الحزب السوري القومية وقضية الإسكندرونة

ذكرنا في العدد الماضي أهم الحوادث السياسية المتعلقة بسلخ الإسكندرونة الغنية والهامّة جداً عن جسم الوطن السوري حسب ترتيبها التعاقبي.
ومن اللمحة الصغيرة التي أوردناها في هذا الصدد يدرك القارىء المتنور أنّ المنطقة المذكورة لم تخطف خطفاً في ليلة واحدة بين سمع الأرض وبصرها، بل سلخت سلخاً بعملية طويلة اجتهد المتآمرون في أكسابها صفة التطور الشرعي الذي لا غبار عليه.
ومن الأمور المؤلمة للوطني الصحيح أنه كان بين المتآمرين رجال سوريون تزعّموا، مدة طويلة، الحركات السورية في الشام الرامية إلى الاستقلال وأطلقوا على أنفسهم إسم «الكتلة الوطنية».

وقد قلنا في العدد الماضي إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الحزب الوحيد الذي نهض لمقاومة لدسائس السياسية والاتفاقيات الإنترناسيونية المجحفة بحق الأمة السورية.
ولا بدّ لنا من التأكيد هنا أننا لم نرسل هذا الكلام اعتباطاً أو بدافع الهوى، بل قلناه ونحن متثبتون من أنّ الوقائع والوثائق والشواهد تؤيده تأييداً كلياً.

بمناسبة تسلّم الأتراك منطقة الإسكندرونة السورية تسلماً فعلياً في الثالث والعشرين من شهر يوليو/تموز سنة 1939 نرى أن ننشر بعض المواقف والنصوص التي تساعد القرّاء على معرفة بعض الحقائق الداخلية الهامّة عن كيفية اختمار المؤامرة على المنطقة السورية المذكورة، وكيف أنّ هذه المؤامرة نجحت على الرغم من موقف الحزب السوري القومي الجازم.

قلنا إنّ الاتفاق بين فرنسة وتركية على جعل منطقة الإسكندرونة تحت الحماية المشتركة بين الجيش الفرنسي والجيش التركي حدث في أواخر سنة 1936، أي بعد توقيع المعاهدة الشامية ــــ الفرنسية.
وبينما المخابرات دائرة بين فرنسة وتركية كان موقف «الكتلة الوطنية» موقف المشاهد الذي لا يعنيه شيء من الأمر. ووُجد من صرّح بأن مسألة ادعاءات الأتراك في الإسكندرونة عرضت على رجال «الكتلة» الذين فاوضوا المعاهدة ففي عدد الشباب الحلبية الصادر في 14 يوليو/تموز 1938 مقالة للسيد زكي الأرسوزي «العصبوي» العروبي يقول فيها:
«ولما ظهرت القضية السورية بعد انتهاء الإضرابات العامة سنة 1936 اشترطت الحكومة الفرنسية على الوفد المفاوض الإجابة على جميع مطاليب الأتراك» والظاهر أنّ السيد الأرسوزي لم يشأ أن يرى «الكتلة الوطنية» تتّصم بوصمة العار فتابع قائلاً: «وذلك قبل أن تتّضح نوايا الأتراك الحقيقية».

ولكن موقف «الكتلة الوطنية» المسالمة لم يكن فيه شك. وإلى هذا الموقف المعيب أشار الزعيم في المقال الذي أثبتناه في العدد الماضي بقوله:
«وإذا كان على رأس الحكومة الشامية رجال مسؤولون يحبّون السلام أكثر من الاحتفاظ بالحياة (أي بالحياة القومية)، ويقفون تجاه الأخطار المحدقة والمناورات الموجهة ضد سلامة الوطن ومصالح الأمة مكتوفي الأيدي لا يبدون ولا يعيدون، فليس موقفهم معبّراً عن رغبات الأمة وإرادتها».
وبقوله في موضع آخر من المقال نفسه:
«إنّ النهضة القومية الجديدة لا تتوقع من الحكومة الحالية في الشام غير الموقف الضعيف الذي وقفته حتى الآن. ونكرر أنّ هذا الموقف لا يعبّر مطلقاً عن إرادة الأمة واستعدادها لصيانة حقوقها ومصالحها».

على العكس تماماً من موقف «الكتلة الوطنية» وغيرها من الأحزاب الكثير في الشام ولبنان وفلسطين كان موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي.
فما كادت تصل الأخبار عن ظهور المطاليب التركية، ووجود مخابرة بين فرنسة وتركية وعرض المسألة من قِبل فرنسة في الجمعية الأممية، حتى اتخذ الزعيم موقفاً شديداً جداً من هذه المسألة الحيوية فوضع في الرابع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 1936 مذكرة وجّهها إلى الجمعية الأممية والأمم الصديقة والمتمدنة، يطلب فيها منع حصول إجحاف بحقوق سورية الواضحة وسيادتها المطلقة على الإسكندرونة التي هي جزء متمم للوطن السوري (أنظر ج 2 ص 58).
ثم اتبع الزعيم المذكرة التي أرسلت إلى الجمعية الأممية والدول الكبرى بواسطة قناصلها في بيروت، بخطابه في حشد الحزب السوري القومي الاجتماعي في صافيتا، الذي أعلن فيه استعداد الحزب للدفاع عن الحدود المهددة.
وهو الخطاب الذي نشرته الزوبعة في عدد أول مارس/أذار الماضي وكان إلقاؤه في ديسمبر/كانون الأول 1936 (أنظر ج 2 ص 59).

عند ظهور موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي اشتدت المناورات التركية ــــ الفرنسية واجتمع مجلس الوزراء التركي في أسكيشهر للنظر في مسألة الإسكندرونة وابتدأت تصل إشاعات عن حشد قوات تركية على الحدود فقدّم الزعيم في أوائل يناير/كانون الثاني سنة 1937 مذكرة ثانية وجّهها إلى المفوضية الفرنسية هذا نصها:
«يا فخامة المفوض السامي،
«نظراً لانعقاد مجلس الوزارة التركية في أسكيشهر وللإشاعات السارية حول إمكانية تعدٍّ مسلّح من قِبل تركية على سنجق الإسكندرونة، لنا الشرف أن نضع تحت تصرف جيش الدفاع العدد اللازم من المتطوعين من أعضاء حزبنا للمساعدة على الاحتفاظ بالسنجق السوري.
«إننا على يقين يا فخامة المفوض السامي، من أنّ الدولة الفرنسية الصديقة لن تترك في هذه المناسبة أي مجال للتهويل، لا سيما أنّ إرادتها النبيلة للاضطلاع بأعباء تعهداتها يؤيدها استعدادنا للدفاع عن مصالحنا القومية، فإننا لا نستطيع أن نرضى دون أن نقلل من قيمة أنفسنا، بأن يهرق دم فرنسي، إذا اقتضى الحال، في سبيل الذود عن سلامة الأراضي السورية دون تدخّلنا للدفاع عن حدودنا، فنحن نجعل إذن من وجودنا في مراكزنا على حدودنا الشمالية، في حالة خلاف مسلّح مع تركية، قضية شرف لنا.
«وعلى أمل أنّ فرنسة تفهم الموقف الذي تمليه علينا كرامتنا القومية، تفضلوا يا فخامة المفوض، بقبول فائق احترامنا».
في 8 يناير/كانون الثاني 1937
زعيم الحزب السوري القومي
أنطون سعاده
ما كادت هذه المذكرة تنشر حتى دبّت الحمية في صفوف القوميين الاجتماعيين، وحدثت تشنجات في طول البلاد وعرضها، وأخذت كتب التأييد تنهال على مركز الحزب القومي الاجتماعي في بيروت.
في هذه الأثناء كانت اللعبة الفرنسية ــــ التركية قد تحولت إلى شكل آخر هو حمل الجمعية الأممية على التدخل في الأمر، فأرسلت الجمعية المذكورة لجنة زارت الإسكندرونة، ووضعت تقريراً عرف بــ«تقرر ساندلر» الذي أشار بمنح لواء الإسكندرونة استقلالاً تاماً في شؤونه الداخلية وفصله في الشؤون الإنترناسيونية عن الاتفاقات التي تعقدها حكومة الشام وجعل اللغة التركية اللغة الرسمية الأولى فيه، الخ.
أدرك الزعيم أنّ قبول التقرير المذكور والعمل به سيعني فَقْدَ السيادة السورية على الإسكندرونة بالمرّة. فلم يتمالك من وضع مذكرته الشهيرة التي وجّهها في أواخر يناير/كانون الثاني 1937 إلى الحكومة السورية يعنفها على موقفها من المناورات الفرنسية ــــ التركية ويطلب دعوة المجلس الشامي إلى دورة إستثنائية. وإليك نص مذكرة الحزب القومي الاجتماعي:
مذكرة لحزب السوري القومي بشأن سنجق الإسكندرونة:
أرسل الحزب السوري القومي للحكومة الشامية المذكرة الآتية:
«معالي رئيس الوزراء،
«مجلس الوزراء الموقر،
«إنّ إزالة السيادة السورية عن لواء الإسكندرونة ووضعه تحت تقلبات السياسة والحزبية الأجنبية يكون خسارة كبيرة للأمة السورية وإجحافاً بحقوقها وخطراً على كيانها وحياتها.
«والحزب السوري القومي يعلن أسفه للموقف الذي وقفته الحكومة السورية من المناورة التركية التي انتهت بتكليل جهودها بالاتفاق الفرنسي ــــ التركي على نزع السيادة السورية بالفعل والاحتفاظ بستار إسمي يُبقي لواء الإسكندرونة ضمن الحدود السورية.
«وأما زوال السيادة السورية عن اللواء فواضح في تقرير ساندلر مقرر القضية أمام مجلس الجمعية الأممية، وأهم موجبات زوال السيادة السورية الواردة في التقرير المذكور ما يأتي:
1 ــــ إستقلال اللواء التام في شؤونه الداخلية.
2 ــــ إمتناع سريان مفعول أي اتفاق إنترناسيوني تعقده الدولة السورية على اللواء إلا إذا تمَّ له أحد شرطين: إما أن لا يؤثر في استقلال اللواء، وإما أن يعرض على مجلس الجمعية الأممية للموافقة.
3 ــــ جعل اللغة التركية اللغة الرسمية الأولى.
4 ــــ وضع اللواء تحت رقابة الجمعية الأممية.
5 ــــ إعطاء مندوب الجمعية الأممية للرقابة حق منع تنفيذ القوانين التي تسنّها السلطة التشريعية السورية في اللواء.
6 ــــ منع تشكيل جيش سوري في اللواء وإعفاء أهله من الخدمة العسكرية ومنع إقامة تحصينات حربية.
7 ــــ جعل حماية اللواء من حق الدولتين التركية والفرنسية.
8 ــــ جعل تقرير نظام اللواء وقانونه الأساسي من حق مجلس الجمعية الأممية.
«تجاه هذه الحال الخطرة على كيان سورية يطلب الحزب السوري القومي من الحكومة السورية:
1 ــــ أن تُصدر الحكومة السورية مذكرة تعلن فيها أنّ قبول الدولة السورية التعهدات التي عقدها الانتداب باسم سورية لا تشمل أي تعهد يأتي بعد جواز المعاهدة السورية ــــ الفرنسية في المجلس السوري.
2 ــــ أن تدعو المجلس السوري بصورة مستعجلة إلى دورة إستثنائية لدرس الحالة واتخاذ موقف حاسم يعبّر عن إرادة الأمة.
3 ــــ أن يقرر المجلس عدم الاعتراف بأي اتفاق عقد أو سيعقد باسم سورية على يد الدولة المنتدبة بعد جواز المعاهدة السورية الفرنسية في المجلس السوري إلا إذا وافق هذا المجلس عليها.
4 ــــ أن تقدّم الحكومة السورية بناءً على قرار المجلس المذكور التحفظات اللازمة عند تبادل نصوص المعاهدة السورية الفرنسية المصدقة.
«وإنّ الحزب السوري القومي يعلن للحكومة السورية استعداده لتأييدها في أي موقف جريء لحفظ حقوق الأمة وسلامة الوطن ويطلب منها أن تقف في جانب قضية الأمة ويحمّلها مسؤولية خسارة قوية تقع بالوطن وسلامة حدوده».
زعيم الحزب السوري القومي
أنطون سعاده
في 29 مايو/أيار من تلك السنة تبنّت الجمعية الأممية تقرير سندلر وأصدرت نظام الإسكندرونة الخاص الذي يجعل تلك المنطقة مستقلة استقلالاً شبه تام.
كان ذلك شيئاً سيئاً جداً. وكان الزعيم قبيل ذلك دخل سجنه الثالث الذي حدث في التاسع من شهر مارس/أذار 1937 على أثر حادث بكفيا الشهير بخيانة خائن لئيم.
فلما خرج الزعيم من سجنه وفرغ من الترتيبات الحزبية الداخلية باشر الاتصال بالحكومة الكتلوية ليحصل على مؤازرة «الكتلة الوطنية» في مواققه من قضية الإسكندرونة.
وبعد تمهيدات أولية اجتمع برئيس الوزارة السيد جميل مردم في فندق نجار في صوفر لم يأتِ ذكر الإسكندرونة في هذا الاجتماع إلا عرضاً.
وتمَّ الاتفاق بين الزعيم ورئيس الوزارة لعقد اجتماع آخر خاص.
فزار الزعيم منفذية دمشق لتفقُّد أحوالها وبهذه المناسبة أمكن حصول الاجتماع بينه وبين رئيس الوزارة.
فاجتهد الزعيم بإقناعه بوجوب الوقوف موقفاً حاسماً من قضية الإسكندرونة قبل فوات الأوان.
فلم يلقَ من مردم ميلاً إلى الاهتمام الجدي بهذه القضية فطلب الزعيم أن تكون «الكتلة الوطنية» متفقة بشكل سري مع الحزب القومي الاجتماعي في هذا الصدد، لأن مردم أظهر له خشيته من الاصطدام مع الفرنسيين، فكان جواب مردم أنّ خسارة الإسكندرونة ليست خسارة تستحق كل هذا الاهتمام وأنّ الخسارة الحقيقية واقعة على الأتراك بضمهم الإسكندرونة إليهم، لأن «العناصر العربية» التي فيها ستولّد مشكلاً يتعبهم كثيراً!

ولكن مذكرة الحزب السوري القومية الاجتماعي إلى الحكومة الشامية لم تذهب بدون مفعول.
إنها وضعت حكومة «الكتلة الوطنية» بين الواجب القومي والخيانة الصريحة، فلما اجتمع المجلس الشامي لم يوافق على التدابير التي تمّت. ولكن الأمر كان قد قضي.
فأجابت الحكومة التركية على موقف مجلس الشام بنقض معاهدة حسن الجوار المعقودة سنة 1926 بين تركية والمفوضية الفرنسية باسم سورية.
فأذاع «راديو كولونيال» الفرنسي في السابع من ديسمبر/كانون الأول سنة 1937 أنّ الحكومة التركية أرسلت مذكرة إلى الحكومة الفرنسية بصفتها صاحبة الانتداب على سورية «تبلّغها فيها نقض معاهدة الصداقة المعقودة في باريس سنة 1926 بين تركية وسورية».
أما حكومة «الكتلة» فأخذت تنتقل من موقف ضعيف إلى موقف أضعف. ففي 18 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1937 وضع رئيس الوزارة البيان الوزاري الذي ألقاه في اليوم التالي في مجلس النواب وفيه يقول في صدد قضية الإسكندرونة:
«وأصبحت منطقة الإسكندرونة كما تعلمون ذات كيان مميَّز يرتبط بسورية بسياسته الخارجية (كذا وهو غير صحيح حسب النظام المقرر من الجمعية الأممية ولا ندري إذا كان مردم جاهلاً أو متجاهلاً) وشؤونه الجمركية وبالنقد والبرق والبريد وبعض العلاقات التشريعية وما شابه ذلك من الأمور العامة (ما عدا الجيش طبعاً والدفاع) وقد وقفنا من هذا العمل الموقف الذي أرادته الأمة وأعرب عنه مجلسكم الكريم».

ولكن مردم نفسه عاد فصرح لمندوب جريدة الطان الفرنسية في رحلته إلى فرنسة بعد بيانه الوزاري بأقل من شهر بقوله:
«ولقد انتهت قضية الإسكندرونة المؤسفة إلى حل ما كان يمكن أن يبدو للشعب السوري إلا مجحفاً. ولكننا مع ذلك انحنينا أمام قرار الجمعية الأممية في سبيل مصلحة السلام والتعاون الإنترناسيوني. ونرجو أن يحسب هذا الموقف برهاناً على النضج السياسي وروح المسالمة اللذين يسودان الحكومة والشعب السوري».
ما هي حقيقة هذا البرهان على النضج السياسي؟ أهي شيء غير مطاوعة مشيئة «الدولة المنتدبة» الخائنة؟ إذا لم يكن «الانحناء» الذي أشار إليه السيد جميل مردم خيانة عظمى فهو، على الأقل، عقم سياسي لا مثيل له إلا عند الشعوب البربرية والمنحطة.
ولكن الخيانة ظاهرة بكل وضوح في تصريحات عديدة فاه بها السيد مردم بصفته رئيس الوزارة الشامية، وبغير هذه الصفة، منها تصريحه الذي أدلى به إلى مخبري الصحف التركية في استانبول حيث أقام الوفد الحكومي الشامي وعلى رأسه رئيس الوزارة السيد مردم، يومين بطريقه إلى باريس، وهذا هو التصريح:
«ليس بين الأمتين السورية والتركية أي عداء كما زعم البعض، إلا أنّ هناك أموراً أوجبت سوء التفاهم رأينا إزالتها بواسطة المحادثات الدبلوماسية. إنّ الأمة السورية وحكومتها تؤمنان بحسن نيات الأمة التركية وحكومتها، وتعلّقان على هذه النيات الحسنة كل أمل في أن تسفر المحادثات القادمة عن نتيجة موافقة ومرضية».

ومنها تصريحه الشهير الذي أدلى به إلى السيد محمد خليل باشاران مراسل جريدة جمهوريت جواباً على أحد الأسئلة التي وجّهها إليه المراسل المذكور.
وإليك سؤال المراسل وجواب رئيس وزارة الشام:
س ــــ «هل تفضلون الدخول في الحلف الشرقي أو ترغبون في الانضمام إلى الجامعة العربية؟
ج ــــ نفضل الانتساب إلى الجامعتين معاً. على أنّ الحلف الشرقي الذي سعى إليه أتاتورك (مصطفى كمال) قد جعل كل شرقي ممتناً له. إنّ البطل أتاتورك ليس للترك فحسب بل هو أبو الشرق أيضاً. إنّ الأمم الشرقية كافة تستنير بأعماله وتسير على الطريق التي سار عليها، ولو لم يكن أتاتورك فماذا كان حلَّ بالشرق؟ وإذا كان اسمه أبا الترك فهو جدير بأن يسمى أبا الشرق. (الترجمة لجريدة النهار البيروتية في عددها الصادر في 12 مارس/أذار 1938).
ولا يحتاج المرء ليكون فيلسوفاً ليستنتج أنّ ما عناه السيد مردم بقوله إنّ أتاتورك جدير بأن يسمّى أبا الشرق وأن تسير الأمم الشرقية كافة على المنهاج الذي رسمه هو أنّ أتاتورك أب يعمل بمشيئته أبناء «بررة» كرجال «الكتلة الوطنية» التي، مع ذلك، ظلت تدّعي بوقاحة كلية أنها تتكلم باسم الشعب السوري وبالنيابة عن الشعوب العربية.

لم يكن تصريح السيد جميل مردم لجريدة جمهوريت التركية مجرّد كلام اعتباطي قاله السيد المذكور في غفلة من الغفلات المختصة بعقمه السياسي، بل كان وفاقاً لخطة رسمها العقم السياسي الكتلوي وأعلنها رئيس الوزارة في البيان الوزاري المشار إليه آنفاً بقوله:
«ثم إنّ فريقاً من رجال السياسة وكتّاب الصحف الأجنبية تعرّض لما تشتمل عليه البلاد من شعور قومي فتحرفه عن وجهته الحقيقية ومقاصده الشريفة حتى خُيِّل له أنّ في هذه البلاد تُدبّر المؤامرة للتدخل في بعض البلدان المجاورة وإذكاء نار الفتن التي تعانيها.
وهذا باطل محض لأننا نريد أن نحترم العقود الدولية وأن نكتسب عطف الأمم المختلفة، ولا نريد أن نعرّض استقلالنا في بدء عقده إلى مغامرات سياسية، ولا أن نوقظ في بلادنا فكرة عدوان لهذه الدولة أو لتلك».
فما هي هذه «العقود الدولية» التي أرادت الوزارة الكتلوية احترامها بدون استنثاء؟ أليس العقد بين فرنسة وتركية على الإسكندرونة من ضمنها، أوَليس نظام الإسكندرونة الذي أقرته الجامعة الأممية من ضمنها؟ ألا يعني هذا التصريح الوزاري أنّ كل عقد مقبل تعقده المفوضية الفرنسية باسم سورية قبل تصديق المعاهدة في البرلمان الفرنسي سيجد عند حكومة «الكتلة الوطنية» الاحترام الكلي مهما كان مجحفاً بحق الأمة ومهدداً سلامة الوطن؟
إنّ التصريح الوزاري ألغى موقف المجلس النيابي وجاء معاكساً لما طلبه زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي في مذكرته التي وجّهها إلى الحكومة الشامية في صدد مسألة اتفاقات الإسكندرونة.
ولا بدّ، تجاه هذه الحقائق، من الاستنتاج أنّ حكومة الكتلة هي التي وقفت سراً في وجه موقف الحزب القومي الاجتماعي في مسألة الإسكندرونة، وجعلت هذا الحزب بين أحد أمرين:
إما الانتظار وإما الاصطدام بــ«الكتلة الوطنية» وشق الأمة نصفين في قضية يجب أن تكون الأمة السورية يداً واحدة فيها.
ننشر فيما يلي نص النظام الذي أقرته الجمعية الأممية لمنطقة الإسكندرونة في 29 مايو/أيار 1938 ونص معاهدة الصداقة بين فرنسة وتركية المعقودة في 4 يوليو/تموز 1938 ليطّلع القرّاء على الكيفية التي سُلخت بها هذه المنطقة السورية الغنية عن جسم الوطن السوري، وحكومة «الكتلة الوطنية» لا تحرك ساكناً من أجل «احترام العقود الدولية» وفي سبيل «مصلحة السلام والتعاون الإنترناسيوني وتقديم البرهان على النضج السياسي»:
قانون الإسكندرونة الأساسي كما وضعته لجنة الخبراء وأقرته عصبة الأمم:
مادة 1 ــــ يسمى هذا القانون قانون اللواء الأساسي.
مادة 2 ــــ لا يمكن تفسيره وتطبيقه وتعديله إلا تحت قيد أحكام النظام العام.
مادة 3 ــــ عند دخول هذا القانون الأساسي في موضع التنفيذ يأخذ اللواء على عهدته كل ما للإدارة الحالية وما عليها من الامتيازات الممنوحة قبل 27 يناير/كانون الثاني 1937 والقوانين والأنظمة والتعيينات في الوظائف العامة تظل باقية طالما لم يقرر خلاف ذلك تحت قيد الحقوق المكتسبة شرعاً من قِبل السلطات في اللواء ذات الصلاحية.
مادة 4 ــــ إنّ أحكام المواد 5 إلى 23 المتعلقة بمراسيم السلطات يمكن إكمالها وتحريرها من قِبل مجلس اللواء، وإنّ الإضافات التي ستلحق بأحكام القانون الأساسي يجب أن تصدَّق مرتين من قِبل المجلس على مدة ثلاثة أشهر فاصلة وبأكثرية الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس، ويجب أن يصدّق على التعديلات في نفس الشروط، ولا يمكن تعديل القانون الأساسي قبل مضي خمس سنوات إلا في هذا القانون، ويمكن تعديل إسم اللواء من قِبل المجلس طبق الأصول الملحوظ للإضافات في القانون الأساسي.
تنظيم السلطات
الفصل الأول ــــ السلطات التشريعية
مادة 5 ــــ إنّ السلطات التشريعية تمارَس باسم شعب اللواء من قِبل المجلس، وهذا المجلس هو الوحيد وأعضاؤه أربعون ينتخبون لأربع سنين.
مادة 6 ــــ تكون الانتخابات للمجلس على درجتين.
مادة 7 ــــ الناخبون للدرجة الأولى هم كافة المواظنين المذكورين في اللواء الذين يتجاوز عمرهم عشرين سنة لم يحرموا من حق التصويت بفقد حقوقهم المدنية أو بسبب عدم الأهلية الشخصية المبينة بالقانون والملحوظ رسمياً من قِبل السلطة المختصة.
مادة 8 ــــ ليحقَّ للناخب أن يكون ناخباً من الدرجة الأولى عليه أيضاً أن يعرف القراءة والكتابة وليكون الناخب ناخباً ثانوياً يجب أن يكون حائزاً نفس الشرائط وعمره لا يقلّ عن خمس وعشرين سنة.
مادة 9 ــــ يقيِّد الناخبون في الدرجة الأولى أنفسهم بحضور مندوبي اللجنة المنصوص عليها في المادة 16 على سجلات بصفتهم منتسبين إلى إحدى الطوائف الآتية:
الطائفة التركية، الطائفة العلوية، الطائفة العربية، الطائفة الأرمنية، الطائفة الأرثوذكسية، الطائفة الكردية، الطوائف الأخرى.
إنّ اللجنة المنصوص عنها في المادة 16 تقرر إعلان هذه التعليمات وتحدد المهلة بين هذا العمل وبين افتتاح الاقتراع بالدرجة الأولى.
مادة 10 ــــ إنّ عدد الناخبين المقيمين بصفتهم منتسبين إلى طائفة واحدة يحدد بموجبه عدد الناخبين الثانويين الذين يمنحون إلى هذه الطائفة في اللواء، ومهما تكن نتيجة هذه العملية يكون لكل طائفة لا أقل من العدد الآتي من النواب:
الطائفة التركية 8 ــــ الطائفة العلوية 6 ــــ الطائفة العربية 2 ــــ الطائفة لأرمنية 2 ــــ طائفة الروم الأرثوذكس 1.
المادة 11 ــــ يكون لكل 100 ناخب أوّلي ناخب واحد من الدرجة الثانية.
المادة 12 ــــ يكون القضاء المنطقة الانتخابية، ومكتب الاقتراع الناحية أو المحلة، ويجوز إقامة مكتبين للاقتراع إذا لزم الأمر في ناحية واحدة.
المادة 13 ــــ تُنظّم لوائح الترشيح بحسب الطائفة لانتخابات الدرجة الأولى، ولا يعطى إلى الناخب إلا ورقة تصويت واحدة تتضمن قائمة المرشحين في الطائفة التي صرّح بأنه انتسب إليها.
المادة 13 ــــ مكرر ــــ أعضاء المجلس يُنتخبون من قبل ناخبي الدرجة الثانية.
المادة 14 ــــ تجري الانتخابات بالاقتراع السري.
المادة 15 ــــ لا يعطى ناخب الدرجة الثانية إلا ورقة تصويت واحدة فيها قائمة مرشحي الطائفة التي صرّح بانتمائه إليها.
المادة 16 ــــ إنّ مجموع العمليات الانتخابية للانتخابات الأولى ينظَّم من قِبل لجنة مراقبة أعضاؤها يعيّنون من قِبل مجلس جمعية الأمم، وهذه اللجنة تكون مؤلفة من ممثلين للدول الداخلة في عضوية جمعية الأمم غير فرنسة وتركية يضاف إليهم ممثلون محليون للطوائف التركية والعلوية والعربية والأرمنية والأرثوذكسية.
(المواد 17 إلى 20 غير موجودة)
المادة 21 ــــ إنّ مبادهة اتخاذ القوانين منوطة بأعضاء المجلس وبالسلطة الإجرائية على أنّ مبادهة القوانين التي تقتضي نفقات أو تخلق ضرائب أو تعدلها أو تلغيها هي من حق السلطة الإجرائية وحدها.
المادة 22 ــــ لا تطرح أو تجبى أدنى ضريبة ولا يعقد أي قرض إلا بقانون. تعرض السلطة الإجرائية على المجلس سنوياً مشروع الموازنة ومشروع القانون المالي للسنة التالية. ولا تقرر نفقة في بحر السنة إذا لم يوافق المجلس على الاعتمادات اللازمة، وبعد إغلاق كل دورة تقدّم الحسابات النهائية للدورة إلى المجلس بعد أن تكون دققت فيها هيئة مستقلة معيّنة بقانون.
المادة 23 ــــ يجري التصويت على القوانين بالأكثرية البسيطة، إلا إذا كان هناك أحكام مخالفة في القانون الأساسي، وتكون الأكثرية نصف الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
الفصل الثاني ــــ السلطة الإجرائية:
المادة 24 ــــ يمارس السلطة الإجرائية باسم شعب اللواء رئيس اللواء ومجلس تنفيذي.
المادة 25 ــــ ينتخب الرئيس من قِبل المجلس لمدة 5 سنوات ويمارس الصلاحيات المخوّلة إليه فعلاً بمقتضى هذا القانون، ويتقاضى راتباً ويمنح مناعات لا يمكن تبديلها لغير مصلحته في كل مدة رئاسته.
المادة 26 ــــ يمثِّل الرئيس اللواء في الحفلات العامة ويمارس حق منح العفو الخاص ضمن الحدود المنصوص عنها بالقانون، على أنّ العفو العام لا يُمنح إلا بقانون.
المادة 27 ــــ ينشر رئيس الوزراء كافة القوانين التي يقرّها المجلس ولا ينفذ أي قانون قبل نشره، ويحق للرئيس في الشهر الذي يلي إقرار القانون من قِبل المجلس أن يوقف نشره ويطلب من المجلس إعادة النظر فيه مع الملاحظات التي يرى لزوماً لإبدائها، ولا تجري المناقشة مجدداً إلا بعد مضي شهر على الرفض، وعلى الرئيس أن ينشر القانون بالصورة التي يقرّها المجلس في المذاكرة الثانية.
المادة 28 ــــ لرئيس اللواء بعد رأي المجلس التنفيذي الحق بحل المجلس وعليه في هذا الحال أن يشرع بانتخابات جديدة.
المادة 29 ــــ يؤلف هيئة تنفيذية مسؤولة أمام المجلس قوامها رئيس وأربعة أعضاء على الأكثر منتخبين من قِبل هذا الرئيس، أما رئيس الهيئة التنفيذية فينتخبه رئيس اللواء.
الفصل الثالث ــــ السلطة العدلية:
المادة 30 ــــ إنّ السلطة العدلية تمارس باسم شعب اللواء من قِبل المحاكم التي حددها القانون، فتقام محكمة عليا يُعيّن أعضاءها رئيس اللواء ولا يمكن لغيره عزلهم وبعد استشارة بقية أعضاء المحكمة العليا وفي الأحوال والشرائط المحدودة بالقانون.
المادة 31 ــــ تقوم المحكمة العليا بوظيفة محكمة الاستئناف والنقض بحق قرارات كافة المحاكم في اللواء، وتكون له الصلاحيات الأخرى المنصوص عنها في القانون، وعلى الهيئة التنفيذية أن تنفذ قرارات وأحكام المحكمة العليا والمحاكم. إنّ قرارات السلطة العدلية لا يمكن تعديلها أو إعادة النظر فيها من قِبل أية سلطة أخرى.
المادة 32 ــــ إنّ المحكمة العليا والمحاكم ليس لها صلاحية لتدقيق شرعية القوانين الدستورية.
الفصل الربع ــــ الحقوق الأساسية:
المادة 33 ــــ لا يمكن أن يوقف أحد أو يسأل أو يحرم من حريته أو يحكم إلا في الأحوال والظروف المنصوص عليها بالقانون.
[المادة 34 غير موجودة]المادة 35 ــــ حرية الضمير مطلقة ويحق للأفراد انتقاء أي دين يشاؤون وليس للواء دين رسمي ولا يمنح أدنى ميزات إلى ديانة أو طائفة تضر بالأخرى.
المادة 36 ــــ لا يمكن لممثلي الأديان أثناء قيامهم بوظائفهم استعمال سلطتهم الدينية لغاية سياسية.
المادة 37 ــــ كل سلطة تصل إليها عريضة يجب أن تجيب عليها في مدة مناسبة.
المادة 38 ــــ التعليم الابتدائي إجباري ويمكن تدريسه في المدارس العامة أو الخاصة، في المدارس العامة يعطى التعليم الديني بحسب رغبة ومشيئة أولياء الأولاد أو أوصيائهم وبحسب الطوائف وطبقاً لمبادئها.
المادة 39 ــــ إنّ حرية المطبوعات والمطابع وحرية الاجتماعات والجمعيات مضمونة ضمن الشرائط المنصوص عنها في القانون.
المادة 40 ــــ لا تنزع من أحد ملكيته إلا بتعويض عادل يسبق النزع وللمصلحة العامة وفي الحالات والأحوال المنصوص عنها في القانون وتفتح الطرق العدلية في حالة الاعتراض على قيمة التعويض.
المادة 41 ــــ كل سوء استعمال يرتكبه عمال السلطة العامة أو الدوائر المحلية ويسبب الضرر إلى الشخص أو إلى مقتنياته يُعطى لهذا الأخير الحق بمراجعة المحاكم المختصة.
المادة 42 ــــ في حال اضطرابات خطيرة أو ثورة يحق للمجلس بقانون خاص أن يوقف بصورة مؤقتة الحرية الشخصية وإنقاصها في جزء من أراضي اللواء أو فيها كلها، وإذا اقتضت العجلة يحق لرئيس اللواء اتخاذ مثل هذه التدابير، وفي مثل هذه الحال يقتضي عليه دعوة المجلس بأسرع ما يمكن.
نص معاهدة الصداقة التركية ــــ الفرنسية بحذافيرها والبيان المشترك عن الجنسية والأموال المنقولة في الإسكندرونة:
نثبت فيما يلي نص معاهدة الصداقة الفرنسية ــــ التركية التي وُقعَّت في أنقرة في 4 يوليو/تموز 1938 بحذافيرها مع نص البيان المشترك:
معاهدة الصداقة الإفرنسية ــــ التركية بين رئيس جمهورية تركية ورئيس جمهورية فرنسة.
لأجل تأمين الصداقة والسلام بين الدولتين تقرران عقد معاهدة صداقة بينهما وقد عيّنا لهذه الغاية:
عن رئيس جمهورية تركية: نائب إزمير ووكيل الخارجية الدكتور رشدي آراس.
عن رئيس جمهورية فرنسة: سفير فرنسة المسيو هنري بونسو.
إنّ الطرفين الساميين المتعاقدين بعد أن تبادلا وثائق صلاحيتهما الموافقة للأصول والأنظمة المتّبعة دولياً قد اتفقا على الشروط الآتية:
المادة الأولى ــــ إنّ الطرفين المتعاقدين الساميين يتعهدان أن لا يعقدا معاهدة سياسية كانت أو اقتصادية أو اتفاقية أو أن يدخلا في مفاوضات ضد الطرف الآخر.
المادة الثانية ــــ إنّ الطرفين الساميين رغماً من عقد هذه المعاهدة إذا وقع على إحداهما تعدّ من قبل دولة أو دولة أخرى فإنه ضمن مدة هذه الاتفاقية لا يمكن إجراء معاونة للدولة المعتدية مهما تكن علاقتها مع هذه الدولة.
المادة الثالثة ــــ لأجل تأمين الصلح والسلام في البحر الأبيض المتوسط الذي يربط الطرفين الساميين المتعاقدين بغاية واحدة يتعهد الطرفان بالتشاور فيما بينهما بتطبيق نظام 29 مارس/أذار سنة 1937 الكافل ملكية السنجق. ويتعهدان أيضاً القيام بالواجبات المترتبة على كل منهما للمحافظة على نظام السنجق.
المادة الرابعة ــــ اعتباراً من تاريخ توقيع هذه المعاهدة يتعهد الطرفان المتعاقدان حين حصول اختلاف أو عدم اتفاق على حل بعض المسائل، أن يرجعا إلى سند التحكيم العام في مدة هذه المعاهدة.
المادة الخامسة ــــ يتعهد الطرفان المتعاقدان بأن المعاهدة لا تتنافى وحلّ الاختلافات الأخرى بين الطرفين المتعاقدين.
المادة السادسة ــــ إنّ هذه المعاهدة تحدد واجبات جمعية الأمم ووظائفها، وإنّ الطرفين المتعاقدين ليس لهما أن يفسراها بأنها تكون مخالفة للواجبات المترتبة عليهما لدى إدارة جامعة الأمم.
المادة السابعة ــــ إنّ هذه المعاهدة ستصدَّق ويسعى الطرفان المتعاقدان أن يسرعا لتبادل نسخ إبرامها، وتعتبر هذه المعاهدة نافذة اعتباراً من تاريخ تبادل النسخ المصدقة، وأنّ مدَّتها عشر سنوات، وإذا لم يطلب أحد الطرفين المتعاقدين فسخ هذه المعاهدة قبل انتهاء مدتها بستة أشهر تكون مجددة لمدة خمس سنوات أخرى. وتصدَّق هذه المعاهدة من قِبل الممثلين اللذين ذكر اسمهما أعلاه وتوقّع بإمضائهما وختمهما.
نظمت نسختان في أنقرة بتاريخ 4 يوليو/تموز سنة 1938.
البيان المشترك:
إنّ دولتي فرنسة وتركية تأخذان بعين الاعتبار معاهدة الصداقة والتحالف المنعقدة في هذا اليوم والتي عدّلت معاهدة الصداقة والتحالف القديمة المعقودة بتاريخ 3 فبراير/شباط سنة 1930، ولهذه الغاية تنشران النقاط الآتية المعبّرة عن مشاهداتها الحقيقية:
أولاً ــــ إنّ تركية تعترف كما جاء في معاهدة أنقرة المؤرخة في 1 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1921 بأن قضية السنجق ليست مسألة إلحاق السنجق بتركية، كما أنّ الطرفين المتعاقدين يقومان بتطبيق نظام سنجق الإسكندرونة وقانونه الأساسي الصادر بتاريخ 29 مايو/أيار سنة 1937 من قِبل جامعة الأمم وتنفيذ مواده وفي أثناء هذه التطبيقات يؤمّنان تفوّق العنصر التركي في السنجق.
ثانياً ــــ يتعهد الطرفان المتعاقدان بإقامة الصلات الودّية والصداقة وحسن الجوار مع الدول الواقعة تحت الانتداب بموجب اتفاقية أنقرة المؤرخة في 30 مارس/أذار سنة 1926 بين تركية وسورية (الشام) ولبنان. وبالمحافظة على الصداقة والمناسبات الحسنة ولأجل عدم وقوع الاختلاف وعدم انقطاع المناسبات لحين وضع اتفاقية مناسبة يمددان هذه الاتفاقية سنة أخرى بشرط أنّ المادة المتعلقة بحق المراعي والرعاة تعتبر ملغاة منذ اليوم.
ثالثاً ــــ إنّ معاهدة الصداقة المؤرخة في 3 فبراير/شباط سنة 1930 المنعقدة بين فرنسة وتركية وملاحقها من البروتوكولات تعتبر نافذة في جميع الأراضي الواقعة تحت الإدارة الفرنسية ضمن مدة هذه المعاهدة.
رابعاً ــــ إنّ المراسلات التي تبودلت في 29 مارس/أذار سنة 1937 بين وزير خارجية تركية وسفير فرنسة الكبير تعدل فقرتها الأولى بموجب البروتوكول (أوتيانلار)، وإنّ مقرر اعتبار تنفيذ هذا البروتوكول من حين توقيع هذا البيان.
خامساً ــــ إنّ الرعايا الأتراك الموجودين في سورية ولبنان والرعايا السوريين الموجودين في تركية بخصوص إقامتهم والحقوق التي لهم، وعلى الأخص الصلاحية القضائية، يعاملون بأحسن ما يعامل به رعايا الدول الأجنبية في الدولتين.
سادساً ــــ وفقاً لما جاء في المادة الثانية من هذا البيان ولأجل تأسس الصداقة ومعاهدة حسن الجوار، تتعهد الحكومتان بوضع معاهدة ثلاثية بين فرنسة وسورية وتركية موافقة لشروط الانتداب.
سابعاً ــــ إنّ معاهدة الصداقة وحسن الجوار المعقودة في 30 مارس/أذار 1926 بين تركية وفرنسة، بصفتها الدولة المنتدبة على سورية ولبنان من قبل جمعية الأمم، وبما أنّ أحكام هذه المعاهدة لها علاقة بلبنان يقرر أن ينظر في أمر عقد معاهدة مع لبنان.
كما تقرران على ما يأتي:
1 ــــ إذا حصل الإمكان تعقد معاهدة تجارية بين تركية وسورية ولبنان تسعى قريباً للدخول في هذه المفاوضات.
ثامناً ــــ في الختام، إنّ الطرفين متفقان على عقد معاهدة إقامة بين تركية وفرنسة تعيد حقوق الأتراك المقيمين في فرنسة والإفرنسيين المقيمين في تركية. وأن يسعيا بأقرب وقت لإبرام هذا الاتفاق.
إنّ هذا البيان حرر منه نسختان في أنقرة بتاريخ 4 يوليو/تموز سنة 1938.
الجنسية:
بموجب المادة 31 من معاهدة لوزان التي خوّلت الأشخاص اعتناق الجنسية التركية أو السورية أو اللبنانية وبموجب المادة 3 من معاهدة أنقرة المؤرخة في 30 مارس/أذار سنة 1926 والتي خوّلت بحق اختيار الجنسية السورية أو اللبنانية أو التركية، فإنه يوجد أشخاص كثيرون سجلوا تركاً وبقوا في سورية ولبنان دون نقل إقامتهم إلى تركية، ويوجد بالعكس، فإن هؤلاء الأشخاص يعتبرون فاقدين لجنسيتهم ضمن الشروط الآتية:
أولاً ــــ إذا لم يراجعوا الدوائر ذات الاختصاص لإملاء بيانات اختيار الجنسية وذلك قبل تاريخ 25 أغسطس/آب سنة 1938.
ثانياً ــــ إذا قدموا البيانات المطلوبة كما جاء في المادة الأولى ولم ينقلوا سكناهم إلى أرضي الدولة التابعين لها لتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1939 ولأجل إجراء المعاملات يجب على الأشخاص ذوي الجنسية التركية في سورية ولبنان، وعلى الأشخاص ذوي التابعية السورية أو اللبنانية الموجودين في تركية، أن يراجعوا قناصل فرنسة في تركية.
وإنّ طلبات إملاء البيانات لا تعطى في 15 أغسطس/آب 1938 وتعلن قبل واحد سبتمبر/أيلول1938 ولأجل نقل أملاك هؤلاء الرعايا يجب على الحكومات أن تتخذ التدابير اللازمة لتسهيل نقل أملاكهم وبيعها قبل تاريخ 1 سبتمبر/أيلول سنة 1938.
ويحق لهؤلاء الأشخاص المحافظة على أملاكهم الموجودة في سورية وتركية ولبنان. وأما أملاكهم المنقولة فتؤخذ معهم. ولا يحق للدولة أن تضع أي رسم أو تمنع على هذه الأموال قطعاً. إنّ أموال نساء الأشخاص المارّ ذكرهم وأولادهم الذين لم يبلغوا الثامنة عشر من عمرهم تابعين لنفس الشروط التي يتبعها آباؤهم.
حرر على نسختين في أنقرة بتاريخ 4 يوليو/تموز سنة 1938.
بعد جميع هذه «العقود الدولية» المخالفة لحق الأمة السورية ماذا كان موقف «الكتلويين»؟
في أواسط 1938 سافر رئيس الوزارة الشامية، السيد جميل مردم، إلى فرنسة.
وفي رسالة عن دمشق لجريدة فلسطين مؤرخة في 14 سبتمبر/أيلول ومنشورة في عدد 15 منه يقول المراسل إنّ رئيس مجلس الوزراء بالنيابة تلقّى كتاباً من رئيس الوزارة الموجودة في فرنسة هذا بعض ما جاء فيه:
«لم ندخل حتى الآن في مباحثاتنا بالتفصيلات وكل ما في الأمر أنّ الوزير الفرنسي عرض عليَّ بعض ملاحظاته على المعاهدة وخاصة البروتوكول العسكري وما نقل إليه عن الحالة في الجزيرة وجبل الدروز مع تأييده لسياسة التعاون على أساس التعديل (أي التعديل في الشؤون العسكرية والإقليمية)، ثم طلب إليَّ أن أسافر إلى جنيف للاجتماع برشدي آراس (وزير تركية) بحضوره تمهيداً للمباحثات المقبلة في أنقرة والاتفاق على موعد الزيارة».
وفي رسالة المراسل المذكورة ما يلي:
«وورد كتاب من مرافق رئيس الوزارة إلى باريس جاء فيه أنّ الرئيس سيرافق وزير الخارجية الفرنسي إلى أنقرة للاشتراك معه في مباحثات المعاهدة الفرنسية ــــ التركية ــــ السورية وحلّ جميع القضايا المتعلقة بالإسكندرونة من جهة والعلاقات التركية ــــ السورية من جهة أخرى».
وقد قامت الأدلة العديدة على تواطؤ رجال «الكتلة الوطنية» مع فرنسة على مصير الإسكندرونة فبين التصريحات الهامّة في هذا الصدد ما نشرته جريدة النذير الحلبية في 3 يوليو/تموز 1938 نقلاً عن المقطم من مقال للسيد أمين سعيد يثبت فيه أنّ شاهد عيان أرسل إليه كتاباً يقول فيه إنّ الكولونيل كوله (وهو قائد الكتيبة الشركسية المشهور في سورية الذي بعثته قيادته إلى الإسكندرونة لتنفيذ الاتفاقات بين فرنسة وتركية) صرح قائلاً:
«إنني هنا أنفِّذ اتفاقاً عقد بين فرنسة وتركية وأبلغ إلى الحكومة السورية فلم تعترض عليه وأبلغ أيضاً إلى مندوبها في أنقرة (السيد عادل أرسلان).
ومعنى هذا أنّ الحكومة السورية (الشامية) لم تفاجأ بما يجري هنا فهي تعرفه وقد وافقت عليه ضمناً».
وقال الكولونيل شارحاً:
«ولقد كان في النية تنفيذ هذا الاتفاق في الربيع ثم رأى ولاة الأمور أن يتركوا فرصة للوزارة السورية (الشامية) فتعرض الاتفاقات على البرلمان السوري (الشامي)، وحيث أنّ هذه الاتفاقات لم تعرض على البرلمان حتى الآن، وحيث أنّ البرلمان ختم دورته في أواخر الشهر الماضي من دون أن ينظر في هذه الاتفاقات ومن دون أن يبحث في مشكلة إسكندرونة، فقد رأى ولاة الأمور الشروع في التنفيذ فجئت إلى هنا وبدأت العمل، فأنا هنا منفّذ لاتفاق مكتوب لا أكثر ولا أقل».
أما موقف حكومات الأقطار العربية من قضية الإسكندرونة فمما يدعو إلى الأسف.
وفيه الدليل على صحة نظرية الحزب السوري القومي الاجتماعي بوجوب اعتماد الأمة السورية على نفسها وتضامنها. ومن الأدلة على ما نقول ما ورد في رسالة لمكاتب صوت الأحرار في بغداد نشرت في 16 يوليو/تموز 1938 وهو:
«والمؤسف هو الموقف الذي وقفه وزير خارجية العراق، بناءً على قرار حكومته، من قضية الإسكندرونة. فالحكومة رغبة منها في إرضاء تركية رفضت رفضاً باتاً التدخل في قضية اللواء، ومن المنتظر أن توافق في جلسات عصبة الأمم القادمة على الاتفاق الذي تمَّ في إنطاكيا وأنقرة. والذي ينتزع هذه البقعة السورية عن جسم «المملكة» السورية. وهكذا أثبتت الحكومة العراقية أنها بعيدة عن التأثر بشعور السوريين».

فواضح مما تقدم أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الحزب الوحيد الذي وقف موقفاً جازماً وسعى بكل قواه للدفاع عن حدود سورية الشمالية، وحاول جهده الوصول إلى تفاهم مع رجال الحكم في الشام لعدم عرقلة حركة الدفاع عن الإسكندرونة، التي كان الحزب القومي الاجتماعي قد قصد تعبئة صفوف المتطوعين للزحف إليها وحماية حدودها.
وكان الحزب القومي الاجتماعي يتمكن من وضع نحو خمسين ألفاً من المتطوعين على الحدود المذكورة.
ولكن المفوضية الفرنسية و«الكتلة الوطنية» وغيرها من الأحزاب الاستغلالية هددت بتحويل خطة الحزب الدفاعية إلى صدام داخلي لا يفيد الإسكندرونة ولا بقية البلاد.
فمسؤولية خسارة الإسكندرونة واضحة ومن هذه المسؤولية لا يخرج غير الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي عزز موقفه كرامة الأمة السورية التي حاولت الأحزاب الأخرى إذلالها.

 أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 48، 15/7/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى