رأي النهضة – الاحتجاج إلى فرنسة
في صباح يوم الانتخابات النيابية الأول أعلنت اللائحة التي أطلقت على نفسها اسم “اللائحة الشعبية” في بيروت انسحابها من المعركة، ودعت إلى مقاطعة الانتخابات وأصدرت بياناً بالأسباب الداعية إلى هذه الخطة الفجائية وجّهته إلى “الأمة الكريمة” ذكرت فيه أنواع الضغط، وقد انصبّت على الناخبين لمنعهم من التصويت بحريّة.
ولو وقفت هذه اللائحة عند هذا الحد لكان ما فعلته قياماً بواجبها نحو كرامتها وتبعة ترشيحها. ولكنها لم تقف عند هذا الحد، بل رأت من باب الكرامة أيضاً أن تتوجه بالاحتجاج إلى:
باريس ـ (عشر نسخ):
وزير الشؤون الخارجية،
السكرتير العام للحزب الراديكالي الاشتراكي،
السكرتير العام للحزب الاشتراكي،
السكرتير العام للحزب الشيوعي،
السكرتير العام لعصبة حقوق الإنسان،
السكرتير العام لحزب الاتحاد الاشتراكي،
جريدة الأومانيته،
جريدة الأوفر،
جريدة البوبلير،
رئيس مجلس النواب
أما نص برقية الاحتجاج فكما يأتي:
“الإنتخابات التشريعية في بيروت تجري بقوة السلاح، تسليط العنف ضد الناخبين الشعبيين والديمقراطيين. عدة توقيفات استبدادية. الناخبون الحكوميون وحدهم يقبلون في مكاتب الاقتراع. سبق لسفير فرنسة أن ضمن حرية الانتخابات. نؤكد أنّ وعده لم ينفذ. نحتج على بسط حكم الهول. قررنا مقاطعة الانتخابات لساعتين من فتح الاقتراع في اليوم الأول، تفادياً من سفك الدماء. نرجو تدخلاً فعالاً لتعيين حكومة حيادية تضمن حرية الانتخابات”.
إمضاء
“جبرائيل منسى” “اللائحة الشعبية”
عندما تقدم أفراد هذه اللائحة من الترشيح نهائياً قالوا إنّ ما يدفعهم إلى ذلك ليس إلا قصد المدافعة عن كرامة الأمة التي مست في الائتلاف، وإنهم يعتمدون على كرامة الأمة ومناصرتها. ثم أعلنوا انسحابهم وأظهروا بيانهم. ثم أظهروا هذه البرقية التي جمعت أخلاطاً لم تجمعها برقية أخرى في التاريخ. فهي ليست موجهة إلى زميلة اللائحة الشعبية “الجبهة الشعبية” بصورة مجموعية من حيث هي الجبهة القابضة على أزمّة الحكم في فرنسة، ولا إلى وزارة الشؤون الخارجية فقط لعلاقتها بسياسة لبنان والشام، ولأنها تمثل الحكومة الفرنسية، ولا إلى مجلس النواب فقط باعتباره ممثلاً الأمة الفرنسية، بل إلى كل حزب من أحزاب “الجبهة الشعبية” وإلى عدد من الجرائد، وإلى وزارة الشؤون الخارجية وإلى رئيس مجلس النواب.
البرقية، من حيث الأخلاط التي جمعتها، عديمة القيمة السياسية وبعيدة كل البعد عن تحقيق الغرض منها، الذي هو التدخل الفعال في ممارسة الحكم الوطني القائم على أساس المعاهدة.
أما من حيث الأسباب الباعثة عليها فسخيفة جداً، لأن ما يدركه عميان السياسة، فضلاً عن مبصريها، هو أنّ تدخل دولة أجنبية وصية كانت أو غير وصية، في شؤون بلاد أخرى لا يمكن أن يكون إلا وفاقاً للقوانين والحقوق الإنترناسيونية وللعرف السياسين ولأسباب كافية، كحدوث فتنة عامة وما شاكل مما أعلن المفوض السامي أن يتصدى لوضع حد له. أما قيام بعض الموظفين والمأمورين ببعض الأعمال الشاذة وأما ضغط أنصار الحكومة أثناء عملية التصويت، فليس سبباً لتدخل المفوضية وليس سبباً للاحتجاج إلى فرنسة.
إنّ أول شروط الكرامة القومية الاعتماد على تأييد الشعب وحده. فإذا كان الشعب مقسماً على الأهواء الشخصية والمنافع الطائفية لا يستطيع القيام بعمل واسع النطاق فما شأن المفوضية في الأمر وما شأن وزارة الشؤون الخارجية؟
وبعد، فما شأن الحزب الراديكالي الاشتراكي وشأن الحزب الاشتراكي وشأن الحزب الشيوعي وشأن غيرها من الأحزاب في شؤون تجري في وطننا ونتشابك فيها بعضنا بالبعض الآخر؟
الحقيقة أنه ليس في هذه البرقية مقدار ذرة من الكرامة القومية ولا مقدار ذرة من الفهم السياسي أو الحقوقي.
قد يكون أفراد “اللائحة الشعبية” أشد الناس غيرة على الكرامة القومية، ولكن يجب ألا يساء استعمال الغيرة فيكون في إساءة استعمالها تحقير لمدارك الأمة ومواهبها العقلية.
هذا هو الفرق العظيم والبون الشاسع بين عمل الأفراد وعمل المنظمات القائمة على مبادىء قومية صحيحة، وتجري أعمالها ضمن مؤسسات خاصة. فالأفراد معرضون دائماً للنظرة الخصوصية في الأمور والغلط في التقدير الفردي والتصرف بالشؤون العامة على أساس النظر الخاص.
إننا نتصور جيداً وقع مثل هذه البرقية عند المرسلة إليهم.
إننا نحزن لمثل هذه البرقية.
النهضة، بيروت
العدد 13، 28/10/1937