الرسَــالة 5 – ادويك


ادويك !

تمرّ الأيام ولست أدري ما سبب صمتك الطويل. ألعلَّ الحق في ذلك عليَّ؟
إننا قد اجتزنا أعظم أزمة مرّت بالحزب حتى اليوم. فإن ما تعَّرض له الحزب بمناسبة الانتخابات كان شيئاً لم يسبق لأمتنا أن اختبرت مثله في العصور المتأخرة. وقد حلّلت تحت “رأي النهضة” بعض التجارب التي مرّت بنا، وقد تكونين اطلعت عليها في الجريدة.

لا أدري إذا كانت الجريدة قد سبَّبت بعض تصادم في وجهة النظر، فقد عرضت في بعض المقالات الأولى في السياسة الخارجية للاتجاهات التي يقول بها بعض المتزلفين منا لبعض الملوك في الأقطار العربية، وأشرت إلى بلاد العرب والعراق بوجه خاص، ولكن هذا لا يعني أننا نحمل على العراق، بل يعني أن علاقتنا يجب أن تكون علاقات ودِّية نزيهة لا إذاعية مصطنعة، كما هو الواقع في كثير من الأحوال.

إني أتابع استعداداتي للسفر الذي أجد أنه لا بدّ منه إذا كنت أريد فتح طريق جديدة لنموّ الحزب، وإيجاد الوسائل الكافية لتقوية مادياته ومعنويته، فإن انتشار الحركة أصبح يتطلّب نفقات كبيرة لإدارة واسعة متشعبة، والأمة قد افتقرت وأغنياؤها ورأسماليوها في غفلة عن حاجاتها ومتطلّبات كرامتها، فلم يبق أمامنا سوى المهجر الذي يتمكن من تقوية مركزنا تجاه القوات السياسية المتربّصة بنا. ويجب أن أزور المهجر في أقرب فرصة لأتمكن من إيجاد الوسائل اللازمة لتنفيذ القسم الأعظم من برنامجي العملي الذي لا يزال معظمه واقفاً.
صحتي، ولا أقول صحتي، بل أعصابي قد أخذت تتحسن بفضل القليل من الراحة والرياضة الذي تمكنت من الحصول عليه في الأيام الأخيرة. وإدارة الحزب المركزية تعود الآن إلى الانتظام بعد الظروف الحرجة التي كنا نحيا فيها. وهذه الحالة تمكني من التفكير والتخطيط واستنباط الطرق، وتسمح لي بالافتكار بحبيبي النائي وبالآمال التي أشتركَ معي في تصويرها.

إن كثيرين كانوا ينتظرون من الحزب أن يقف موقفاً عدائياً من الحكومة. ولكن الحزب قد وقف موقفاً مسالماً، لأنه يحتاج إلى هدنة يتمكن خلالها من إحياء نشاطه السابق وتقوية حيويته وتنظيم داخليته وتكميل استعداداته. وقد أجبت في مقالات تحت رأي النهضة على الذين كانوا يظنون الحزب وسيلة من وسائل الاستغلال.

إني أكاد لا أصدِّق بأن هذه المدة قد مضت من غير كتاب منكِ، حتى بتُّ أحسب أن في الأمر سراً غامضاً. ورأيت، على كل حال، أن أغير عنواني السابق الذي أعطيتك إياه. فلتكن رسائلك بواسطة السيد يوسف الصائغ في الجامعة الأميركانية بدلاً من واسطة السيد سامي قربان، لأن روحية هذا الأخير لم تعد في المدة الأخيرة كما كانت في السابق. فهو قد صار من الذين يريدون أن يجدوا مبرِّراً لتراجعهم عن القيام بواجبهم القومي. أو لتكن رسائلك إليِّ رأساً إلى بيروت فتصل!

أظن أني عما قليل أتمكن من مغادرة بيروت إلى الجبل لبضعة أيام. سيكون الطقس الجبلي بارداً ولكني أحب البرد، وأشتاق كثيراً إلى اختبار الشتاء في الجبل. وستكون أشجار البلوط والفاكهة عارية فتتغير المناظر التي كانت تحيط بالبيت في عين القسيس “ودينة الجرَّة”، ولكن أشجار الصنوبر على مطل الدير ستبقى دائماً خضراء إلى أن يكسوها الثلج فتتخذ منه تيجاناً بيضاء. هناك سأسير وحدي واثقاً من نفسي ومن الفتاة التي أحببت.

ادويك! مهما يكن من الأمر اكتبي وصرِّحي فإني أضعف أحياناً، ولكن الضعف عارض، أما القوة فثابتة. لذلك فإني أقدر على الفهم والاحتمال. واسلمي.

(التوقيع)
في 12 نوفمبر 1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى