خطاب الزعيم في اول آذار

(الخطاب الذي ارتجله زعيم الحزب القومي الاجتماعي في احتفال الحزب بذكرى أول آذار/ مارس).

ايها القوميون الاجتماعيون،

أيها ألأصدقاء،

يذكر الرفقاء الأُول في الحركة القومية الاجتماعية مثل هذا اليوم من سنة 1935، وأحدهم الأمين عبد الله قبرصي، إذ جاؤوا إليَّ مساءً وأنا في المركز الأول للحركة القومية الاجتماعية في كوخ قائم خلف بناية في رأس بيروت، يحملون باقة زهر لمعايدتي في ذلك المساء، فكان جوابي على معايدتهم قسمي المثبت في الدستور (أنظر ج 2 ص 1)، هذا القسم الذي لم يكن شرطاً في العقد التجاري بيني وبين القوميين الاجتماعيين، لأنه لم يكن ولا يوجد بيني وبين القوميين الاجتماعيين عقد تجاري. كان قَسَمي، في صميمه، أني وقفت نفسي على هذه الأمة، على أن اسعى لرفعها من حضيض الذل والاستعباد، إلى الرقي والمجد ـ إلى حياة العز. فلم يكن قَسَمي شرطاً لقَسَم القوميين الاجتماعيين على الولاء للعقيدة والنظام القوميين الاجتماعيين وللزعيم، إذ لم يكن لأحد قط شك في حقيقتي وعزيمتي، ولم تؤسس القضية السورية القومية الاجتماعية على الشك بل على اليقين!

أقسمت غير شاعر أنني أقدّم منّة للأمة، أقسمت شاعراً أني أُعطي الأمة ما يخصها. كل ما فينا من خير وطموح وعظمة ليس شيئاً من خصوصيات الأنانيات الصغيرة المحدودة، التي لا يمكن أن تبني عظمة أو تتسع لعظمة وطموح، بل هو من صميم العظمة الواسعة، اللامتناهية، المستمرة التي هي عظمة المجتمع عظمة الأمة السورية التي نحن أبناؤها وموطدو حقيقتها وعظمتها.

كل ما فينا هو من الأمة وكل ما فينا هو للأمة. الدماء التي تجري في عروقنا، عينها، ليست ملكنا. هي وديعة الأمة فينا ومتى طلبتها وجدتها!

إنّ الذين يعيشون لذواتهم يعيشون في نطاق الأنانيات الصغيرة، المحدودة، التي لا تستحق إلا الازدراء والاحتقار!

إنّ الذين يطلبون الفخفخة، ويطلبون جاهاً لأشخاصهم يشترونه بآلام الشعب يبيعونها ليشتروا ذلك الجاه، هم في حقارة تعلو، لتظهر بأقبح ما يمكن أن تظهر به حقارة في المجتمع الإنساني. نحن، القوميين الاجتماعيين، منذ نشانا نشأنا فكراً جديداً وحياة جديدة، وجهتهما ذروة الشرف والمجد، يصارعان فكراً قديماً وحياة قديمة وجهتهما حضيض اللؤم والذل!.. لذلك نحن حركة صراع، لذلك نحن حركة قتال، حركة صراع بالمبادىء التي نحمل، وقتال بالدماء الحارة التي تجري في عروقنا، والتي سوف تحوّل أرض هذا الوطن إلى وطن الزوبعة الحمراء المنطلقة لتحكم كل نذالة وكل قبح، ولتصل بهذا الشعب إلى المجد!

لو لم نكن حركة صراع لما كنا حركة على الإطلاق. لا تكون الحياة بلا صراع. تنمو الحياة بقوة تتحرك وتفعل، تصارع ما حولها، لتثبت ذاتها فإذا تنازلت عن الصراع، تنازلت عن الحرية، وتنازلت عن الوجود، وعن حق الحياة!… الطفل يولد للصراع، والطفل الذي لا قوة له على الصراع لتثبيت حياته، لا يمكن أن يعيش. وهذه الحركة التي هي كائن حي اجتماعي، هي حركة، لأنها فاعلية صراعية تقدر أن تجابه ما يعترضها وأن تشق لنفسها طريق التقدم والنمو والبسطة والعز، فإذا لم تكن لهذه الجماعة هذه القدرة على التحرك والتغلب على ما يعترض طريق النمو، كانت جثة هامدة أو اختلاجة نبضت فينا ثم تلاشت!… لم تولد هذه الحركة جثة هامدة، ولا اختلاجة زائلة، بل نشأت صراعاً، لإقامة نظلام وحياة جديدة. نحن نصارع دائماً في سبيل تحقيق غايتنا وكلما تراكمت علينا الصعاب تجددت قوانا وسحقت ما اعترضنا من صعاب!… هكذا تغلبنا على اليأس والقنوط، هكذا تغلبنا على المفاسد والانحطاط، هكذا تغلبنا على الجنود المسلحة، وهكذا سنتغلب على كل قوة أو صعوبة تحاول أن تقف في وجه هذه النهضة الغالبة القاهرة!

يقول لنا البعض: “لستم سياسيين، المسألة تحتاج إلى مرونة وسياسة” إننا نعلم أنّ القضايا الخطيرة تحتاج إلى فاعلية وقوة قاهرة، ولكن ماذا يفهمون بالمرونة والسياسة؟ وماذا نفهم نحن بالمرونة والسياسة؟

قد نتفق على ضرورة المرونة والسياسة! فإنّ بعض المرونة والسياسة ما نرفض أن نأخذ به، وإنّ من المرونة والسياسة ما نقول به، وما لا قبل لهم على الاضطلاع بأعبائه. نحن لسنا بهذه الصعوبة وهذه الصلابة في السياسة التي يتصورها الواهمون الجاهلون، ولكننا لسنا بهذه السهولة في معترك العقائد، معترك الأهداف والمبادىء والغايات والأسس الأخلاقية التي لا تنهض أمة إلا عليها. نحن نتساهل في السياسة ولكنهم لا يقدرون أن يحوّلوا عقائدنا إلى سياسة، وسياستهم إلى عقائد لنا!

السياسة عندنا فن يخدم غاية. أما الغاية فقد قررناها وقد حاربنا في سبيلها. فهي موجودة ونحن فيها سياسيون، لا مراوغون ولا متلاعبون ولا محتالون. نحن في السياسة آخذون بما تقضي به قواعد النهوض بالأمم. وإنّ من السياسة الصلابة حيث تجب الصلابة، والقتال حيث يجب القتال، والمرونة حيث تفيد المرونة!..

نشأنا حركة صراع وسرنا في الصراع، ولا نزال نسير في الصراع. وإنّ الصراع لم ينته، وهو ليس بمنته انتهاء كلياً أبداً. إننا قد قطعنا أشواطاً، ولكننا لم نصل إلى النتيجة العظيمة التي نسير ونقترب إليها. وهذه النتيجة لا نهاية لها مطلقاً، فكلما اقتربنا إلى قمة منها امتدت بنا قدرتنا إلى قمم نحن جديرون ببلوغها وبالسير إلى ما وراءها. ليست العظمة ولا غاية النفس العظيمة، محدودة في نقطة أو مكان مادي معيّن يصل إليه الإنسان.

إنّ النفس العظيمة تتألف، في عظمتها، من درجات وأجواء تتسع وتمتد وتعلو، ولكنها لا تقف عند نقطة أبداً، لأنّ العظمة الحقيقية التي تصل إلى نقطة وتقف تعلن أنها انتهت، فهي دون العظمة الحقيقية التي لا يمكن أن تُحد. العظمة الحقيقية لا تنتهي أبداً.

قلت إنّ الحياة تعني لنا وقفة عز فقط. وقلت أيضاً إننا نقتل العيش لنقيم الحياة. إننا أردنا حياة لا عيشاً، بين الحياة والعيش بون شاسع وفرق عظيم. الحياة لا تكون إلا في العز، أما العيش فلا يفرّق بين العز والذل، وما أكثر العيش في الذل حولنا!

حولنا ذل يكتسي أحياناً ثوب العظمة، ذل مراء يحاول أن يظهر بمظهر العزّ! ذل حقير أناني يحاول أن يكون عظمة حقيرة أنانية! ما أكثر ما حولنا من هذه العظمات الحقيرة الأنانية التي لا يمكن أن ترى ذلّ الشعب ولا أن تتألم لألم الشعب. إنّ هذه العظمة الأنانية التي لا تزال تفتك بموارد حياة هذا الشعب، تقف منتصبة أمامنا، تصارع بسلاح اللؤم والغدر، وتهلك موارد الأمة في حربها اللئيمة الذليلة لتقيم عظمة ذلها!

إنّ الحرب قائمة بيننا وبينها، وهي ضرورية ليكون لنا الانتصار الذي نسير إليه. لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا، إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم، الحقيرين في عيشهم، الذليلين في عظمة الباطلّ.

إنّ الصراع بيننا وبين اليهود، لا يمكن أن يكون فقط في فلسطين، بل في كل مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة، بفضة من اليهود. إنّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب!

إنّ الصراع هو صراع حياة وموت فإما أن تنتصرهذه النهضة التي تحقق بعث حياة أمة فتية جديدة، أمة تعرف أنّ الحياة عز، وترفض الحياة في ما دون الصراع ودون العز. وإما أن ينتصر الانحطاط وتغلب الرجعية التي تمثّل عيش جماعة فانية هالكة، جماعة ترفض صراع العز وتاخذ بصراع الذل: الاستسلام والقعود!

إنّ الصراع فرض حتمي علينا إذا كنا نريد أن نكوّن حياة، أن نكوّن عزاً. إنّ الصراع يعني قوة في الوجود. والقوة لذلك هي أساس من أسس هذه النهضة القومية الاجتماعية.

في سيرنا في طريق النهوض، وفي عملنا بالقواعد الأساسية لهذه الحركة، نشعر أنّ الحياة التي نحياها هي حياة لا نهاية لها، لأنها مربوطة بالغايات العظيمة التي هي، كنفوسنا العظيمة: لا نهاية لها!..

إنّ الصراع الذي جلبناه معنا منذ ساعة وجودنا، هو الذي نعتمده لنستمر في تحقيق هذا الوجود. والصراع القائم بين نهضة الحياة القومية الاجتماعية ونهضة الأنانية الحقيرة التي تحاول بعد كل فشل وبعد كل إفلاس، أن تجمع من هذا الشعب موارد لترميها بالنار التي أوقدتها هي، سيظل قائماً إلى أن تصرع إحدى النهضتين الأخرى. نحن في صراع مع الإرادة الأجنبية ومع الإرادات الخصوصية المتحالفة معها. ونأبى أن نهادن الواحدة أو نهادن الأخرى ونأبى إلا أن نحارب الاثنتين معاً، لأنّ لنا القدرة على محاربة الفئتين المتحالفتين. إنّ لنا في الحرب سياسة واحدة، هي سياسة القتال. هذه هي سياستنا الواحدة في الحرب. أما السياسة في السلم، فهي أن يسلّم أعداء هذه الأمة للأمة بحقها ونهضتها. إننا نريد أن يسلِّم الرأسماليون الجشعون بحق الشعب الذي يمتصون دماءه. إننا نريد أن يرتدع الإقطاعي الذي باع الوطن والأمة، ويعترف بحق الفلاح الكادح!

إننا نريد الإقطاعيين والرأسماليين أن يسلّموا للشعب بحق الأمة، ويعترفوا بحق العمال وبحق الفلاحين، بحق هذا المجموع العظيم، في الحياة والعز. هذه هي حربنا، وهذا صراعنا. هكذا نفهم الحرب، ونفهم السياسة. وإننا واثقون من أنّ فهمنا هو الفهم الصحيح، وأنّ النصر في الأخير هو لهذا الفهم، لهذه الحقيقة، لهذه الحركة القومية الاجتماعية!

كل شيء، بيروت،

العدد 101، 4/3/1949

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى