الاضطرابات الأخيرة في الوطن والحزب السوري القومي


في العدد الثاني عشر من هذه الجريدة، الصادر في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، نشرنا الأخبار الواردة من الوطن في صحفه الواصلة متأخرة عن اعتقال المرة الثالثة من رجال إدارة الحزب السوري القومي. وقلنا آنئذٍ إنّ تلك الأخبار، بعد الأخبار التي سبقتها عن الاعتقالات الأولى والثانية، تدل على أنّ «حرباً هائلة مضطرماً أوارها ناشبة بين الحزب السوري القومي، المجاهد الوحيد في سبيل حرية الشعب السوري واستقلاله وصيانة مصالحه، والسلطة الأجنبية وعمّالها النفعيين، وإنّ هذه الحرب دائرة رحاها بدون هوادة، وإن كان لا يصل المهاجر من أخبارها إلا القليل الذي لا يشفي الغليل». (ص 141 أعلاه).

وقلنا أيضاً في ختام ذلك التعليق إنّ الأخبار الواردة بطرق خاصة تفيد أنّ اعتقالات رجال إدارة الحزب السوري القومي قد أحدثت «موجة استياء شديد في مجموع الشعب وتقول بعض المعلومات إنه يخشى من هياج شديد على هذه المظالم» وإنّ الاستياء قد سرى في جميع أنحاء البلاد وأخذ يتحول إلى غضب شديد، الأمر الذي دفع رئيس مجلس المديرين في دمشق إلى اتخاذ تدابير جديدة، وإرسال كتاب إلى مدير الشرطة يذكّره فيه بوجوب تفريق التجمعات السلمية بالقوة لأنها ممنوعة. (ص 142 أعلاه).

والآن نقول إنّ الأخبار كانت صادقة وصحّ ما توقعناه من حدوث اضطرابات. فقد نشرت جريدة «لا ناسيون» في عددها الصادر في الحادي عشر من هذا الشهر برقية لشركة «أسوشياتد برس» صادرة عن دمشق هذه ترجمتها: «قد أقفلت السلطة الجامعة السورية ومدارس التجهيز والمدارس الابتدائية، وذلك بسبب المظاهرات ضد التدابير المتخذة لتوزيع الأغذية. وقد نتج عن الاضطرابات سقوط أربعة قتلى وعدد من الجرحى، ولكن يظهر أنّ الهدوء عاد اليوم إلى دمشق والمدن الشامية الأخرى. وقد انسحبت من شوارع المدينة الجنود الفرنسية التي فرّقت التظاهرات برغم المفوضين».

ثم بعد يومين نشرت لاناسيون» برقية أخرى للشركة المذكورة صادرة عن القدس بتاريخ 12 مارس/آذار الحالي هذه ترجمتها: «تقول أخبار واردة من بيروت إنه قد حدثت هناك اضطرابات خطيرة واعتصابات ناتجة عن تدابير القمع التي اتخذها مفوض حكومة فيشي السيد هنري دنتز. وتزيد الأخبار أنّ دوريات من الجند والشرطة تطوف في شوارع المدينة، وأنّ الشرطة في دمشق قبضت على نحو مئة من المضربين الذين حطموا واجهات المحلات التجارية وبعض عربات الترام في إحدى التظاهرات».

هذه هي الأخبار الأخيرة. ووصولها بهذا الشكل الفجائي هو نتيجة ما ذكرناه في العدد الثاني عشر من أنه لا يصل من أخبار الحرب الناشبة بين الحزب السوري القومي والسلطة المحتلة غير القليل. ومع ذلك ففي هذا القليل كفاية للخبراء المطلعين.
ولكي نفهم خطورة الحالة الحاضرة في الوطن وأسبابها، نضيف إلى أخبار الاعتقالات الأخيرة لرجال الحزب السوري القومي الخبر التالي الذي نقلته عن صحف الوطن جريدة «البيان» النيويوركية في عددها الصادر في 14 يناير/كانون الثاني الماضي:
«جاء في تقرير الدرك أنه شوهد على جدران المنازل والحوانيت، في كفرشيما، نشرات من الحزب السوري القومي فنزعت وسلّمت إلى النيابة العامة.
«وقد وقعت الشبهة على جرجي طنوس طعمة وجوزيف كنعان والياس الخوري الملقب بالملك وجميعهم من كفرشيما. فقبض عليهم رجال الدرك بتهمة توزيع نشرات الحزب».

وإذا جمعنا إلى هذا الخبر الخبر السابق من نوعه الذي نقلناه إلى العدد 12 من «الزوبعة» عن جريدة «السمير» بشأن عتقال أحمد عبد الله الشيخ بسبب توزيعه نشرات الحزب السوري القومي، تبين لنا أنّ عمل الحزب السوري القومي للوقوف في وجه الظلم كان عملاً جدياً مستمراً. وكما كان الطلبة السوريون القوميون في الجامعة السورية أساس الحركة في أوائل سنة 1936 التي انتهت بقبول الفرنسيين المفاوضة لعقد معاهدة تحل محل الانتداب، كذلك هم اليوم الأساس لهذا التيار الجديد الذي جمع، لأول مرة، بين بيروت ودمشق. وهكذا تحقق أخيراً ما توقعه في سنة 1936 السيد باستيد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس نواب فرنسة حين أشار إلى التغيير الكبير الذي أحدثه في وضعية سورية والمسألة السورية وظهور الحركة السورية القومية.

وفي هذا العدد، كما في العدد السابق نسأل السوريين المهاجرين إذا كانوا يشعرون بالواجب الذي يضعه الشرف عليهم؟
ولكن تيار الدعاوات الغريبة قد صم آذان السوريين المهاجرين عن الدعوة القومية، فهم الآن لاهون بالتبرع للصليب الأحمر الإغريقي وبتمجيد البطولة الإغريقية، وكانوا قبل الآن لاهين بالتبرع للصليب الأحمر الفرنسي وبتمجيد جيش فرنسة. وقسم منهم سيلهو غدا بلعبة «مؤتمر» موهوم.

أما الحركة السورية القومية ــــ أما حركة الشعب السوري الخارجة من صميمه، فلا مطران يدعو للتبرع لها، ولا كاهن مثقف يكتب المقالات الطويلة في أهميتها، ولا مفتي يفتي بتأييدها، ولا شيخ يدعو إلى شد أزرها.
وأما الضمائر الحية في الجوالي السورية فأين هي؟

الزوبعة، بوينس آيرس،
العدد 16، 15/3/1941

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى