شخصيات وكتب – ترجمة القرآن إلى الإسبانية
ظهر مؤخراً كتاب مطبوع في بوينُس آيرس عنوانه بالإسبانية “القرآن مترجماً مباشرة بقلم سيف الدين رحال وسنتياقو فرالته” وجرى طبعه بتعاون عدد من السوريين الذين ساعدوا بعضهم بالمال وبعضهم بالعمل.
وفي الكتاب المذكور أنّ طبعه قد تم في 29 سبتمبر/أيلول 1945، وهو المجلد الأول من ثلاثة مجلدات يهتم العاملون بطبع المجلدين الأخيرين منها فيما بعد.
وللمجلد الأول المذكور مقدمة طويلة هي شبه كتاب مستقل يبحث في النبوءات والرسل والتقاليد والشرع المحمدي وغير ذلك. وقد أحدث ضجة بين المسيحيين ما جاء في باب “رسول الله في الكتب المقدسة” لما جاء فيه من الأقوال غير الموافقة أصول دينهم ومعتقداتهم.
القصد الظاهر من الباب المذكور إثبات أنّ محمداً هو الرسول الحقيقي صاحب الرسالة الكاملة المنتظرة الموعود بها والمتنبأ عنها. والبحث طويل والاستشهادات وتأويلها تتناول أموراً كثيرة فيها مواضع للنظر.
ليس قصدنا هنا درس جميع القضايا الدينية البحتة التي تعترض لها المقدمة المذكورة، ولكن هنالك نقطة اتجهت إليها الأنظار بقدر ما تثير الشحناء بين أتباء المذهب المحمدي وأتباع المذهب المسيحي، هي نقطة بعض المستندات التي تصوّر المسيح من محمد بصورة يوحنا المعمدان من المسيح وهذه الصورة أخذها صاحب البحث من إنجيل برنابا. فيقول صاحب البحث إنه نشأت أناجيل كثيرة في أدوار وبيئات مختلفة كتبها أصحابها “حسبما تراءى لهم في تعاليم المسيح التي فهموا منها ما أوصلته إليه (يريد أوصلتهم إليه) مقدرتهم ونزعتهم”، وإنّ الكنيسة الكاثوليكية رفضت أكثرها واختارت “لعقائدها الأناجيل الأربعة المعروفة وما يليها من الرسائل”.
وصاحب البحث لا يميّز بين أهمية إنجيل وأهمية إنجيل آخر، وبين أسباب الصحة وأسباب الفساد في الأناجيل، بل يكتفي بالتعميم أنّ هنالك أناجيل كثيرة استبدّت الكنيسة الكاثوليكية باختيار ما شاءت منها. ويقول إنه على الرغم من ذلك “لا مانع من اعتبارها مستندات تاريخية وحججاً يُعتمد عليها في الاستشهادات الواجب الإتيان بها”.
ثم إنه يختار من بين الأناجيل إنجيلاً يقول فيه “ظهر اكتشافه في القرن الثالث من الميلاد وهو إنجيل الحواري برنابا الذي أصدر رئيس الكنيسة الكاثوليكية غلانيوس الأول أمراً بعدم اعتماده، وقد كانت ابتدأت بابويته في عام 492، فليس لهذا الإنجيل رسمياً قيمة دينية عند الكنيسة ولكن قيمته التاريخية لا يمكن نكرانها” ثم يقول إنه يرى في الإنجيل المذكور “إعلانه الصريح عن مجيء الرسول العربي بالاتفاق التام مع ما جاء به القرآن الكريم”.
بعد ذلك يقول إن الإنجيل المذكور ترجم إلى الإنكليزية وإنّ مطبعة المنار بمصر “التزمت ترجمته بالعربية سنة 1907” ولا يشير بكلمة إلى من ترجمه مع أنه يذكر اسم المترجم الإنكليزي إلى الإنكليزية وبعد ذلك ينتقل إلى استشهاداته من هذا “الإنجيل”.
هذا الكلام فيه شيء من الصحة وفيه شيء من الفساد وقد اختلط على صاحب البحث أمر الصحة وأمر الفساد فيه.
الحقيقة أنه يوجد إنجيل لبرنابا يمكن الاستناد إليه من الوجهة التاريخية والاستشهادية. أما النسخة المسماة إنجيل برنابا المترجمة إلى العربية فليست كتاباً يصح الاستناد إليه لآن هذا الكتاب هو غير إنجيل برنابا الصحيح.
مترجم إنجيل برنابا إلى العربية هو الدكتور خليل سعاده والد الزعيم. وقد نشره الشيخ رشيد رضا صاحب مجلة المنار من غير إذن صاحبه وبدون مقدمة له لم يكن بد منها لإظهار شأن الكتاب وحقيقته. وهذا الكتاب الذي ظهر أولاً في إيطالية وترجم إلى الإنكليزية هو كتاب لا علاقة له ببرنابا الذي اشترك مع الرسل في أعمال التبشير وأنشأ إنجيلاً خاصًّا به….
وكان “هاني بعل” يقصد إيضاح مسألة هذا الإنجيل في بحثه الشهير جنون الخلود،فلم يتسع الوقت فأرجأ ذلك إلى حين جمع البحث في كتاب منقّح ومصحّح.
إن إنجيل برنابا المترجم إلى العربية هو إنجيل لا علاقة له ببرنابا الحقيقي، وهو مزوّر عن لسان برنابا. أما إنجيل برنابا الحقيقي فتوجد نسخ قليلة منه في العالم نظراً لإهمال اعتباره مصدراً دينيًّا صحيحاً ولكنها، على قلّتها في متناول المحققين.
يوجد نسخة قديمة جدًّا لإنجيل برنابا الحقيقي في المكتبة القومية في بوينُس آيرس. وهي نسخة مطبوعة بالأصل اليوناني، الذي كتب به، وبالترجمة اللاتينية على محاذاة الأصل اليوناني، وكل دارس محب للحقيقة يقدر أن يصل إلى هذا الإنجيل ويقابله على “الإنجيل”المترجم إلى العربية فيرى أنه لا علاقة للواحد بالآخر غير علاقة التزوير.
لا يعني كلامنا هذا شيئاً من نقض صحة الرسالة المحمدية كمذهب ديني له محله كغيره في العالم، ولكنه يعني وجوب التحقيق في المراجع التي تصير “مستندات” فاسدة هي علّة كبيرة من علل الأوهام والعصبيات الهوجاء المفرّقة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
الزوبعة، بوينُس آيرس،
العدد 89، 15/2/1947