السياسة الخارجية – التدخل في إسبانية


في الأنباء الواردة مساء أول أمس، وظهرت في النهضة صباح أمس أنّ التفاؤل أخذ يحل محل التشاؤم من أعمال لجنة الحياد الإنترناسيونية التي تعالج مشكلة التدخل في إسبانية. والسبب في هذا التبدل، على ما جاء في البرقيات، هو حصول تقارب محسوس بين وجهتي النظر المتعاكستين، وأنّ الجبهة الإيطالية ـ الألمانية قد قبلت مشروع إرسال لجنة إلى إسبانية مهمتها تعداد المحاربين الأجانب وإعداد كيفية سحبهم من ساحات القتال. وقبلت أيضاً أن يسحب الفريقان بعض المتطوعين منذ البدء رمزاً لنية التنفيذ الفعلي.
إن لتبديل موقف الجبهة الإيطالية ـ الألمانية، فصار ليناً بعد الصلابة التي كان عليها في البدء، خطورة عظيمة، لأنه دليل على أنّ الموقف العام قد أصبح يسمح باتخاذ مثل هذه الخطوة.
يستدل من الأخبار الأخيرة أنّ القوات القومية في إسبانية قد تقدمت تقدماً محسوساً في عدة مواقع، وأنّ حالة الحكوميين تدعوا إلى التشاؤم. وتسلم القوميون في المدة الأخيرة فرقاً جديدة من المتطوعين تقوي صفوفهم. ومن الآن إلى أن تحضر لجنة سحب المتطوعين وترسل إلى إسبانية وتعد تقاريرها ويبدأ تنفيذ مقترحاتها تكون الجبهة الحربية قد تعدلت وتغيرت المراكز.
فلا بد إذن، أن تكون الجبهة الإيطالية ـ الألمانية مقتنعة من توافق اجتهاداتها السياسية مع الحالة الحربية في إسبانية.
يبقى للمسالة وجه آخر هو معدل التقارب بين وجهات النظر الأساسية من الجهتين. وهو افتراض بعيد نوعاً ما وليس هنالك ما يدل على وقوعه.
الحقيقة أنّ التساهل الجديد في مسألة مصير النزاع الإسباني لا يدل على تحسن في الموقف العام. بل على مهارة في الحسابات لربح الوقت. والوقت عامل هام وشرط ضروري للجبهتين.
ولمّا كان لا يجوز افتراض تراجع إيطالية وألمانية في إسبانية إلا إذا نالتا لقاء هذا التراجع ما يعادله من المصالح السياسية أو غيرها، فإن عدولهما عن الموقف السلبي الذي وقفتاه لا بد أن يكون بناءً على اسباب مبنية على غير فكرة التراجع.
وهذه الحقيقة لا يمكن أن تكون مجهولة بكاملها عند فرنسة وبريطانية. ولكن يظهر أنّ القبول بالأمر الواقع هو الحل السلمي الوحيد والطريق الوحيد لتجنب استعجال الأمور.
لا يضعف الموقف اللين الجديد خطورة الحالة العامة. فلا تزال الأمور في أفريقية معقدة، فضلاً عن [أنّ] الحالة في الشرق الأقصى تبعث على القلق، حتى أن رئيس البعثة الأميركانية إلى مؤتمر الدول التسع في بلجيكة لم يتردد في التصريح بأن الحالة الحاضرة تشبه في خطورتها حالة 1914.
إذا كان قبول إيطالية وألمانية سحب المتطوعين رمزاً إلى قرب انتصار القوميين الإسبان انتصاراً نهائياً فالحالة لا تدعو إلى التفاؤل بقدر ما تدعو إلى التشاؤم، لأنها ستقرّب احتمال الاصطدام العام بين القوات المطالبة بموارد والقوات المحتفظة بالموارد.
ومما لا شك فيه أنه إذا لم يؤّدِّ تحرّج الحالة ودنو الخطر إلى إيجاد تسوية مُرضية ولو إلى أجل فلا يبقى مناص من أن يتحول السلم المسلح إلى حرب مسلحة.

النهضة، بيروت
العدد 9، 23/10/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى