السياسة الخارجية: وزير خارجية إيطالية في برلين – العلاقات السياسية الجديد بين إيطالية وألمانية

زار السيد غراندي وزير خارجية إيطالية مؤخراً برلين حيث جرى له استقبال حار من قبل الحكومة والشعب الألماني. وزيارة غراندي الأخيرة ردٌّ للزيارة التي أداها رئيس الوزارة الألمانية السيد بروننغ ووزير خارجية ألمانية السابق السيد كورتيوس في الصيف المنصرم للسيد موسوليني رئيس الحكومة الإيطالية.

ولا يخفى ما لتبادل الزيارة بين رجال الدولتين الألمانية والإيطالية المسؤولين من الأهمية الخطيرة في تطور السياسة الأوروبية الحالي. فالمحادثات السياسية التي بين وزراء الدولتين المذكورتين في الصيف الماضي، وفي أثناء وجود وزير خارجية إيطالية في برلين، تدل دلالة واضحة على أنّ ألمانية وإيطالية تريدان أن تقابلا نشاط السياسة الفرنسية، الرامي إلى تقرير موقف فرنسة من جميع القضايا العامة، بنشاط سياسي يرمي إلى إيجاد تفاهم تام بين هاتين الدولتين يتناول كل المسائل السياسية والاقتصادية الأوروبية.

إذا كان التفاهم بين ألمانية وإيطالية قد أصبح ممكناً ومؤكداً كما هو الواقع الآن، بعد العداء الكبير الذي تولد بينهما أثناء الحرب العظمى حين ضربت إيطالية بمحالفتها ألمانية عرض الحائط وانضمت إلى صفوف الحلفاء، فالفضل في ذلك يعود إلى السياسة الاستئثارية التي سارت عليها فرنسة منذ وضع معاهدة الصلح. فهي قد أبت أن تسوى مسألة تونس على كيفية ترضي إيطالية، وأخذت تنظر إلى النهضة الفاشستية الإيطالية التي تمثل روح الطموح وحب التوسع بعين الغضب.

ورفضت فرنسة من جهة أخرى إبداء شيء من التساهل في مسألة التعويضات الألمانية وغيرها من المسائل التي لها مساس بمصلحة ألمانية الحيوية. وهي لم تقتصر على رفضها ما تقدم، بل تعدت ذلك إلى العمل بكل قواها على جعل سقوط ألمانية سقوطاً لا قيام بعده.

فأيدت بولونية في استيلائها على سيليسية العليا وهي منطقة ألمانيّة غنية بالمعادن، وأنشأت مع دول التحالف الصغير وبولونية اتفاقاً الغرض منه تطويق ألمانية. وفي احتلال الجيش الفرنسي مناطق الرين ظهرت الحركات الانفصالية في هذه المناطق وهي حركات المصلحة فيها لفرنسة وحدها.

وقد انتهت مقابلة السيد غراندي للسيد بروننغ بإذاعة البيان الرسمي التالي: «جرت بمناسبة وجود وزير خارجية إيطالية السيد غراندي في برلين، محادثات سياسية بين الوزير المذكور ومستشار الدولة الألمانية. وهذه المحادثات تتصل بالمحادثات الأولى التي ابتدأها مستشار الدولة الألمانية مع رئيس الحكومة الإيطالية أثناء وجود الأول في روما. وقد تناولت النظر في جميع القضايا السياسية والاقتصادية العامة التي أصبح حلها يتطلب السرعة. وقد أدت هذه المحادثات الصريحة في صفتها، الودية في روحها، إلى نتيجة ظهر فيها الاتفاق التام في الرأي فيما يتعلق بالحالة الحاضرة وما ينتج عنها من الضرورة. ويتضح هذا الاتفاق خصوصاً في اقتناع الفريقين بأن حل الأزمة العامة الآخذة بخناق العالم يتوقف على تعاون عملي حسب خطة موضوعة بين الأمم التي لها علاقة بالأمر، ولكي يحصل التعاون المذكور على النجاح المرغوب يجب أن يكون أساسه الثقة والاحترام المتبادلين».

ويجد المطالع في خطاب السيد موسوليني الذي ألقاه في نابولي بمناسبة الاحتفال بدخول السنة الفاشستية العاشرة، ونشرناه في غير مكان من هذا العدد، ما يؤيد أنّ إيطالية وألمانية متفقتان بالرأي فيما يختص بالخطة التي يجب السير عليها في معالجة الأزمة الحالية. وأهم ما تتضمنه هذه الخطة الحملة المنظمة على معاهدة فرساي وغيرها من معاهدات الصلح، ووجوب المساواة في الحقوق والواجبات بين الدول الأوروبية لا فرق بين غالبة ومغلوبة خصوصاً في قضية التسليح.

إنّ في زيارة وزير خارجية إيطالية لمستشار الدولة الألمانية مناورة سياسية من الطراز الأول تجيب على المناورة السياسية التي قام بها رئيس الوزراء فرنسة في الولايات المتحدة.
والمنتظر أن يكن لنتيجة تبادل الآراء بين سياسيــي ألمانية وإيطالية تأثير ذو شأن كبير في الولايات المتحدة. فإن السيد غراندي متوجه الآن إلى واشنطن بدعوة من رئيس الولايات المتحدة لإيقاف الرئيس المذكور على وجهة نظر إيطالية في الحالة الحاضرة، وموقفها من القضايا الخطيرة التي يتوقف حلها على حل الأزمة الحالية بصورة نهائية مرضية لجميع الدول.

وقد تناولت الصحف الفرنسية حادث زيارة الوزير الإيطالي برلين وعلَّقت عليه تعليقاً حاولت فيه التقليل من أهميته. ولكن ذلك لا يعبِّر شيئاً من قيمته الحقيقية التي ستظهر حقيقتها في الخطة المقبلة للقضاء على الأزمة أو في مؤتمر تحديد السلاح المقبل.

وكل آتٍ قريب.

أنطون سعاده
اليوم، دمشق 
العدد 78/26، 11/11/1931

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى