الدول السورية تستفيق

أخيراً، وبعد نكبات كيليكية والإسكندرونة وفلسطين، أخذت الدول السورية تستفيق إلى ما أعلنته الحركة القومية الاجتماعية من وحدة الحياة ووحدة المصير، وإلى وجوب توثيق الروابط فيما بينها أولاً.

ما كاد الانقلاب يحدث في الشام حتى جرت محاولة لتوثيق الروابط بينها وبين ما بين النهرين. فزار رئيس وزارة العراق [نوري السعيد] من بضعة أيام دمشق، واجتمع بأركان حكومة الانقلاب السورية ووضعت في هذا الاجتماع قواعد التفاهم بين الدولتين السوريتين التي يقال إنها تمدد إلى لبنان.

تدل هذه الخطوة على أنّ الحكومات قد بدأت تقترب من حاجات شعوبها، وأنّ “سياسة الدولة” في هذه الحكومات قد ابتدأت تدخل في تطور خطير ستكون له نتائجه البعيدة المدى تجاه المسائل الإنترناسيونية الهامّة.

إنّ الخطر اليهودي الذي سيتعاظم شهراً بعد شهر على حدود الدول السورية، قد أيقظ الشعب ونبّه الحكومات إلى النظرة السورية القومية الاجتماعية القائلة: إنّ القضية السورية القومية، هي قضية قائمة بنفسها لأنها تختص بحياة الأمة السورية ومصيرها. فالخطر اليهودي في فلسطين لا يهدد العُربة بالاستيلاء عليها، ولا يهدد مصر تهديداً مباشراً، ولا يتناول بالتهديد أي قطر آخر من اقطار العالم العربي. فهو خطر على الدول السورية مباشرة وبالتالي خطر على وجود الأمة السورية وحياتها.

قضية اليهود الصهيونية تختص بسورية الطبيعية كلها. واليهود يرمون إلى التوسع باستمرار إلى أن يستولوا على سورية الطبيعية، ويقيموا فيها دولة قوية، وبعد ذلك يتوجهون إلى الاستعمار. فإنّ من تعاليم تلمودهم أن يفرضوا الجزية على الأمم بعد إقامة دولتهم في سورية وسيادتهم عليها! فنزاع الحياة والموت هو بين الأمة السورية واليهود، فإما أن تنتصر الأمة السورية، وإما أن ينتصر اليهود!

غريبة هي، في هذا الصدد، أعمال العقلية الانعزالية في لبنان المؤسسة في تفكير الدولة الدينية. فهناك ترحيب هائل بغفلته بقيام الدولة اليهودية إلى جانب الدولة المسيحية التي لا تزال تراود أفكار الفئة الرجعية الانعزالية، وتتردد في أحلامها. إنه ترحيب الباحث عن صفته بكل قوّته!

إنّ لبنان هو أقرب الدول السورية إلى مطامع اليهود، والدعاوة الصهيونية تعمل كل ما في وسعها لإيجاد شقة واسعة بينه وبين الدول السورية الأخرى. فقد لاحظ الساسة اليهود نجاح سياسة الاحتلال الأجنبي في تغذية فكرة الدولة الدينية لتتمكن من البلاد، وأخذوا يسلكون طرق تلك السياسة في دعاوتهم في محطتهم الإذاعية في تل أبيب وبواسطة دعاتهم المنبئين ونشراتهم.

إنّ كتائب الرجعة الانعزالية لا تتمكن من فهم المقاصد القومية، ولا القضايا الاجتماعية الكبرى. ولذلك تصر على العمل بكل قواها على جمع قوى الطائفية وتكتيلها حول فكرة الدولة الدينية القاتلة، وعلى “التفاهم” مع أعداء لبنان أو “التعاقد” معهم على نجاحهم في بناء “إسرائيل” وضم لبنان إلى أملاكها!

كان من المحتمل أن تنجح كتائب القومية الدينية في مهمتها العظمى فتحيط المسيحيين والطائفة المارونية خاصة بنطاق من العداء والكره، ثم ترميهم في أحضان “دولة إسرائيل” لإنقاذهم من المحمديين “الذين لا يمكن العيش معهم”! كان من المحتمل ذلك لولا وجود الحركة القومية الاجتماعية ورسوخ تعاليمها القائلة بالدولة القومية، لا بالدولة الدينية، في نفوس عشرات الألوف العاملين اليوم بإيمان لإنقاذ الأمة والوطن من الرجعة ومصير الرجعة.

كان نشوء الحركة القومية الاجتماعية حرباً معلنة على الرجعة، وقد أدركت الرجعة حالاً، ولأول وهلة أنها تدخل حرباً تدل كل الدلائل على أنها حربها الأخيرة. ولكنها لا تجد مندوحة لها عن الحرب لأنها مفروضة عليها شاءت أم ابت. وآخر خشبة تحاول الرجعة في لبنان التعلّق بها هي خشبة التحالف مع اليهود ضد لبنان وضد سورية كلها!

لا أعتقد أنّ كتائب الرجعة والاستعمار تستطيع بكل نايورجعيتها إيقاف سير الحركة القومية الاجتماعية المنتصرة. إنّ لبنان قد استفاق على أبواق النهضة السورية القومية الاجتماعية، وأدرك أنّ القومية السورية ليست غولاً، وأنّ الحركة القومية الاجتماعية هي الحركة اللبنانية الصحيحة في لبنان، لأنها من الشعب وله، وأنّ خير لبنان هو في التعان مع بقية الدول السورية، والتفاهم على توحيد الجهود لدفع الأخطار الخارجية.

لو كانت الدولة السورية أصغت إلى دعوتي من زمان لما رأينا هدنة أولى، ولا هدنة ثانية في فلسطين، ولما رأينا أبناء أمتنا سوريي فلسطين يخرجون من ديارهم ويشرَّدون.

لا يصان لبنان بعقلية “القومية الدينية” والقضايا الرجعية، بل بالنهضة القومية الاجتماعية.

 الجيل الجديد، بيروت،

العدد 12، 21/4/1949

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى