دور الغول انتهى!
شقّت الحركة السورية القومية الاجتماعية طريقها، من أول نشأتها في عهد التسلط الاستعماري الأجنبي المجاز “بانتداب” من جمعية الأمم التي ماتت عند ولادة منظمة الأمم المتحدة الحديثة، ضد طغيان مثلث: طغيان السلطة الاحتلالية الاستعمارية، طغيان الحكومات الوطنية المستمدة قوّتها من السلطة الاحتلالية الاستعماية، وطغيان الرجعيات الشعبية المتضاربة فيما بينها والمتعاونة مع الاحتلال الاستعماري وحكومات الاحتلال الاستعماري على صد تقدم الحركة القومية الاجتماعية.
كيف استطاعت هذه الحركة التحريرية والإنشائية العظيمة أن تنتصر على القوى الهائلة الضخمة التي اعترضت نشوءها وسيرها مشتركة ومتحالفة؟ كيف استطاعت هذه الحركة أن تنمو وتنتشر وتقوى وتغيّر النفسية التي كانت عليها الأمة السورية في عصور استسلامها وانحطاطها، وتقوم بعمل النهوض القومي الاجتماعي الجبار، وسط الاعتقالات والسجون والاضطهادات والإشاعات والأراجيف، بلا أموال ولا صحف ولا كتب ولا نشرات إلا فيما ندر؟
الجواب لا شكّ فيه: إنه سرّ النفوس الحقة العظيمة المضطلعة لقضية حقة عظيمة!
أنشأت الإرادات الأجنبية والرجعيات المتجددة قضايا متعددة كتّلت التفسخ القومي كتلاً متعددة:” فمن كتاب مارونية، ونجاجة سنية، إلى غساسنة أرثوذكسية، وطلائع شيعية، وشباب الإصلاح الدرزي، وطوائف عديدة من الأحزاب الطائفية المؤسسة على قضايا الحزبيات الدينية. وأخذت هذه التكتلات والأحزاب والطوائف تصطبغ بألوان القضايا القومية تمويهاً.
السياسيون المسيحيون والسياسيون المحمديون بثقافاتهم في الحزبية الدينية كانوا جميعهم بلا استثناء أعداء للحركة القوومية الاجتماعية، لأنّ هذه الحركة تقضي على الحزبية الدينية وتستاصل جذوعها النفسية من النشىء وتقوّص دعائم الطائفية التي يقوم عليها نفوذ السياسيين الرجعيين.
كانت مقاومة هؤلاء السياسيين الرجعيين الدينيي الحزبية والإقطاعيي النظرة السياسية الاجتماعية للنهضة القومية الاجتماعية أشد المقاومات التي لقيتها هذه الحركة وأعظمها اضطهاداً.
في لبنان تمسّك سياسيو الطائفية الانعزالية بسلاح عظيم يحاربون به الحزب القومي الاجتماعي وليس هذا السلاح إلا: الغول!
الحزب القومي الاجتماعي: غول، القومية السورية: غول، سورية الطبيعية: غول، الوحدة القومية: غول، لا تنسوا المذابح الدينية! أنظروا التعصب الديني، لا يمكننا أن نعيش مع “المتوحشين” خارج لبنان!
هذا هو السلاح السياسي السحري في الأوساط “اللبنانية الصرف”، هو كلمة السر وعلامة المرور في القومية الطائفية في لبنان، فحيثما سرت وأنّى اتجهت لا تستطيع المرور في طرق النفسية اللبنانية الحديثة التي تكوّنت في ربع قرن من ثقافة احتلال استعماري إلا بواسطة العبارة السحرية!
أما في الدول السورية الأخرى، وفي الجهة المقابلة للغول اللبناني في لبنان، فالغول هو هو ولكن الأسباب غير الأسباب:
الحزب السوري القومي الاجتماعي: غول، القومية السورية: غول، سورية الطبيعية: غول، لا تنسوا لغتكم ودينكم! فالوطن القرآن والرابطة الإسلام المحمدي، لا يمكننا أن نعيش إلا على خطط الدين ووحدة المؤمنين المتكلمين اللسان العربي المبين! الوحدة العربية تجمعنا ديناً ولساناً! لا تصغوا لمن ليس من ملّتكم ولا تتبعوا إلا أولياءكم! القومية التي لا تستند إلى الحزبية الدينية هي ضد الدين!
هذا هو السلاح السياسي السحري في الأوساط السورية “العروبية”. هو أيضاً كلمة السر وعلامة المرور في القومية الطائفية العروبية، وبدونها لا تستطيع المرور في طرق النفسية العروبية الحديثة التي تكوّنت في عدة قرون من تقاليد دينية وانهيار قومي.
كل سياسي يبني نفوذه على الحزبية الدينية يكون همّه تثبيت الأساس الذي يقوم عليه، ولكن تعاليم النهضة القومية الاجتماعية أجبرت الرجعيين الطائفيين على اختراع “القوميات” الطائفية أو الدينية دفاعاً عن الحزبية الدينية في الصراع بين الوعي القومي والنهضة القومية الاجتماعية من جهة، والتعصب الديني والعقدة الملّية التحجرية من جهة أخرى.
يجوز للسياسي اللبنانيّ “المثقف” في القومية الدينية أن يتصل هو ببعض السياسيين “المتوحشين” خارج لبنان، لأنه هو يعرف أن يتقي الغول. فهو يمكنه أن يتكلم في الوحدة السورية والوحدة العربية لأنّ الطائفية تبقى سليمة!
يمكن بعض السياسيين اللبنانيين أن يزوروا الملك عبد الله في عمّان، وأن يخابروه في صدد تصغير لبنان أو في صدد تأييد “سورية الكبرى”، ويمكنهم أن يزوروا الوصي عبد الإله في بغداد، ويمكنهم أن يزوروا رئيس حكومة الانقلاب الشامي، فلا مانع من ذلك لأنهم يحملون في صدورهم تعاويذ الحزبية الدينية والسياسية الطائفية!
ولكنهم يثبتون باتصالاتهم أنّ التفاهم بين “المثقفين” و “المتوحشين” ممكن، وأنّ السوريين لا يأكلون بعضهم بعضاً كما تفعل جماعات أكلة لحوم البشر!
إنّ الحزبية الدينية آخذة في الانهيار تحت مطارق النهضة القومية الاجتماعية، وإنّ أبناء الأمة من جميع الملل أصبحوا يدركون أنّ الشعوذة السياسية، طائفية كانت أو نايو رجعية، لا تحل مشاكل الشعب الاقتصادية ـ الاجتماعية.
إنّ الشعب قد استفاق واضطرت التشكيلات الطائفية عينها إلى بث مبادىء الإصلاح القومي الاجتماعي في أوساطها وإلى الدعوة في قومياتها الطائفية إلى اللاطائفية!
إنّ تحوّل السياسيين الاستغلاليين الطائفيين لم يعد يخيف إلا بقايا قليلة من الطوائف، والعبارة السحرية تفقد مفعولها يوماً بعد يوم.
إنّ الحركة القومية الاجتماعية في لبنان هي حركة صيانة وخير للبنان واللبنانيين وليست قوميتها السورية غولاً إلا عند الجهال والمشعوذين.
إنّ الغول يحتضر!
قد انتهى دور الغول وانتهى بانتهائه دور الوهم والخوف، وابتدأ عهد الثقة القومي الاجتماعي ـ عهد النهضة القومية الاجتماعية التي تقضي على المخاوف وتحقق حياة عز وحق للشعب.
الجيل الجديد، بيروت،
العدد 8، 15/4/1949