ملحق رقم 8 خطاب الزعيم في حلب 23/11/1948
“لقد أفلست كل القيادات القديمة”
ما بال الحزب السوري القومي يعمل في جو غريب؟ وقد سيطرت على الأمة بأجمعها أجواء مضعضعة؟ أوليست هذه الأرض لنا؟ تلك حقيقة أساسية كبيرة، ظاهرة يجب أن نوجه الشعب السوري كله إليها، لأنها المنقذ الوحيد للأمة، وللشعب من تضعضعه وانهياره.
إنّ الحالة خطرة ومخيفة جداً، ليس فقط بسبب ما خسرته البلاد حتى اليوم، بل بسبب الإفلاس الأخلاقي والسياسي التام الكامل، الذي منيت به الضمائر المذكورة، والذي كان من جراء تضعضعها، تضعضع الشعب السوري. وإنّ الأخطار المقبلة التي تتجمع حول هذه البلاد قد تفوق الأخطار التي نزلت بنا إلى اليوم.
ها قد استقر اليهود “ولو إلى حين” في فلسطين، وكانت كارثة فلسطين آخر النكبات السورية إلى الآن. ولكن إذا لم يستيقظ الشعب السوري إلى حقيقته، وإلى قواه الحية، فلن تكون آخر الكوارث.
اليوم، بينما نحن نتجه بكل أنظارنا وشعورنا إلى فلسطين، تتجمع هنالك غيوم حول البلاد من جهات أخرى.
هنالك في الشمال يلوح خطران قد يكونان كافيين الان. ولكن سيبرزان إلى العمل لدى أول فرصة، خصوصاً إذا حدثت الحرب الثالثة.
خسرنا الإسكندرونة، ولكن هل تظنون أنّ الدولة التركية الفتية، ككل دولة حيوية أخرى في العالم، ستكتفي باللواء فقط؟ كلا، إنّ الحيوية التركية ككل حيوية أخرى، في العالم تحاول دائماً الامتداد والتوسع. وطالما نحن في تفسخنا، فالحيوية النامية على حدودنا ستظل تمتد. فالخطر في الجبهة التركية لا يزال ماثلاً اليوم، وسيتحول قريباً إلى خطر مخيف.
ثم هنالك خطر ثان يلوح في الأفق، إنه خطر كردستان، وإنشاء دولة كردية يدعمها البلاشفة، إنّ هذه الفكرة تدعمها روسية لزيادة البلبلة في الشرق الأوسط، ولتحارب بها تركية، ولتصادم بها أية قوة في هذه البلاد المجاورة.
فلا تظنن أنّ الخطر هو فقط في فلسطين. إنّ الأخطار تدور حول وطننا من كل ناحية.
ماذا تفعل الأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الأخطار؟ إنها تتلهى بقضايا سخيفة. إنها أحزاب وصولية، جلّ همّها الوصول إلى اشياء بارزة في نفسها.
بماذا ستدفع تلك الأحزاب الأخطار المقبلة عن البلاد؟ لا شيء.
إنّ جميع الأحزاب السياسية الأخرى في هذا الوطن أحزاب تخريبية، لا أحزاب إنشائية. والقضايا الوحيدة التي تتناولها تلك الأحزاب، كانت قضايا سطحية، تناولت بعض الضرائب. وإنها لا تستغل إلا الأحوال الاقتصادية ولا تبحث في الأساس الاقتصادي قط. الأساس الاقتصادي كوحدة متينة في ذاته.
تراها حينما تستغل مشروع خبز الفقير، لأن العامة لا تدرك المواطن الأساسية الخطيرة، ولا تدرك الأخطار البعيدة التي ستتناولهم. والعامة ليس بإمكانها أن تدرك أنّ إنشاء كردستان، وتسلّح الصهيونية على الحدود وتحفّز تركية، أشد خطراً من قضية “خبز الفقير”.
فالأحزاب التي تسير من تضليل إلى تضليل، هي أحزاب وصولية، وهي منبع شقاء هذا الشعب ولكنها لن تصل إلى انتصارات تحرز فيها فلاحاً.
ماذا يبقى؟ عليكم أن تدركوا المرامي اللاقومية التي تعمل لها هذه الأحزاب الوصولية.
بل ماذا يبقى لهذا الشعب؟ نحن القوميين الاجتماعيين نعرف ماذا بقي لهذا الشعب. يبقى لهذا الشعب أمل وحيد، وهو “الحزب السوري القومي”.
إنّ أهدافنا وخططنا هي أهداف الأمة. وليست أهدافنا بعيدة عن المصالح الأساسية التي تحيا بها الأمم.
أما أنت ايها السوري القومي
فكن أهلاً لتحمل مسؤوليتك.
واحمل شعار الزوبعة على صدرك.
إنها رغبة سورية. وسورية فحسب.
فالقومي الاجتماعي الذي يحمل الزوبعة على صدره، ويذهب لينام عن واجبه، هو أيضاً مثل بقية العناصر التي لا تجدي الأمة نفعاً. السوري القومي الاجتماعي هو الذي يحاسب ضميره قبل أن يأوي إلى فراشه، فيتساءل: ماذا فعلت بشأن القضية القومية؟
إنّ الإنقاذ الكلي هدفنا نحن القوميين الاجتماعيين، حزب تفكير، حزب تنظيم وتفكير، وعمل صامت مجدٍ. نحن حزب أعمال، ولسنا بحزب أقوال وبيانات، الإنقاذ الكلي هدفنا. نحن لسنا حزب بيانات، حزباً يستغل المناسبات، نحن حزب عمل وحزب قتال. تاريخنا يشهد أننا حزب عمل، وحزب قتال، فلا مفر لنا من القتال.
لأنه، مهما أفهمنا الناس حقيقة الأمة، فهنالك الأنانية تقف أمام كل تقدم قومي، وهنالك الضمائر المتفسخة. إنّ المصلحة الخاصة تقف أمام أعين بعض الناس أذناب الأجيال الاستعمارية المنحلة. وهكذا لا يمكننا أن نُفهم الناس حقيقة الأمة بالبيانات.
إذاً، نحن حزب عمل، حزب تنظيم، حزب قتال، حزب بناء وتجديد. حزب وحدة الصفوف بالعمل. ماذا يفيد المنطق مع من يريد أن يحارب في سبيل مصالحه الخاصة، أو في سبيل إقطاعية؟ أو في سبيل طائفية؟ لا يفيد المنطق شيئاً مع أناس كهؤلاء.
ولا يمكن لسورية أن تنتقل من طور إلى طور عن طريق الإقناع. ولم يحدث ذلك في تاريخ أمة واحدة من أمم العالم. فانتقال الأمم من طور إلى طور كان ذلك بإرادة انبعثت من صميم حاجات الأمم، بتصميم على تغيير مصير الأمة، وذلك بقوة ساحقة، تتغلب على كل صعوبة وعلى كل قوة.
إنّ الثورة الفرنسية صيَّرت فرنسة. فرنسة لم تنجح بالأفكار فحسب، بل بالإنتاج الصميم، أعني بالعمل.
يريدون أن ينكروا علينا هذا التفكير الذي يعدّونه توحشاً، يريدون الضرب والقتل. ينكرونه علينا لماذا؟ فلو أنهم خضعوا للمنطق والحقيقة لما احتجنا إلى تفكير من هذا النوع، لكن تصلّبهم وعنادهم في الرجعية والتفسخ والسير القهقري، يجعل هذا التفكير المتوحش من أنبل أنواع التفكير الإنساني. لذلك نحن لسنا حزب بيانات، نستغل عواطف الشعب لأنه ليست لنا مصالح وصولية، ليست لنا غاية إرضاء جماعات لها مآرب خصوصية، لذلك نحن حزب عقيدة، نحن حزب يقين، نحن حزب تخطيط، نحن حزب عمل، نحن حزب قتال، في سبيل حياة أمة.
إنّ الموضوع خطير، المسألة حياة أمة أو موتها. هنا أمامنا مقدرات كلية، لا جزئية، يمكنني أن أتساهل حتى في حقي مع مواطن. ولكنه لا يجوز لي التساهل مع أي مواطن في هضم حق شعب بأسره.
نحن الحزب السوري القومي، حزب هذه الأمّة، ونحن قوّته الفاعلة. ونحن القوة التي ينتظر الشعب أن تقول كلمتها. والحزب لا يزال محتفظاً بهذه الكلمة. لأنه من حيث هو حزب صراع وأعمال. حزب صراع وكفاح. لا حزب بيانات. سيقول الحزب هذه الكلمة، أفعالاً لا أقوالاً.
نحن نريد صفوفاً موحدة. والعمل القومي الاجتماعي عمل مقدس له قداسة، له قداسة أعظم من أية قداسة أخرى. وهي ـ أي أعمالنا ـ أروع من الخلود في الجنة، وأهدافنا القومية أعظم شيء لنا في الأرض، وما وراء الأرض.
وإذا لم يكن العمل القومي الاجتماعي بهذه المنزلة من القداسة، فهو تسلية فارغة. لأنه لن نبلغ المواقف الفاصلة من تكوّن هيئتنا الاجتماعية، إذا لم نحمل إيماناً ذا حقيقة كلية أساسية له قدسيته.
أنظروا، إنّ هنالك قوى وتكتلات تحول دون قيام حقيقتنا، إلا أننا بيقين مثل هذا، بإيمان مثل هذا، جعلناه شرطاً علينا من الأول، من أنفسنا، عندما أقسمنا أن نتخذ عقيدتنا إيماناً لنا ولأهل بيتنا. بإيمان صحيح يقيني مثل هذا، نتغلب على كل من يقف في طريق الأمة. هذا الإيمان الذي جعلنا ننتصر، والذي رافقنا في كل المواقع التي اجتزناها هو سر ثبات هذه الحركة على الرغم من الصعوبات التي أتينا عليها. إنّ الصعوبات التي اعترضت سبيل الحزب السوري القومي الاجتماعي، كانت أعظم من أية صعوبة أتت على أي حزب آخر في العالم.
بهذا الإيمان عدنا من المنحدرات، وإلى مراقي أعلى من التي كنا عليها. والحركات العظيمة تتعرض لكل هذه الأمور لتمتحنها. أما القضايا التي تهبط وتتلاشى، فتتلاشى القضايا معها والتي تصعد ترفع عَلَمَها على القمة.
نحن السوريين القوميين، نحن جماعة إيمان، نحن جماعة يقين بهدى وحق، نحن جماعة قتال في سبيل الهدى والحق.
وبعد، نحن جماعة عمل تهيىء للمعركة التي تنتصر بها القوى الفتية المجددة، على القوى الرجعية المتفخسة المهترئة.
وإذا سمحنا للرجعية وأزمانها بالحياة، وأن تسخر منا، فهذا الاستمرار منها فيه انتهاء كل أمل لنا في النهوض.
النقطة الأساسية، نقطة البدء الصحيح، أن تكونوا جماعة نظام فكري صحيح، جماعة نظام عمل صحيح، جماعة نظام عمل صحيح. وعلى كل واحد منا ممارسة هذا النظام، بكل أشكاله، بكل مراتبه. هذا العمل البنائي، بناء العقيدة في نفوس المواطنين، بناء الصفوف، وتنظيمها التنظيم الموحد، جمع روحيتها في الأهداف الصحيحة التي تسير إليها، هذا النظام والسير في هذا النظام، وفي جميع فروعه ومراتبه هو الذي يكفل لنا النصر الخير.
ومن جهة أخرى، نحن جماعة أخلاق، لأنه لا يمكن أن يقوم عمل عام، أو فردي ويواجه الصعوبات، إلا إذا كان له أساس من الأخلاق. فنحن جماعة عمل وصراع، لأننا في حقيقتنا جماعة أخلاق. لا تتناولنا الميوعة ولا تخيفنا الصعوبات، ولا تبلبل ضمائرنا وأفكارنا الصيحات والزعقات إنّ لنا من أخلاقنا قوة فعالة، تصمد في وجه كل صعوبة، قوة فعالة هي التي تدفعنا في الهجوم على كل ما يقف في سبيل إرادة الأمة، أمة حية عظيمة لا يمكن أن تصير إلى الاضمحلال، أو الفناء أو إلى القبر.
الأخلاق السورية القومية الاجتماعية من الأمور المشهورة عنا، وإننا أصحاب عقيدة. أمة لها من صلابة عقيدتها وأخلاقها ما يكفل لها الحياة.
كانت قبلنا أحزاب واضمحلت، وانتقل رجالها إلى أحزاب أخرى. ونشأت بعدنا أحزاب قلدتنا في تفكيرنا وأساليبنا في تعابيرنا، ثم عادت فاضمحلت، حتى إذا نشأت أحزاب أخرى على أنقاض تلك، نقلت معها ذهاب الأخلاق، وفساد المناقب، وتعلّم هذا الشعب التلون والتراجع، والجبن والخوف والهرب.
إلا أنّ هذا الحزب السوري القومي الاجتماعي تراه باقياً تجاه هذه التلوثات، صامداً يبني، ويبني، يبني الأمة، ولا يبني أفراداً. حزب واجه قوات الاحتلال بنظام بديع، يحارب، لا يلين ولا يهادن، لا يتغير ولا يتحول، ولا يتراجع، ولا يجبن، ولا يخاف ولا يهرب. لاقى السجون، ولاقى المعتقلات، ولاقى المواقف الصعبة، فمن منكم رأى السوريين القوميين الاجتماعيين يهربون من مواجهة المسؤوليات القومية؟
كم من بطل تظاهر بالبطولات الخرافية، يصور للشعب أوهاماً باطلة كأنها حقائق. إنه بهذا يقتل فطنة الشعب، ويقلل من إيمانه بالحياة، ويسيء إلى حسن تفكيره.
إنّ بطلاً متظاهراً مثل هذا مجرم.
إلا أنّ شهداءنا، أبطالنا حاربوا بيقين وماتوا بصمت، وبهذا استحقوا الخلود الصحيح. فهم خالدون خلود أمتهم. وكذلك يجب ألا نفتخر بزيف البطولة، أعني بطولة من يقول “لقد منحناكم الاستقلال”. وإنه زيف، لأنه خارجي ومزيف. كاستقلالنا الذي لا يمتّ إلى القومية في شيء. وأعني أنه استقلال مهدد لا يستند على دعائم قومية صحيحة. نحن القوميين نسير بتاريخ حقيقي، إنه نتيجة أخلاقنا، إنه نتيجة إيماننا وعقيدتنا، إنه نتيجة عملنا ومجابهتنا كل صعوبة. سوف ننتصر على كل باطل يتصدى طريق سيرنا إلى النصر.
نحن في سيرنا وفي تمييزنا للأمور، وفي أننا حزب عمل وصراع وقتال. حزب استقلال قومية هذا الشعب السوري. سنواجه الأخطار المحدقة بالأمة بصراعنا مع الأخطار. إننا حركة صراعية. إننا نريد أن ننهض لتنظيم قومية الأمة، ونرفع الأمة من الانحطاط الذي رمتها فيه الحزبيات النفعية.
فبهذه الأخلاق، فبهذه المبادىء، وبهذا التنظيم، نسير واثقين من النصر.
ليشعر كل سوري قومي أنه جندي، وأنه في حملة هجومية لإنقاذ مصير الأمة من التضعضع، والأخطار الخارجية. التي تزيد فداحتها أخطار التضعضع الداخلي.
إننا نثق من انتصارنا الخير، الانتصار الفاصل كما انتصرنا في الماضي، وسنحقق أهداف الأمة. وبهذا اليقين نهتف من أعماق قلوبنا.
تحيا سورية، تحيا سورية، تحيا سورية.
فكر، بيروت، العدد 33 ـ 34، ت 1 ـ ك 1 1979