بناءُ الحياةِ القوميّة

الرفيق إدمون ملحم

كانت الأمّة السّوريّة قبل تأسيس الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ فاقدة للهدف الواضح في حياتها لا تدرك مصالحها وحقوقها، وكانت فاقدة لقضيّة وجودها ومصيرها ومطالبها العليا، وذلك نتيجة تعرّضها لغزوات وفتوحات وأطوار قاسية أضعفتها وأدّت إلى ضياع الشّخصيّة القوميّة والفوضى الاجتماعيّة والاقتصاديّة وضعف المعنويّات وفقدان الثّقة بالنّفس وبقوى الأمّة وإمكانيّاتها… وأدّت هذه الأحداث إلى سيطرة مشاعر اليأس والخوف في المجتمع المفكّك، ولم يعد هنالك من أهداف ومقاصد واضحة ولا قضيّة قوميّة جامعة لكلّ أبناء الأمّة، إلى أن جاء أنطون سعاده طارحاً سؤاله الأوّليّ: “ما الّذي جلب على شعبي هذا الويل؟”، ومن ثمّ أسئلته الفلسفيّة العميقة ومن بينها سؤال: “هل نحن جماعة لها هدفٌ في الحياة؟”.

وبعد البحث والتّنقيب وجدَ سعاده الخلل وأسّس القضيّة القوميّة في مبادئ الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ المعبِّرة عن شخصيّة الأمّة وإرادتها، ووضع الغاية الواضحة لإحداث النّهضة القوميّة الشّاملة للحياة القوميّة بكلّ مظاهرها ولترقية هذه الحياة بالنّظام القوميّ الاجتماعيّ الجديد، لتأخذ الأمّة مكانها اللّائق بين الأمم ولتعود إلى دورها الرّياديّ في الإسهام الحضاريّ وترقية الإنسانيّة. وقد انطلق سعاده في مشروعه النّهضويّ من رؤيةٍ إنسانيّة مستقبليّة توّاقة لحياةٍ راقية ولعالمٍ إنسانيّ جديد فيه كلّ أسباب التّقدّم والعدل والحريّة والخير والجمال… وهذه الرّؤية الإنسانيّة الواضحة عكست سموّ النّفسية السّوريّة الجميلة ومثلها العليا وهدفت إلى “إعادة النّبوغ السّوريّ إلى عمله في إصلاح المجتمع الإنسانيّ وترقيته”(1)، وإلى تحقيق “حياة أجود في عالمٍ أجمل وقيمٍ أعلى”.(2)

وفعل التّأسيس غايته الأساسية الواضحة هي بناء الحياة القوميّة الجديدة المثلى لأمّتنا… هي النّهوض بهذه الأمّة من واقع تخلّفها وجهلِها وانقساماتها والانتقال بها إلى المكان اللّائق بها تحت الشّمس لتنعم بالحياة الرّاقية الجميلة، حياة العزّ والكرامة والحرّيّة والسّيادة والاستقلال، حياةُ الخير والبحبوحة والرّقي والفلاح.

إنّ تأسيس الحزب القوميّ بما يعنيه من مبادىء مناقبيّة جديدة ومن تنظيمٍ بديع ومؤسّسات متنوّعة توثّق مصالح المجتمع وتوحّد جهود المنتجين والعاملين للقضيّة القوميّة الاجتماعيّة وتقضي على المفاسد في المجتمع، هذا التّأسيس لا يهدف خدمة أغراض شخصيّة ومنافع خصوصيّة بل تحقيق النّهوض القوميّ والإصلاح الحقيقيّ في المجتمع لترتقي حياتنا القوميّة وتصبح حياة جميلة حرّة.

بوجود الهدف القوميّ الواضح الّذي وضعه سعاده للأمّة وبعد تعيينه قضيّة المجتمع، تحوّل الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ الذي أسّسه سرّيّاً مبتدئاً بمجموعةِ أشخاصٍ إلى أمّةٍ ناهضة، وإلى آلاف من المؤمنين الّذين لا يعرفون العجز واليأس والاستسلام، بلّ يصارعون في الحياة من أجل غايتهم السّامية، لأنّ الأمل بمستقبل الأمّة الجميل يملأ نفوسهم المؤمنة ويُحفّزهم للبذل والعطاء والتّضحية اقتداءً بزعيمهم، ذي النّفس العظيمة المترعة بالآمال الكبيرة. سعاده الذي كرّسَ حياته لنهضة الأمّة ولتحقيق حياتها الجديدة، زارع الإيمان والثّقة والأمل في النّفوس، وواعداً بتحقيق الطّموحات الكبيرة والأماني العظيمة والحياة الجميلة الممتلئة حبّاً ونوراً وجمالاً.

الحقّ نقول، إنّ فعل التّأسيس ما زال مستمرّاً مع أبناء العقيدة القوميّة الاجتماعيّة الذين يصارعون في كلّ المواقع والسّاحات لدحر أعداء الأمّة وتثبيت سيادتها وتحقيق حياتها الجميلة الرّاقية… فهم يدافعون عن سيادتها واستقلالها وحقّها في الوجود ويتفانون في العطاء والتّضحية والاستشهاد لتنتصر القضيّة ولتسير الأمّة على طريق التّقدم والفلاح.

هوامش
1- سعاده في أوّل آذار، ص 58.
2- سعاده، الصّراع الفكري في الأدب السّوريّ، ص 69.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى