كيف نبني مستقبلاً ونهضة؟!


ناظر الإذاعة والإعلام في منفّذيّة المتن الأعلى الرّفيقة يُمنى الأعور

الحقيقة أنّ النّهضة لا تُبنى فقط بنشر الفكر وإقامة الحلقات الإذاعيّة، بل يجب أن يقترِن ذلك بخطّة استراتيجيّة تعمل ضمنها المؤسّسات لتحقيق التّطوّر والازدهار من نواحٍ عدّة. انطلاقاً من كون حزبنا، الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ، حزب الأمّة، يجب أن نكوِّن نحن حركة الشّعب العامّة، وأن نتابع أوضاع الكيانات المصطنعة لكون الحزب هو «دولة الأمّة المستقلّة».

على سبيل المثال، تساهم الأساليب والمناهج التّعليميّة العقيمة في بلادنا في ترسيخ التّفكّك والانقسام والطّائفيّة في عقول الطّلبة، فضلاً عن بثّ نوع من التّشويش في مفهوم الهويّة لديهم عبر تدريس التّاريخ بشكلٍ مجتزأ أو بتعامي عن الحقائق التّاريخيّة كما يشتهيه أهل زعماء الطّوائف، فتاريخنا كُتب مع مراعاة كبيرة للطّوائف والمذاهب. هنا يجب وضع خطّة استراتيجيّة تربويّة تشارك في علاج هذا الواقع، عبر الاستفادة من قدرات النّهضويّين العاملين في حقل التّدريس كلّ حسب اختصاصه.

لكلّ أمّة مجموعة من العناصر التّراثيّة والثّقافيّة الملموسة وغير الملموسة الخاصّة بها، من لغةٍ وملامح وسلوك، وفنون متنوّعة، وملبس ومأكل، بالإضافة إلى البيئة الطبيعيّة الّتي تؤثّر وتتأثّر بمواطني الأمّة… والأمم الّتي وجدت سُبلاً لتطوير إنتاجها وتخصّصت بمصدر إنتاجيّ محدّد، نجحت في الحفاظ على هذا الإرث الخاصّ بها، فنجدها معتزّة به، رافضةً المساومة عليه، أو تقديم أيّ تنازل يؤدّي إلى انسلاخها عنه، إلّا إذا كان ذلك في سبيل تطوّرها.

أمّا نحن فنجد أنّ التّسطيح الثّقافّي قد طال شريحةً كبيرةً من مجتمعنا، وعلى وجه الخصوص الشّباب منه، ما أدّى إلى فقداننا لهويّتنا وموروثنا الفكريّ والثّقافيّ والبيئيّ. اللّغة المحكيّة هي نسخة مشوّهة من لغتنا العربيّة، تستفّز كلّ غيّور عليها. ونجد أبناء هذا الجيل يتقنون التّحدّث بالفرنسيّة والإنكليزيّة، على أهمّيّتها، أفضل من لغتنا الأم الّتي تظهر بشكلٍ خجول خلال محادثاتهم، وكأنّها لا تناسب ما يُعرَف بـ “البرستيج” لدى هذا الجيل، ولدى شريحة واسعة من مجتمعنا.

أمّا الغناء والموسيقى فحدّث ولا حرج، عن كلماتٍ وألحانٍ وأصوات تلوّث سمعنا وتضيف العصبيّة إلى مزاجنا. ألحانٌ وكلمات تتشبّه بهرطقات الغرب وإن دلّت على شيء، تدلّ على فراغٍ ثقافيّ وفكريّ لم تشهد بلادنا مثيلاً له في تاريخها. ومجتمعنا تحوّل إلى مجتمعٍ استهلاكيّ يستهلك الأغنية والرّواية والأدب والتّكنولوجيا، من دون وعي أو عقل ينقد وينتقي الإبداع ويؤسّس عليه للأجيال القادمة. جيل الشّباب في بلادنا لا يعكس ما اكتسبته شخصيّتنا من البيئة والحضارة والتّطوّر الحضاريّ المرتبط بأرضنا الخصيبة الّتي أنتجت عقولاً ومفكّرين وقادة على مرّ التّاريخ، بل يساهم باستهلاكه لكلّ ما هو غريب عن ثقافتنا من عادات وتقاليد وموروثات إيجابيّة في ضياع هويّتنا وتشرذم مفهومها الحقيقيّ.

هنا تقع مسؤوليّة كبيرة على الأهل والمربّين والمدرّسين والمؤسّسات التّعليميّة، حيث يجب أن نطوّر مناهجنا التّربويّة بما يخدم مصلحة بلادنا ويعود بالخير على شعبنا، مناهج تربويّة تُشعر الفرد بقيمته في المجتمع وبأهميّة الزّراعة والصّناعة والإبداع في الأدب والفنّ والموسيقى والتّكنولوجيا، وبعائدها المصلحيّ على أبناء المجتمع كافّة، فيشعر الفرد بقيمته من خلال ذوبان الـ «أنا» بـ «النّحن» المجتمعيّة.

إنّ المسؤوليّة الملقاة على عاتقنا وعاتق مؤسّستنا الحزبيّة باعتبارها مؤسّسة نهضويّة، لا سيّما في ظلّ التّخبّط الاقتصاديّ والثّقافيّ الّذي تشهده بلادنا، هي مسؤوليّة جبّارة تحتاج لأكتاف جبابرة، فهل نكتفي باستحضار أقوال الزّعيم وخطاباته عند مواجهتنا للمعوّقات من دون دراستها وتطبيقها في سبيل بناء مستقبل أمّتنا أو وضع حجر الأساس له على أقلّ تقدير؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى