رحلة الزعيم إلى خونين وكوردبة
أواسط كانون الثاني 1943
كانت السنة الماضية سنة إقبال محسوس على الحزب السوري القومي الاجتماعي، ويسر إدارة الزوبعة أن تعلم أنّ وجود هذه الجريدة ودروسها وأبحاثها الموحدة للفكر والشعور والمرمى كانت النور الذي جلا الشك والغموض من الأذهان، وقرّب كثيراً حقيقة الحزب السوري القومي الاجتماعي وحركته وغايته ومثله العليا إلى نفوس المواطنين في المغترب، وأرسخت العقيدة القومية الاجتماعية في عقول الذين لبّوا الدعوة تلبية حسنة وفي قلوبهم، وجعلها العامل الحيوي في تفكير عدد غير قليل من الأدباء وأهل الرأي وفي شعور كل وطني صادق الوطنية، نزيه القصد.
فانقشعت غيوم الريبة التي أحدثها تأويل الجهلاء وأصحاب المآرب الشخصية، وأخذ الناس يقتربون رويداً من الحركة القومية الاجتماعية ويطلبون الزوبعة ويقرأونها بعناية واهتمام.
وكثر عدد الذين يطلبون مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي المشروحة بقلم الزعيم، والذين، بعد قراءة المبادىء وشرحها، يعتنقون العقيدة السورية القومية الاجتماعية وينضمون إلى صفوفها.
من أجمل مظاهر اليقظة القومية الاجتماعية، الإقبال على الغاية السورية القومية الاجتماعية، الذي حدث في مدينة خونين.
وفي أواخر السنة الماضية وجّه القوميون الاجتماعيون في المدينة المذكورة دعوة إلى الزعيم لزيارة خونين، وأخذ قسط من الراحة فيها بين الرفقاء الذين أبدوا رغبة شديدة في أن لا يحرموا من مشاهدة الزعيم والاجتماع إليه وهو على مقربة منهم.
ولما كان الزعيم عازماً على أخذ فرصة راحة من عناء العراك السياسي والعمل الفكري العظيم، رأى أن يلبي دعوة رفقاء خونين فيتعرف وجوههم وروحيتهم ويتحدث إليهم في القضية القومية الاجتماعية في الاجتماعات والنزهات.
ولا غنى عن القول إنّ جميع سياحات الزعيم وتنزهات هي من هذا النوع العملي الذي يجمع بين الراحة النسبية والعمل. وما كاد الزعيم يبتّ في أمر زيارة خونين والانتقال بعدها إلى منطقة كوردبة الجبلية حيث يمكن الابتعاد عن الاحتكاك العملي وحصول نصيب أكبر من الراحة الضرورية لإنعاش القوى، ويبتدىء في أخذ الأهبة لذلك، حتى قَدِمَ من مدينة كوردبة الرفيق خليل سعاده لأشغال تجاربة ولزيارة الزعيم ودعوته باسمه واسم والده المحبذ الكبير للحركة السورية القومية الاجتماعية، عبود سعاده، ليكون الزعيم وعائلته ضيوفهما وعائلتيهما في «تكية سعاده»، المصيف الجميل، الرحب، القريب من حاضرة كوردبة.
فلم يسع الزعيم إلا تلبية هذه الدعوة من رفيقه ووالد رفيقه الصديق الخاص.
وتمّ الاتفاق على أن يكون حلول الزعيم في «تكية سعاده» في كوردبة، بعد زيارته مدينة خونين. وفي أواسط شهر يناير/كانون الثاني الماضي برح الزعيم وقرينته وابنتهما، الطفلة صفية، عاصمة الجمهورية الفضية إلى خونين حيث استقبلهم على المحطة، أعضاء اللجنة الرفقاء السادة، بشير علي خفاجة وعيسى محفوظ وجميل صايغ وقريناتهم وكريماتهم وقدّمت كريمة الرفيق خفاجة الآنسة سارة باقة زهر إلى الزعيم، على المحطة، وكان بين المرحبين على المحطة السيد سليمان الخوري، أحد وجهاء النزالة السورية في خونين. ومن المحطة توجه الجمهور إلى الجناح المعدّ للزعيم في الفندق، وبعد فرصة استراحة قليلة كان الجمهور على غداء جامع زانته الأحاديث القومية.
بعد يومين من الاستراحة بعناية الرفقاء أعضاء اللجنة وعائلاتهم الكريمة، بُلّغ الرفقاء إتساع الفرصة للسلام العمومي على الزعيم، فتوارد القوميون الاجتماعيون على مقر الزعيم، فتحدث إليهم وسألهم ووجد فيهم الروحية القومية الجيدة والاستعداد لتفهّم القضية القومية الاجتماعية المقدسة وخدمتها.
قضى الزعيم وعائلته في خونين نحو أحد عشر يوماً، كان فيها موضوع حفاوة القوميين الاجتماعيين. وقبل مغادرته المدينة المذكورة، ألقى خطاباً في جمع الرفقاء استغرق نحو ساعة وربع أو نصف، ويرى القارىء خلاصته في مكان آخر من هذا العدد (ص 415 أدناه) وفي الاجتماع المذكور تكلم كل من الرفقاء: بشير علي خفاجة وعيسى جبرين ورئيس وفد فرقمينة، عبد الله دروج.
كان لخطاب الزعيم وأحاديثه وشروحه تأثير قوي على القوميين الاجتماعيين، شدد إيمانهم بقضيتهم الحقة وقوّى عزائمهم.
وامتد التأثير إلى أفراد كثيرين لمّا يكونوا انضموا إلى العقيدة فجرى إقبال عظيم محسوس جعل المجموع السوري القومي الاجتماعي في مدينة خونين قوياً جداً.
لم يغفل الزعيم درس حالة الأفراد الذين كانوا انضموا، فوجد بينهم واحداً أو اثنين كانا اعتباطيين ولم يفهما القضية كما يجب وليس فيهما الصلاح فأشار على المسؤولين بإهمالهما وإلغاء وجودهما في سجل القوميين الاجتماعيين.
وكان وراء هذه التنقية النتيجة الجيدة المتوخاة.
جرى في أثناء وجود الزعيم بعض سوء تفاهم بين أعضاء اللجنة القومية الاجتماعية التي وجهت الدعوة باسم القوميين الاجتماعيين إلى الزعيم ليزور خونين متنزهاً، وعدد من رجال النزالة السورية في خونين، الذين أبدوا أسفهم ولاموا اللجنة، لأنها لم تخبرهم عن مقدم الزعيم ليشتركوا في استقباله ويساهموا في الحفاوة به.
وكانت وجهة نظر الأشخاص المشار إليهم أنهم يحترمون الزعيم ويكبرون عمله وأنّ لهم الحق بالمشاركة في استقباله لأنه للجميع وعمله للجميع. وقد لوحظ أن بعض الأصابع الخفية حاولت دس أسباب للخلاف حول هذه النقطة، ولكن سوء التفاهم زال معظمه بالمقابلات ا لخصوصية بين بعض أعضاء اللجنة وبعض الأفراد اللائمين.
عاد الزعيم وعائلته من خونين إلى بيونس آيرس وبقي هنا ليلة وفي اليوم التالي سافر إلى كوردبة، مصحوباً بعائلته، بعد أن أوصى بما يجب.
وعند وصوله إلى مدينة كوردبة كان على المحطة لاستقباله، جمهور من القوميين والمحبذين والأصدقاء وعائلاتهم، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم صديق الزعيم ومؤيد الحركة السورية القومية الاجتماعية، السيد عبود سعاده والمدير الرفيق يوسف رحمون العيط والناموس الرفيق سليم صوّى، فكان استقبالاً حاراً.
من المحطة سارت السيارات إلى مسكن الصديق عبود سعاده، وهو قصر جميل في كوردبة الجديدة المرتفعة، حيث أنزل الزعيم وعائلته للاستراحة فأديرت المرطبات والمنعشات والسندويش وتبودلت عبارات الاشتياق وتقبّل الزعيم تهانىء الجميع بوصوله سالماً ودعاءهم له بالراحة والتوفيق. وعلى الأثر أُعدّت سيارة الرفيق خليل عبود سعاده، التي أقلّت الزعيم وعائلته إلى «تكية سعاده» الفسيحة الأرجاء القائمة على هضبة جميلة يجري في أسفلها «النهر الأول» وإلى جانبها الشمالي الغربي تسيل ساقية غزيرة الماء، وأنزل الزعيم وعائلته في الجناح المعدّ له في ضيافة الرفيق خليل سعاده وقرينته السيدة الرفيقة فيكتوريا يونس سعاده.
بعد استراحة الزعيم نحو يومين ابتدأ يتوافد للسلام عليه، عدا عن رجال الحركة الرجال القادرون على العمل القومي الاجتماعي العظيم الذي يقوم به سعاده. وكان في طليعة المقبلين السيد عبد الرزاق دعبول، الخطيب الوطني المتقد، والسيدان محمد وعبده باز.
ثم وفد السادة أسعد شكر، رئيس الجمعية السورية اللبنانية في كوردبة وأحد وجهاء النزالة السورية فيها والوجيهان السيدان فدعا ويوسف مخول.
وتلاهم عدد غير قليل من أهل الرأي والاهتمام وأصحاب الغيرة الوطنية.
تلا ذلك قيام الزعيم بردّ الزيارة للوجهاء المذكورين فرأت النزالة السورية في كوردبة في وجود الزعيم حركة اجتماعية ــــ روحية قوية.
فعدا عن التعارف وأحاديث المؤانسة والحفاوة، جرت أحاديث كثيرة تناولت مشاكل سورية وعمل الحركة السورية القومية الاجتماعية التي يقودها سعاده.
وكان لشروح الزعيم وقعها الحسن في النفوس وأجمع الناس على أنه لا أمل لسورية بالنهوض إلا بواسطة الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي وضع قواعد نهضة قومية حقيقية صحيحة، وأوجد المثال الأعلى الجميل الذي يجد فيه السوريون كل ما يتوقون إليه في مجرى حياتهم وأطوارها. وبعض النفوس اليائسة التي كانت تسأل:
أيصير؟ أيتحقق هذا الحلم؟ اقتنعت، على ضوء الشواهد والأمثلة التي أوردها الزعيم بأن القضية ليست قضية حلم، ولا قضية أشواق عمياء تائهة، بل قضية واقع لم يبقَ سبيل لإنكاره أو للشك فيه، قضية اتحاد قومي حقيقي جمع السوريين جمعاً فعلياً من كل الملل والنحل في مطلب قومي اجتماعي أعلى واحد يطلبه الجميع بقلوب نقية صافية يندهش من إخلاصها الذين ربيت نفوسهم في جو المخاتلة والخداع والرياء والمواربة ويأبون أن يصدقوا ما تراه أعينهم وتسمعه آذانهم.
في هذه الأثناء تألفت لجنة «الاحتفال بمولد الزعيم» وقوامها السادة الرفقاء والمحبذون الآتية أسماؤهم: عبود سعاده، يوسف رحمون العيط، أسعد شكر، سليم صوّى، يوسف مخول. وفي ليلة 28 فبراير/شباط ــــ 1 مارس/أذار أقيمت الحفلة التذكارية لمولد أنطون سعاده فكانت حفلة كبرى رائعة بصفوف الحاضرين وبالخطب التي قيلت فيها والرسائل والبرقيات التي وردتها وبالروحية الحارة التي تجلّت فيها كما سيأتي وصفه.
عقب الحفلة التذكارية حركة تأييد وإقبال في أوساط السوريين الذين لم يتح لهم من قبل أن يقفوا على حقيقة الحزب السوري القومي الاجتماعي والقضية المقدسة التي يعمل لتحقيقها والمعنويات العالية التي يمتاز بها.
وبعد مرور بضعة أيام على هذا الحادث الكبير الأثر، أنجز في خلالها ما اقتضته الحالة ومن ضمن ذلك طرد فردواحد وجد فيه التقلب وسوء السلوك وأمر بإهمال فرد آخر ظهر أنه ليست له قوة المناقب والأخلاق اللازمة للقيام بواجب النظام.
وفي مقابل ذلك أجاز قبول عدد من طالبي الانضمام وأوصى بما يحسن أو يجب تفيذه. وعاد إلى بيونس آيرس، مشيعاً من جمهور كبير من الرفقاء والأصدقاء واستقبله على محطة رتيرو جمهور من القوميين الاجتماعيين.
كانت رحلة الزعيم موفقة جداً فحدث نشاط واسع في الأوساط السورية لم يقتصر على مدينتي كوردبة وخونين، بل تناول عدة ولايات، خصوصاً بموافقة الرحلة مجيء أول مارس/أذار الذي حرك الهمم ونبّه الشعور.
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 61، 15/6/1943