الحالة السياسية – الحربية الحاضرة

السياسة:
اليهود والجبهة الديموقراطية ــــ يزداد ظهور المسألة اليهودية في الجبهة الديموقراطية، فلا يكاد يمرّ شهر حتى نسمع بمؤتمرات وحفلات واجتماعات في بريطانية وأميركانية وأماكن أخرى تابعة لنفوذ الأمم المتحدة، تلقى فيها تصريحات وخطب من رجال مسؤولين وغير مسؤولين لمصلحة المطامع اليهودية في سورية.
وفي ما يلي ننشر أهم ما ورد من الأخبار في هذا الصدد:
وعد بلفور في أوروغواي
كلمات وزير الخارجية الأوروغواني في مجتمع إسرائيلي
في برقية عن متنوبيداو في 1 نوفمبر/تشرين الثاني أنه بمناسبة عقد المجمع الأوروغواني الأول لمنظمة «كيرين كايميت لإسرائيل» جرت اليوم في راديو سيتي حفلة تذكارية لتصريح بلفور حضرت وقائعها شخصيات يهودية ممتازة بينها الكاتب ناثان بسترتزكي والدكتور ولف نقستبون ورئيسة المنظمة الصهيونية النسائية في الأرجنتين السيدة برتا قرشونوف والسادة:
فدروسفر نبرق وأبرهام شوارتز وموسى إرسوق، وأنه حضر أيضاً بدعوة خاصة وزير الخارجية الدكتور ألبرتو قواني وألقى خطاباً كان من جملة ما صرح به قوله:
»إنّ الشعب اليهودي له أن يتّكل، كما يتّكل كل الذين هم مرهقون وكل المضطهدين والضعفاء، على تعضيد الحكومة الأوروغوانية. حينما وضعت إمضائي منذ 20 عاماً في ذيل الوثيقة التي أيدت تصريح بلفور في سان ريمو وذلك باسم حكومة أووغواي ــــ معاهدة كمعاهدات كثيرة غيرها ظلت لسوء الحظ في حكم العدم ــــ قد فعلت ذلك بكامل وجداني وإخلاصي لأنني رأيت أنّ ذلك العمل كان عدالة لا شك فيها. وذلك الإمضاء أعود إلى وضعه اليوم وأعود إلى وضعه غداً ودائماً حيثما يلزم الأمر وأنا أقول هذا لأنني أرغب، حينما تنقضي المأساة الحالية التي يتشنج العالم منها إزاء قرصنة بربرية النازية الفاشستية وتعود الحرية إلى سيادتها في العالم، أن يتحرر الشعب اليهودي أيضاً. وإذ ذاك تكون قد أذنت الساعة المناسبة ليحقق الشعب اليهودي المضطهد ظلماً كيانه في أرضه الذاتية المحررة».

ويندل ويلكي ومسألة اليهود
وجاء عن نيويورك في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الحاضر أنّ السيد ويندل ولكي بعث برسالة إلى الاجتماع الذي عقد في كارنقي هول بمناسبة التذكار السنوي الخامس والعشرين لتصريح بلفور يقول فيها:
»إنّ حقكم في وطن قومي قد ارتكز دائماً على أساس حقوق تاريخية وإنترناسيونية.
وخطة المحق التي جرى عليها هتلر حوّلته إلى مسألة يحملها الضمير الإنساني.
إنّ أبواب فلسطين يجب أن تُفتح ليهود أوروبا الوسطى والشرقية الذين لا مأوى لهم.
الذين يحيون بعد هذه الحرب.
ومؤدى هاته المهاجرة، يجب أن يُعيّن طبقاً لحاجات الشعب اليهودي.
«ولئن كان لا يمكن التكهن بالتنظيم الحقيقي الذي سيعقب هذه الحرب، إلا أنّ إقرار وطن قومي لليهود في فلسطين إنجازاً لوعد بلفور يجب أن يكون له المجال الجدير به في عالم الغد الجديد».

كلام ألبرت توماس
وعن نيويورك بالتاريخ السابق أنّ السيد ألبرت توماس، العضو في مجلس الشيوخ الأميركاني تكلم أثناء الحفلة التي جرت في كارنقي هول لمناسبة اكتمال العام الخامس والعشرين على تصريح بلفور فقال: «نريد الإقرار أنّ المتحد العبراني هو هدف من أهدافنا في السلم والحرب».

حرّض الخطيب المذكور على الاعتراف بفلسطين كعضو من الأمم المتحدة وعلى إقرار وطن اليهود في فلسطين. وقال: «إنّ النازيين يحاولون أن يستأصلوا شأفة اليهود منذ سنة 1933، وإنه للمرة الأولى يصبح الاستئصال الجسدي، للشعب سياسة تجاهر بها وتعلنها أمة».

وجاء أيضاً أنّ وزير خارجية إسبانية سابقاً الدكتور خوليو ألفرس دل واليو الذي كان حاضراً الاجتماع تكلم فيه فقال: «إنّ النضال من أجل تنشئة فلسطين كوطن لليهود هو جزء من المعركة ضد المحور».
ليس لهذه التصريحات جواب غير جواب الزعيم على تصريحات المارشال سمطس، رئيس وزارة إفريقيا الجنوبية المنشور بالإسبانية في عدد الزوبعة الصادر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني السنة الماضية، (انظر ج 4 ص 304) وخلاصة جواب الزعيم أنه لا يوجد حقوق تاريخية ولا غيرها لليهود في سورية، وأنّ وعد بلفور هو وعد سياسي ليست له صفة حقوقية، كما سبق للزعيم وأعلن في بلاغه الأزرق سنة 1936.

إنّ أغرب تصريح بين التصريحات الجديدة المثبتة آنفاً هو تصريح رئيس الحزب الأميركاني الجمهوري السيد وندل ولكي، الذي لم يمضِ على زيارته سورية وقت كافٍ ليجعله ينسى ما شاهده هناك من نقمة الشعب على هضم حقوقه وإغفال قضيته القومية.
وقد أشار ولكي إلى خطورة الحالة في تقريره الذي أذاعه بالراديو ولخّصناه في العدد الماضي.

أشار ولكي إلى عدم الرضى عن سياسة بريطانية وأميركانية في سورية والشرق وإلى الانتقاد الصائب على «دستور الأطلسي» الذي يحرم شعوباً كثيرة، بينها الشعب السوري، من حقوقها في الحرية والسيادة والتقدم. فهل ينسى السيد ولكي هذه الدروس بهذه السرعة ويؤيد مطالب جماعة في أرض لا حق لها فيها غير ما تدّعيه من وعد الله لها.

وهو ادّعاء باطل ومنقوض بأن لله كان قد أعطى تلك الأرض لشعب أقام فيها ومكّنه الله منها، ولم يمكّن الله اليهود من أرض سورية بل بقيت في حوزة شعبها، إذاً قد كان باطلاً ما لاحظه ودرسه السيد ولكي في سياحته الطويلة.

إنّ مطاليب اليهود وادعاءاتهم في أرض سورية قائمة على مبدأ السلب والنهب والظلم.
وقد تمكن اليهود من خدع سياسيين كثيرين «بعدالة» مطاليبهم، وقد آن أن تنكشف هذه اللعبة اليهودية ويفهم العالم أنّ في سورية أمة تاريخية قائمة منذ أقدم الأزمنة، وأنّ سورية وطن واحد، وأنّ كل إجحاف بحقوق الأمة السورية لا يسبب غير مشاكل مؤلمة ومتاعب لا يمكن أن تضعف إيمان الأمة ومتاعب لا يمكن أن تضعف كيان الأمة السورية بانتصار حقوقها في الأخير.

كنا نود أن يُغفِل سياسيو الحلفاء، هذه المرة أيضاً، حقوق سورية وإمكانياتها العظيمة التي هي في مصلحة التمدن.
إنّ سورية لم تكن سبباً في إثارة هذه الحرب أو الحرب السابقة.
والنهضة السورية القومية الاجتماعية لا تبغي، من الوجهة الإنترناسيونية، غير تأمين وحدة سورية وسيادتها والتفاهم مع جميع الدول التي لا تضمر لسورية العداء أو الاعتداء، كما صرّح بذلك مراراً زعيمها.
أما منع الاضطهاد في أوروبا عن اليهود فقضية مستقلة بذاتها ولا دخل لسورية بها ولا دخل لها في سورية.


الحرب:
إفريقيا ــــ حدث في هذا الشهر تغيّر خطير في هذه القارة هو أهم تغيّر حدث في مجرى الحرب بعد انقضاض ألمانية على روسية.
فلأول مرة يقوم المتحدون بحملة جندية كبيرة لاحتلال مواقع ذات أهمية ممتازة من الوجهة الاستراتيجية.
فقد ورد في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحاضر أنّ قوات أميركانية كبيرة، بقيادة العضد الأميرال أيزنهاور الأميركاني نزلت على شواطىء إفريقيا الشمالية التابعة لفرنسة على المتوسط والأطلسي من الجزائر إلى مراكش.
وقد تمكنت هذه القوات في بضعة أيام من احتلال مدينة الجزائر وأوران وكازبلنكة وهاتان المدينتان هما أهم الموانىء الفرنسية في شمال إفريقيا، ما خلا بنزرت في تونس.

تبيّن من سياق الأخبار أنّ القوات الأميركانية المؤيدة بوحدات الأسطول البريطاني وعصابات الطيارات الأنكلوسكسونية لم تلاقِ مقاومة تذكر من جهة الحاميات الفرنسية، وأنّ الأميرال درلان، قائد القوات الفرنسية ونائب بتان، قابل قائد الحملة الأميركانية في جبهة الجزائر في مدينة الجزائر، حيث كان درلان حين نزول القوات المذكورة، وعلى أثر المقابلة جرى تسليم الجزائر، ثم أصدر درلان أمراً بوقف القتال في كل إفريقيا الشمالية الفرنسية.

أدَّت هذه الحوادث إلى تقوّلات كثيرة عن موقف درلان وشكوك كثيرة في تصرفه، خصوصاً بعد إذاعة خبر وصول الجنرال جيرو الذي فرَّ من الأسر في ألمانية متظاهراً بالمرض، إلى الجزائر ووضعه نفسه في جانب الأمم المتحدة.
وسرت إشاعات أنّ نزول القوات الأميركانية كان بالاتفاق السري مع درلان أو ما يشبه ذلك.

كان من وراء احتلال الحلفاء شمال إفريقيا أنّ زعيم ألمانية أرسل في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الحاضر كتاباً إلى المارشال بتان يعلن له فيه سقوط بعض مواد الهدنة بسبب نزول الأميركان في المستعمرات الفرنسية، وصدور أمره إلى الجيش الألماني بالتقدم واحتلال بقية الأرض الفرنسية.

زعيم روزفلت في كتاب وجّهه إلى المارشال بتان ورسالة إلى الشعب الفرنسي أنّ إنزال قوات أميركانية في مستعمرات فرنسة في شمال إفريقيا سببه الرغبة في الدفاع عن هذه المناطق ومنع قوات المحور من احتلالها، كما قد تأكد للأمير كان أنّ هذه هي نيّتها.
فأجاب بتان على رسالة روزفلت منكراً وجود الخطر الذي يصوره الرئيس الأميركاني، ومستنكراً الهجوم الفجائي على الامبراطورية الفرنسية.

وزعم هتلر في كتابه إلى المارشال بتان أنّ احتلال بقية فرنسة هو لصد قوات الأمم المتحدة إذا حاولت النزول في جنوب فرنسة. وقد اشتركت في احتلال بقية فرنسة قوات إيطالية وبعضها باشر احتلال جزيرة كورسيكا.
وقد أعطى الحلفاء تأكيداً بالانسحاب من المستعمرات الفرنسية حالما ينقضي لزوم ذلك لمتابعة الحرب ضد ألمانية وإيطالية.
وأعطت ألمانية وإيطالية تأكيدات بأن احتلال بقية فرنسة ليس لتجريد فرنسة من سيادتها، ولا لضم المناطق الجديدة المحتلة إليها، بل لدفع خطر اقتراب القوات الأنكلوسكسونية.

هذان الاحتلالان الجديدان وضعا حداً لحالة فرنسة الشاذة الغريبة واتّضح الموقف اتضاحاً جديداً من هذه الجهة.

في الوقت عينه كانت قوات الجيش البريطاني الثامن تثبت انتصاراتها في مصر على قوات المارشال رومل وتزحف غرباً فتصل إلى القيروان، وتستعيد طبرق.
وهذا يجعل مركز المحور في شمال إفريقيا حرجاً جداً. على أنّ الأخبار المتواردة تفيد عن مهاجمة الطيارات والغواصات المحورية القوات البحرية الإنكليزية والأميركانية وإنزال خسائر ذات بال بها.

مما لا شك فيه أنّ الخطوة الأميركانية في إفريقيا خطوة هامة جداً. فعدا عن تقوية مركز الأمم المتحدة على المتوسط والأطلسي، توجد ثقلاً في الجانب الآخر من إسبانية والبرتغال بقصد تخفيف انحرافهما في جهة المحور.
على أنّ نزول القوات الأميركانية في شمال إفريقيا مع كل النجاح الذي أحرزه لم يكن عملاً حربياً تمتحن به القوت المذكورة ومقدرتها.
وهنالك تكهنات كثيرة عما ينوي المحور فعله، هل يقرر المقاومة والبقاء في ليبيا وتونس أم تنسحب قواته من شمال إفريقيا بالكلية؟
وقد جاء، والجريدة على المطبعة، أنّ زحف القوات الأنكلوسكسونية على تونس قد ابتدأ في ثلاثة مواضع من الحدود وأنّ طلائع القوات الزاحفة قد اتصلت بطلائع القوات المحورية المصممة على الدفاع.
والمأخوذ من الأخبار أنّ قوات ألمانية احتلت مواقع استراتيجية في تونس برضى الفرنسيين والظاهر أنّ المحور سيدافع عن تونس وطرابلس الغرب.

روسية ــــ بعد إنزال القوات الأميركانية في إفريقيا حصل هدوء جزئي يوماً أو يومين في ستالينغراد، ثم عادت الأخبار عن معاودة الألمان الهجوم على المواقع الروسية في المدينة.
وتفيد الأخبار الأخيرة من الجانبين أنّ الألمان تمكنوا من الاستيلاء على شوارع جديدة وأنهم يهاجمون الآن جنوبها بعد أن كان كل هجومهم في الشمال في الأسابيع الماضية.

لا مشاحة في أنه إذا تمكن الألمان من الاستيلاء نهائيا على ستالينغراد كان ذلك جواباً قوياً على إنزال القوات الأميركانية في إفريقيا.
وتقول الأخبار الأخيرة إنّ الألمان أحرزوا تقدماً جديداً في جبهة القوقاس ولكنه قليل.

الهادىء ــــ عادت المعارك في أرخبيل سليمان بين القوات اليابانية والأميركانية، وتظهر القوات اليابانية تحركاً جديداً، وجرت عدة معارك بحرية بين وحدات منفردة من الأسطولين المتعاديين، واعترفت أميرالية الأميركان ببعض الخسائر وكتمت بقية الأخبار إلى ما بعد انتهاء المعارك الدائرة، وقالت إنها ألحقت باليابان خسائر كبيرة.
وأعلنت القيادة اليابانية أنّ خسائر الأميركان البحرية والجوية باهظة والمعارك لا تزال دائرة بشدة في تلك الناحية.

عزل درلان ــــ من الأخبار الأخيرة أنّ المارشال بتان، رئيس حكومة فرنسة، عزل الأميرال درلان من جميع وظائفه، وأعلن عدم موافقته على أوامر توقيف المقاومة في الجزائر ومراكش التي أصدرها درلان، وكان من ورائها تعجيل استيلاء القوات الأميركانية والبريطانية على أهم المواقع في هاتين المستعمرتين، وتفرّغها لمهاجمة تونس بسرعة قبل أن يتمكن الألمان والطليان من إمدادها بالنجدات الكبيرة.
وقد زاد هذا العزل شكوك الناس بموقف درلان وأوّلوه على أنه يثبت خروج درلان عن حدوده وتحيّزه لجانب الأمم المتحدة.

أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 56، 16/11/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى