يوم الأسير الفلسطينيّ: أرقامٌ تفضحُ جرائم العدوّ والتّواطؤ الدّوليّ

  ليست من المصادفة أن يكون يوم الأسير الفلسطينيّ في نيسان، ففلسطين دائمًا على وعد الحياة الصّاهلة بتفتّح أكمام شجر اللّيمون في بيّارات فلسطين، وما نيسان إلّا بشارة انعتاق من أسر الأكمام إلى شمس الحرّيّة وأريج فلسطين، تلك المطبوعة وصمة عار في ضمير الإنسانيّة الثَّمِل.

فقد تعدّدت أوجه صمت العالم والمحافل الدّوليّة عن تجاوزات الدّولة اليهوديّة وممارساتها بحقّ شعبنا في فلسطين. وإضافة إلى المجازر المروّعة الّتي ارتكبتها العصابات اليهوديّة وتهجير الفلسطينيّين من بيوتهم وعمليّات الضمّ والاستيطان المستمرّة منذ إعلان قيام ما يسمّى “دولة إسرائيل” على أرضنا السّوريّة الجنوبيّة، يجري باستمرار أسر المئات من أبناء شعبنا بذرائع مختلفة وسلب حرّيّتهم وممارسة أنكى أنواع التّعذيب بحقّهم واستصدار تشريعات تضع على الأسرى ضغوطًا نفسيّة وجسديّة.

  من هنا، كان لا بدّ من تعيين يوم للأسير الفلسطينيّ، وهذا ما فعله المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ في دورته العاديّة بتاريخ 17/04/1979 ليكون 17 نيسان يومًا وطنيًّا للأسرى الفلسطينيّين داخل معتقلات الإحتلال الإسرائيليّ، ثمّ أصبح هذا اليوم تأريخيًّا لمسار النّضال القوميّ في فلسطين وعلى مدى الأمّة والعالم العربيّ.

  وبدراسةٍ للمُعطيات والأرقام يتبيّنُ بوضوح مدى وحشيّة العدوّ الصّهيونيّ، محدوديّة الدّفاع عن الأسرى الفلسطينيّين خارج الإطار “الفلسطينيّ”، ضعف التّأثير الدّوليّ ذو الصّلة بالقانون الدّوليّ الإنسانيّ وعدم قدرته على تطبيق بنود معاهدات جنيف الأربعة، عدم اهتمام الإعلام بتغطية ومتابعة وضع الأسرى وكشف جرائم سلطات الكيان الغاصب.

  بحسب الإحصائيّة الأخيرة لنادي الأسير الفلسطينيّ والجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، اعتقل الكيان الغاصب نحو مليون فلسطينيّ منذ العام 1967، ومنهم ستّة عشرَ ألف امرأة، 300 طفل بينهم 130 طفلًا معتقلين في “عوفر” غرب رام الله ومجدو والعرامون في شمال فلسطين المحتلّة. كما اعتقل الاحتلال 12 نائبًا سابقًا في المجلس التّشريعيّ الفلسطينيّ، وأخضع 500 أسير فلسطينيّ للإعتقال الإداريّ من دون أيّ لوائح أو إدانة أو اتّهام أو محاكمة. كذلك، ثمّة أسرى تتجاوز مدّة اعتقالهم الـ 35 عامًا، فالأسيرين كريم يونس وماهر يونس أمضيا نحو 38 عامًا في الاعتقال، حيث أمضى الأسير نائل البرغوثي نحو 40 عامًا في الاعتقال، واستشهد 196 أسيرًا جرّاء سياسات الاحتلال الممنهجة من تعذيب وإهمال طبّي، قتل عمد وإطلاق النّار عليهم مباشرة من قِبل ضبّاط أو جنود صهاينة.

  أمّا في العام 2020 بلغ عدد الأسرى خمسة عشر ألف أسيرًا، بلغ عدد الأسرى المرضى منهم 700، بينهم 300 حالة مُزمنة بحاجة لعلاج مستمرّ، وارتفع عدد المصابين من الأسرى ب “كورونا” داخل السّجون إلى ما يزيد عن 300 إصابة، بينهم 13 إصابة في غزّة، والبقيّة بالضّفّة، ورفضت “المحكمة العُليا الإسرائيليّة” في نهاية آذار 2020 التماسًا تقدّمت به جمعيّة “أطبّاء لحقوق الإنسان”، طالبت فيه بإطلاق سراح السّجناء الّذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، خوفًا مِن تفشّي الكورونا داخل المعتقلات. ومع استرسال الممارسات التّعسفيّة وغير الإنسانيّة للدولة اليهوديّة على مرّ عقود من الزّمن، قام الأسرى بالعديد من الإضرابات داخل زنازين الاعتقال، وأخرها شروع الأسير ماهر الأخرس بالإضراب عن الطّعام لمدة 103 يومّا، أي طيلة فترة اعتقاله، ما أجبر سلطات الاحتلال على الإفراج عنه.

  هذا واعتقلت سلطات الاحتلال 31 امرأة و 28 صحافيًّا في العام 2021، وأعادت اعتقال العديد من الاسرى السّابقين وأخرهم إعادة اعتقال الأسيرة منى قعدان، ناهيك عن إهمال سلطات الاحتلال للقواعد الصّحّيّة المترتّبة على جائحة كورونا داخل المعتقالات، وحرمان الأسرى من اللّقاح، حيث أصيب ما يزيد عن 300 أسير فلسطينيّ داخل المعتقالات بكورونا حتّى الآن.

  هذا في الأرقام، أمّا في ما يخصّ الجرائم الّتي يرتكبها الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ الأسرى فنفنّدها على الشّكل التّالي:1. ألاعتقال الإداريّ: كان يحصل قبل الانتفاضة الأولى بصورة استثنائيّة، أمّا بعد ذلك فأصبح عاديًّا، وهو ما تُدينه الفقرة (8) من المادّة (47) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة لعام 1949.2. التّعذيب في “السّجون”: تُمارس سلطات الاحتلال التّعذيب بحقّ الأسرى تحت غطاء الحصانة القضائيّة. (المادّة الثالثة من اتفاقيّة جنيف الرابعة 12 آب 1949).3. قانون الزّيارات: إنّ قانون الزّيارات الّذي وضعه الاحتلال للأسرى عام 1996 يسمح بالزّيارات فقط لـوالد الأسير ووالدته، زوجة الأسير، أشقّائه الّذين هم تحت 18 سنة وأبناء الأسير. إلّا أنّ بعض الأسرى قد فقدوا أهلهم ولَم يَعُد لديهم من الأقرباء من يسمح لهم القانون المُشار إليه أعلاه بزيارته، وهذا يحرمهم من زيارة أيّ كان مهما متّ له بِصِلة.4. العزل الانفراديّ: كان العزل الانفراديّ في الماضي مُقتصرًا على عدد محدود ولمدّة محدودة، أمّا اليوم فيخضع العشرات من الأسرى الفلسطينيّين للعزل الانفراديّ منذ سنوات طويلة تفوق العشرين سنة، وهذا ما تحظره المادّة (85) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة، معطوفة على المواد (13) و (14) و (15) و (31) من الاتفاقيّة المذكورة.5. الإهمال الطبّيّ: لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الإهمال الطبّي والحرمان تسبّبا باستشهاد 49 أسيرًا منذ العام 1967، وهذا ما تدينه وتحظره الفقرة الثّانية من المادّة (38) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة للأسرى، إضافة إلى المادّة (85) والمادّة (13) والمادّة (81) من الاتفاقيّة نفسها. 6. إستعمال القوّة المُفرطة ضدّ المُعتقلين: هذا الجنوح للقوّة تنفّذه فرقة متخصّصة من قوّات الاحتلال باستعمال القوّة وتُدعى “نحشون ومتسادا”، نفّذت قرابة 80 عمليّة قمع عنيفة حتى العام 2007، أدّت إلى استشهاد الأسير محمد الأشقر في تشرين الأوّل من العام 2007 في معتقل النّقب، إضافة إلى إصابة المئات من الأسرى بجروح وإعاقات. وتُدين المادّة (13) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة كلّ معاملة غير إنسانيّة تقع على الأسرى، إضافة إلى المادّة (31) و(32) من الاتفاقيّة المُشار إليها. 7. القتل بعد الاعتقال: وهي سياسة ثابتة انتهجتها سُلطات الاحتلال ضدّ شعبنا في فلسطين، حيث قتلت بموجبها الآلاف بشكلٍ فرديّ وجماعيّ. وقع هذا في خانة الانتهاكات والإجراءات التّعسّفيّة، وبمعنى أدقّ “المخالفات الجسيمة” الّتي نصّت عليها المادّة (49) من اتفاقيّة “جنيف الرّابعة” المُشار إليها أعلاه، وكلّ ما ذُكِر يقع تحت توصيف “جرائم الحرب”. 

  أمّا الإنتهاكات الجسيمة الّتي عدّدتها اتفاقيّة جنيف الرّابعة فهي: القتل العمد، التّعذيب، المُعاملات اللّاإنسانيّة، التّعمّد بإحداث الآلام الشّديدة، الأضرار الخطيرة الّتي تطال السلامة العامّة، النّفي، القتل غير المشروع، الحجز غير المشروع، إكراه الشّخص المحميّ على الخدمة في جيش الدّولة المحتلّة. وتُضيف المادّة (85) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة في فقرتها الرّابعة “تُعدّ الأعمال التّالية، فضلًا عن الانتهاكات الجسيمة المحدّدة في الفقرات السّابقة، وفي الاتفاقيّات، بمثابة انتهاكات جسيمة… إذا اقتُرِفَت عن عمد مخالفةً للاتفاقيّات وللبروتوكول المُلحَق: في المادّة الخامسة منه، والّتي تحدّد الأعمال الّتي تُعتبَر جرائم حرب، وهي: الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيّات والملاحق المُلحَقة بها، ما تُضيفه المادّة (33) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة الّتي حظرت القيام بالأعمال التّالية، معتبرةً إيّاها جرائم حرب، العقوبات الجماعيّة، تدابير التّهديد أو الإرهاب كافّة، تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميّين وممتلكاتهم. إضافة إلى ذلك، ما تنصّ عليه المادّة (3) من اتفاقيّة جنيف الرّابعة، حيث تُطالب بمعاملة إنسانيّة لجميع الأشخاص المُعتقَلين عند العدوّ، وعدم التّمييز ضدّهم، أو تعريضهم للأذى وتحريم القتل والتّشويه والتّعذيب والمُعاملة القاسية واللّاإنسانيّة والمُهينة واحتجاز الرّهائن والمُحاكمة العادلة.

لا بدّ في هذا السّياق الّذي نستهدف من خلاله إبراز الأساس الحقوقيّ لإدانة الممارسات والانتهاكات الصّهيونيّة بحقّ أسرانا في معتقلات العدوّ، طرح قضيّة الأسير الفلسطينيّ أمام المرجعيّات الدّوليّة وأن نُشير إلى مبادئ القانون الدّوليّ الإنسانيّ ذات الصّلة لا سيّما إحترام الحقّ في الحياة، حظر التّعذيب والعقوبات الجماعيّة، ضمان الحقّ بمحاكمة عادلة وتحديد وتحريم جرائم الحرب. وبناء عليه، يكون كلّ ما ورد أعلاه من اعتداءات، هي بموجب الاتفاقيّات الدّوليّة، والقانون الدّوليّ الإنسانيّ جرائم حرب يُعاقب عليها هذا القانون، في وقت لم يتوقّف الاحتلال الصّهيونيّ عن ارتكاب كلّ الأعمال المذكورة أعلاه، دونما احترام منه لأيّ معاهدة دوليّة ذات صِلة أو لأحكام القانون الدّوليّ.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى