كانوا يعمدون إلى تشديد الضغط في ناحية ثم يعودون فيشدّدون الضغط في الناحية الأخرى.
مرة في القوقاس ومرة في ستالينغراد تمكنوا، ببذل جهود جهيدة، من احتلال شوارع جديدة ومصانع خطيرة في حي العمال.
وآخر ما استولوا عليه في القوقاس بلدة نلتشيك وهي موقع استراتيجي هام لما يتشعب منه من طرق المواصلات في اتجاهات متعددة.

مصر ــــ منذ أيام تحركت القوات البريطانية والمحالفة فقامت بهجوم في جبهة العلمين احتدمت فيه المعارك البرية والجوية والبحرية.
وأخبار الأمم المتحدة تقول إنّ قوات بريطانية تقدمت بعض التقدم. وأخبار دول المحور تقول إنها أنزلت خسائر كبيرة بالقوات البريطانية، وإنّ مراكز الدفاع المحصَّنة باقية في حوزة قواتها، وإنّ الجبهة لم يطرأ عليها تعديل.
ولا تزال المعارك جارية وهي سجال.

الهادىء ــــ حصلت في الشهر الماضي حركات حربية متنوعة في المحيط الهادىء أهمها ما جرى قرب أستراليا في جزيرة غينيا الجديدة وفي جزائر سليمان.
ففي الأولى قام اليابانيون بهجوم في اتجاه ميناء مورسبي وعبروا جبال أون ستانلي وقاربوا الميناء المذكور كما ذكرنا في عدد سابق.
ثم أخذوا يتراجعون وينسحبون وقامت قوات الأمم المتحدة بهجوم استرجعت فيه المواقع التي كانت خسرتها وعبرت الجبال المذكورة مطاردة القوات اليابانية المنسحبة.

ثم تحوّل اليابانيون إلى جزيرة غوادلكنال التي تحتل قسماً منها قوات أميركانية، فأنزلوا قوات جديدة على الرغم من مقاومة الأميركانيين، وقاموا بهجوم على المواقع الأميركانية، وبعد معارك قليلة انسحب الأسطول الياباني وتوقف القتال في الجزيرة المذكورة.

والملاحظون يستغربون هذه الحركات اليابانية التي تتقدم ثم تتراجع ثم تعود فتتقدم ثم تعود فتتراجع من غير انكسار حربي في معارك فاصلة، والظاهر أنّ اليابانيين يترقبون الفرص لإحراز انتصار بحري كبير، أو هم يريدون إيقاع ما أمكن من الخسائر بالقوات البحرية والجوية المعادية. ولكنهم هم أيضاً يخسرون كثيراً والحالة هناك غير واضحة.

أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 55، 1/11/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى