ملحق رقم 3 من خطاب الزعيم في جزين 10/10/1948
يقول الناس عنا إننا حزب ضال في مبادئه وتعاليمه، حزب فاسد، حزب مخرب. نسلّم جدلاً معهم بأننا حزب ضال مخرب وفاسد. نحن حتى الآن لم نتسلم حكماً ولم نقم على أمر هام ولم نسيّر دفة أي جزء من أجزاء هذا الوطن بل الأمور كلها لا تزال في أيد غير أيدينا.
في الوقت نفسه نحن لم نتصدَّ لأي عمل أراد الذين يقولون أن يفعلوه. لم نحرم أحداً من أن يجرب أن يفعل لأجل خير هذا الشعب فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أنّ الأمة كلها هنا في لبنان وفي الشام وفي فلسطين وفي شرق الأردن وفي العراق الأمة كلها تئن من حالة سيئة وتتشاءم من المستقبل وليس لها أي ضمان تستند إليه فيما سيكون مستقبل هذه الأمة؟ هذه النتيجة ليس الحزب مسؤولاً عنها. نسلّم أنّ هذا الحزب فاسد ونسلّم أنّ الآخرين هم المهتدون وهم أهل الصلاح فما بال نتائج أهل الصلاح تسير إلى الطلاح.؟ الدفة في أيديهم فلماذا يرتطم المركب بالصخور ويتكسر؟
هل نحن مسؤولون عن سوء إدارة الدفة؟. كلا. إنّ الذين يتهموننا نحن، هم المسؤولون عن ضياع المركب وارتطامه بالصخور وتبعثر الأماني والآمال.
إذا أخذنا فلسطين مثلاً وبرهاناً وليس المثل والبرهان الوحيد فقد كان قبلها الإسكندرونة وقبلها كيليكية، إذا أخذنا فلسطين البرهان الأخير على ما نقوله وأردنا درس فلسطين وكيف طارت من بين أيدينا وكيف صارت لشعب… لمّا يمر على وجوده أكثر من نحو ثلاثين سنة فمن المسؤول عن هذه النتيجة؟
إنّ المسؤولية تقع على أصحاب سياسية الخصوصيات الذين أرادت كل فئة منهم أن تحتكر في فلسطين جزءاً يهمها وحدها وأن تخرج به غنيمة باردة…
إنّ الحرب في فلسطين لم تكن حرباً مع اليهود، إنّ الجيوش السورية والعربية والمصرية التي زحفت على فلسطين زحفت لا لتحارب اليهود فقط، بل زحفت لتحارب أهل فلسطين في أرض فلسطين.
ليس الجندي في ساحة الحرب مسؤولاً عن ذلك. إنّ المسؤول هو الذي سيَّر الجندي وأوقف الجندي حين أراد أن يقدم وينتصر.
على أي شيء دارت المعركة في فلسطين؟ إنّ الكلام الذي سمعناه وامتلأت به أعمدة الجرائد، إنّ الاتجاه هو تل أبيب لم يكن إلا خداعاً لنا نحن السوريين عامة. إنّ الحرب في فلسطين كانت نزاعاً بين دويلات على ما تبقّى من فلسطين وليس على ما أخذ اليهود من فلسطين. ولا يزال هذا النزاع مستمراً لمصلحة اليهود في فلسطين لأنه نزاع خصوصي، إنه سياسة الخصوصيات التي لا ترى مصلحة الأمة بل ترى مصلحة “أنا ومن بعدي الطوفان” ومصلحة “من بعد حماري لا ينبت حشيش”.
لا تزال هذه الحرب مستمرة في فلسطين. فما هي النتائج العملية؟ خراب المدن الفلسطينية، انهيار ما تبقى من مجتمع سوري في فلسطين، خروج الفلسطينيين من ديارهم، خسارتهم متاجرهم وأعمالهم وبيوتهم.
اي اساس اقتصادي يمكنهم أن يستندوا إليه؟ قسمت فلسطين إلى مناطق حسب الحدود التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة وأضحت جسماً منهوكاً مطروحاً أمام اليهود ليأتوا ويستولوا عليه. أما الحرب فلا تزال مستعرة ولكنها مستمرة بين مطامع ملك شرق الأردن ومطامع ملك مصر وبين مخاوف من الجمهورية اللبنانية والجمهورية الشامية ومساع من شرق الأردن عن اختلاف في النظر بين جمهورية لبنان وجمهورية الشام.
هنا تقوم الحرب اليهودية ولا تقوم مع اليهود مطلقاً بل قامت بين خصوصيات هذه الأمة لا بين الأمة وأعدائها، من أجل ذلك صار للأجنبي مصالح، حتى يهود آخر زمان أصبحوا يستفيدون من خصوماتنا.
هذا موقفنا وهذا يعني عراكنا نحن، العراك الداخلي في الأمة. لا يمكننا أن نصل إلى صيانة مصلحة الأمة ولا الانتقال إلى الصراع الخارجي لصيانة مصالح الأمة الخارجية قبل أن نتمكن من إنهاء الحرب الداخلية.
إنها حرب عنيفة، إنها حرب بين إرادة الأمة وبين الإرادات الخصوصية.
وفي هذا الصراع تقف هنا النهضة القومية الاجتماعية مؤمنة بنفسها، مؤمنة بمبادئها، واثقة من قوّتها، فاعلة ليلاً نهاراً بلا توان ولا تأخير شاقة الطريق بإرادة الأمة متغلبة يوماً بعد يوم على المصالح الخصوصية الداخلية صاهرة إياها في مصلحة واحدة هي مصلحة الأمة.
إنه صراع قد استغرق ستة عشر عاماً ولا نزال في بدء الطريق، إنه صراع يستمر إلى أن تسحق إحدى هاتين القوتين القوة الأخرى سحقاً تاماً لا قيام لها بعده. إننا نحن القوميين الاجتماعيين قد وضعنا في هذا الصراع كل سلامتنا… كل مصالحنا، كل شيء عندنا في الحياة لأننا لا نجد الحياة خليقة بأن نحياها إلا إذا كانت حياة حرية وحياة عز
نحن نرى الحياة حرية وعزّاً ولا نراها غير ذلك فقط وقد جزمنا في أن نأبى إلا إذا كانت حياة حرية وعزّ ولذلك مستعدون لأن نقدم حياتنا في كل ساعة وفي كل دقيقة من أجل الحرية والعز ليس لنا فقط مجموع الحزب القومي الاجتماعي بل للأمة كلها للبنانيين وغير اللبنانيين.
هذه هي حقيقة النهضة، صراع داخلي عنيف، ثورة فاعلة أحياناً وأحياناً بطيئة وأحياناً مستعجلة وأحياناً حارة وأحياناً باردة وأحياناً دامية، ولكن الحقيقة الأساسية هي أننا لسنا بمنثنين عن عقيدتنا وعن عزمنا أبداً ولسنا بواضعي سلاح الحرب إلى أن تنتصر حياة الأمة وحريتها وإرادتها على السياسة الخصوصية والإرادات الأجنبية.
البناء، بيروت، العدد 1033 ـ 6، 1/3/1971