رياض سلامة يفتح المعركة على مصراعَيها بين مصرف لبنان وجمعيّة المصارف
عميد الاقتصاد الرّفيق فادي قانصو
لا شكّ في أنّ كتاب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأخير إلى رئيس جمعيّة المصارف سليم صفير والمتعلّق بموضوع احتياطيّ المصارف الإلزاميّ في العملة الأجنبيّة في مصرف لبنان الّذي يطرح خيار تسديد موجودات المصارف المودعة بالدّولار لدى مصرف لبنان، باللّيرة اللّبنانيّة، قد فتَح المعركة على مصراعيها بين جمعيّة المصارف ومصرف لبنان أمام دعاوى قضائيّة بين الطّرفين.
في تفاصيل الكتاب، أوضح الحاكم لجمعيّة المصارف أنّ مصرف لبنان يتمتّع بصلاحيّة تحديد نسب الاحتياطيّ الإلزاميّ المفروضة على المصارف وقد أوجَب على هذا الأساس على المصارف تكوين احتياطيّ إلزاميّ نقديّ باللّيرة وإيداعه في حساباتٍ مفتوحةٍ لديه. كما أفاد بأنّه يعود لمصرف لبنان وفقاً للسّياسة النّقديّة والمصرفيّة المُعتَمدة من قبله، حقّ تحديد حجم وشروط تسليفات المصارف. كما وأنّه باستثناء نصّ المادّة 69 من قانون النّقد والتّسليف الّذي يفرض على مصرف لبنان أن يُبقي في موجوداته نسبة من الذّهب ومن العملات الأجنبيّة حفاظاً على سلامة تغطية النّقد اللّبنانيّ، لم يفرض هذا القانون على مصرف لبنان موجب الاحتفاظ بأيّ نسبة كاحتياط على موجودات المصارف المودعة لديه (من احتياطيّ وودائع وتوظيفات إلزاميّة). وبالتّالي، يمكن لمصرف لبنان استعمال هذه الأموال طالما أنّه يتقيّد بالنّسبتين موضوع المادّة 69 المذكورة، وطالما أنّ هذا الاستعمال يبقى في إطار تحقيق مهام مصرف لبنان وفقاً للصّلاحيّات المعطاة له بموجب القوانين المرعيّة الإجراء، لاسيّما في المادّة 70 من قانون النّقد والتّسليف الّتي تُوجِب على مصرف لبنان المحافظة على الاستقرار الاقتصاديّ وعلى سلامة النّقد بهدف تأمين نموّ اقتصاديّ واجتماعيّ دائم. كلّ هذا صحيح من وجهة نظر قانونيّة، ولكن شرط أن يكون قد تمّ ذلك على نحو نظاميّ وبناءً على التّشريعات القانونيّة والمراسيم الحكوميّة اللّازمة، من دون استنسابيّة في عمليّة الإقراض وفي استنزاف هذه الاحتياطيّات، وهو ما يقع هنا في سياق التّبرير الفاضح من قبل مصرف لبنان لقيامه باستنزاف الاحتياطيّ الإلزاميّ للمصارف، مُتذرّعاً بقانون النّقد والتّسليف، وبحجّة استخدام تلك الأموال بهدف المحافظة على الاستقرار النّقديّ.
في المقابل، يضيف الكتاب أنّ الأموال الّتي يتمّ توظيفها من قبل المصارف في مصرف لبنان، وإن بشكل إلزاميّ، والّتي تصبح من ضمن موجوداته، تبقى ديناً لصالح هذه المصارف بذمّة مصرف لبنان الّذي سيتولّى إعادتها للمصارف عند استحقاقها. لذلك، وباستثناء ما تنصّ عليه القوانين العامّة، وفي ظلّ غياب أيّ نصّ قانونيّ واضح يحدّد طريقة تسديد أموال المصارف المودعة أو الموظّفة لدى مصرف لبنان، يمكن للمركزيّ، وبغية تسديد قيمة هذه الأموال عند استحقاقها الى المصارف المعنيّة: إمّا تسديد المبالغ المتوجّبة عليه بالشّكل والخصائص ذاتها الّتي قامت المصارف بتوظيفها لديه وذلك استرشاداً بمبدأ توازي الصّيغ والأصول وبأحكام المادّتين 745 و761 من قانون الموجبات والعقود، وإمّا التسديد باللّيرة اللّبنانيّة وفقاً لسعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة مقابل الدّولار الأميركيّ، تاركاً المجال هنا مفتوحاً أمام تحديد سعر الصّرف.
فهل المقصود هنا بإعادة أموال الاحتياطيّ الإلزاميّ وفق قاعدة توازي الأصول والصّيغ، خيار مصرف لبنان إعادة هذه الأموال من خلال الشّيكّات أو التّحويلات الدّاخليّة وليس من خلال السّيولة النّقديّة؟ وماذا عن سعر الصّرف الذّي قد يتّبعه في عمليّة تسديد هذه الأموال باللّيرة؟ هل سيكون على أساس سعر الصّرف الرّسميّ عند 1,500 ليرة أو وفقاً لسعر صرفٍ تحدّده منصّة صيرفة أقلّ من سعر صرف السّوق؟
في كلتا الحالتين، فإنّ هذا الكتاب من جانب مصرف لبنان يتضمّن، أوّلاً، تبريراً قانونيّاً لاستنزاف ما لا يقلّ عن 50 مليار دولار من احتياطيّات مصرف لبنان، دون حسيب أو رقيب، وبحجّة دعم الاستقرار النّقديّ على مدى عقود من الزّمن، ونخشى هنا أن يترافق هذا التّبرير مع قاعدة «عفا اللّه عمّا مضى»، وثانياً، يمهّد الكتاب بشكل واضح لعمليّة «ليلرة» الودائع بالعملات الأجنبيّة (أي تحويلها من الدّولار إلى اللّيرة)، وذلك وفق ما ورد أساساً في خطّة التّعافي المطروحة والّتي لا تعِد المودعين باستعادة أموالهم ولا تضع أيّ أطرٍ للإفراج عن ودائعهم مستقبلاً، بل تُمعن في القضاء على ما تبقّى من حقوق للمودعين، في وقت تُلمِّح إلى حماية كلّ مودع في كلّ بنك في حدود وديعة تصل إلى 100,000 دولار فقط، في حين تنوي الخطّة تحويل باقي الودائع إلى حصص ملكيّة أو حذف جزء منها، كما تحويل جزء من ودائع العملات الأجنبيّة إلى اللّيرة اللّبنانيّة بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر سوق القطع. وهذا مؤشّر خطير جدّاً إذ يحمل في طيّاته اقتطاعاً ممنهنجاً من ودائع اللّبنانيّين، يترافق مع عمليّة ضخّ كتل ضخمة من اللّيرة اللّبنانيّة من شأنها أن تساهم في مزيد من الانهيارات على صعيد سعر الصّرف، ناهيك عن فقدان الثّقة في النّظام الماليّ ككلّ، بشقّيه النّقديّ والمصرفيّ.